لا يهزنى ويفتت قلبى سوى دموع كبار السن ممن لا حول لهم ولا قوة, وعندما يكون الأمر خارجاً عن إرادتهم فإن الحال يكون صعباً ومؤلماً! وما إذا كان الأمر فعلا خارجاً عن يد الجميع فإن ذلك يكون مبعثاً للألم والحيرة, وها أنا أطلب من قرائى وقارئاتى أن يشاركوا في حل وتحمل هذه المشكلة!

***

الصوت قادم من بعيد من محافظة بعيدة إنه صوت سيدة شابة متوسطة السن قالت: أنا وأبى نكلمك من مغاغة - بالصعيد الجوانى.. والدى هو الذى يريد أن يتحدث إليك وبعده سوف أكمل الحديث معك .. لا تغلقى (السكة) بعد أن يكلمك أبى فسوف أشرح لك المزيد وأرجو أن تسمعيه جيدا.. جاء صوت والدها ضعيفاً واهنا, وقال: أرجوك ساعدينى أنا أموت - وسمعت صوت بكائه فتمزق قلبى إرباً.. قال: المشكلة فى ابنى الصغير! هو ليس صغيراً لكنه أصغر أبنائى لذلك أقول عنه الصغير.. إنه يدمر حياته بيده ولا أحد يستطيع أن يوقفه فهو يقول إنها حريته الشخصية وليس لأحد أن يتدخل فى حياته لأنه ليس قاصرا! إنه فى الثلاثين من عمره وهو خريج كلية الألسن وكان يعمل مدرساً للغة الإنجليزية بمدرسة لغات.. ثم سمعت سعالا شديدا متواصلا أثناء حكى الرجل وانقطع الكلام وقال:

-  إيناس ابنتى الكبيرة حتحكى لك كل حاجة.. أنا تعبان وهموت وأرجو ألا تتركينا وحدنا, ويبدو أن ابنته التقطت السماعة وقالت:

-  سوف أحكى لك بالتفصيل كل الظروف لأن أبى تعبان ولديه صعوبة فى البلع وفى التنفس منذ أن عرف بما جرى لأخى أحمد, وسوف أبدأ بأن أقول لك بأننى الابنة الكبيرة لهذه الأسرة, ووالدتنا توفت منذ عشرة أعوام متأثرة بنزلات الرئة, وكانت والدتى تعانى من صعوبة في التنفس وتستعمل كل (البخاخات), وذات مرة لم تجد البخاخة إلى جوارها ففاضت روحها إلى بارئها وعشنا بعدها حياة بائسة نفتقد حنانها وحبها خاصة أخى الصغير أحمد الذى كان لصيقاً بها, أنا الكبيرة تخرجت فى كلية التجارة وعملت فى إحدى الشركات المصرية وخطبنى زميل محترم لى بالشركة وتزوجت وأنجبت ابنة واحدة وأنجبت أمى من بعدى أختى إيمان ثم جاء أخى أحمد .

كنا ولا نزال عائلة مستورة, فقد كان أبى موظفاً كبيراً بالحكومة وكان رجل ذا هيبة (وشنة ورنة) إنه هو نفس الإنسان الذى لا يكف عن البكاء الآن من أجل ما جرى لابنه الصغير الوحيد الذى لا نعرف بالضبط ماذا جرى له! لا أحد يعرف لكن الأمر حدث بعد زواجى وزواج أختى إيمان التى تخرجت فى كلية التجارة أيضاً وتزوجت ولم تعمل حسب رغبة زوجها, وأنجبت أختى - ابنة جميلة - وظل أخى مع أبى وحدهما فى المنزل ترعاهما قريبة لنا كبيرة السن كانت أمى قد ربتها وعلمتها كل المطلوب فى المنزل من نظافة وطهى ورعاية وخلافه، وكان أخى طبيعياً جداً بعد تخرجه في كلية الألسن, وكان فنانا بطبعه يهوى الموسيقى وكان يعزف على الكمان ويشارك فى الفرقة الموسيقية للجامعة, وكان جميل الشكل مسالما هادئاً لكنه كان يؤثر الانعزال فى غرفته ولا يخرج منها إلا للضرورة القصوى!

***

وتستطرد إيناس - 35 سنة - ومن فضائل والدى أن وضع كل ثروته ومكافأة نهاية الخدمة فى شراء ثلاث شقق تمليك لى ولأختى ولأخى, وأعيش أنا وأختى فى شقتينا التمليك، هكذا أراد أبى حتى لا يطردنا أحد من بيوتنا ونتشرد مع أولادنا فى الشوارع كما يحدث كثيراً هذه الأيام فى عائلات كثيرة.

وبعد تخرج أخى طالبه أبى بأن يختار عروساً تناسبه وهو موافق على اختياره ما دام يحبها وينوي أن يعيش معها فى وفاق، وطلب أخى قبل أى ارتباط أن يتم فرش وتأثيث شقته التمليك كما يريد هو وتأتى العروس بحقيبة ملابسها فقط, ووافق أبى لشدة حبه لأخى الصغير الهادئ الجميل, وأثث له شقته بل ساهمنا جميعا مع أبى وأخى فى اختيار أجمل المفروشات لشقة أخى الذى نحبه من كل قلوبنا ونعطف عليه بعد أن فقدنا أمنا التى كانت لصيقة به وتحن عليه كثيراً لأنه أصغرنا وأضعفنا! واكتملت شقة أخى من كل شيء وفرحنا وطالبناه بأن يختار العروس التى تناسبه وكان وجوده فى المنزل مع أبى مشكلة كل شىء فى حياته لكنه فاجأنا لما لم نكن نحسبه أو نفكر فيه ..الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية.

المصدر: كتبت : سكينة السادات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 655 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2019 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,804,804

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز