كتب : عادل دياب

منذ اللحظات الأولى لبعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كان للمرأة دور مهم في نشر رسالة النور والمحبة والسلام، ألم يكن أول من سانده وناصره وآمن به السيدة خديجة رضي الله عنها، وعلى مدار التاريخ الإسلامي وإلى اليوم برزت الكثيرات من النساء عبرن عن سماحة الإسلام ووسطيته.

السيدة نفيسة .. حبيبة أهل مصر

أحبها أهل مصر وبذلوا كل جهد لإقناعها بالبقاء معهم، حين فكرت يوما في المغادرة إلى المدينة، ولقبوها بنفيسة العلوم، وقصدوا مجلس العلم الذي اشتهرت به، ووقفوا بباب بيتها وسألوها الدعاء في كل شأن ألم بهم، واتخذوها قدوة وبركة.

هي الزاهدة العابدة الطاهرة الورعة سليلة بيت النبوة السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن ابن الإمام علي بن أبي طالب وابن السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنهم أجمعين وصلى وسلم وبارك على جدها الرسول المصطفى الكريم.

ولدت في مكة المكرمة في الحادي عشر من ربيع الأول عام 145 هجرية، ونشأت في المدينة المنورة، حيث تفقهت في الدين وربيت على الصلاح والتقوى، أرسلها والدها إلى المسجد النبوي منذ كانت في الخامسة من عمرها تستمع إلى شيوخه وتتلقى العلم من كبار المحدثين والفقهاء.

حين بلغت سن الزواج تقدم لخطبتها الكثيرون من ذوي الفضل، طمعا في الانتساب لبيت النبوة، ورغبة في خيرها وإيمانها وتقواها، ومما يروى أن أباها الحسن الأنور كان يرد خطابها ومنهم العلماء والعباد قائلا "إني أريد أن أؤدي الأمانة إلى أهلها وأرد القطرة إلى بحرها، وأغرس الوردة في بستانها"، فإذا سمع منه الناس ذلك سكتوا وقالوا "لعل في الأمر سرا لا ندركه".

لكن إسحق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الملقب بالمؤتمن لأمانته وفضله، كان أشد الجميع حرصا على الزواج من ابنة عمومته، فاستخار الله وذهب إلى عمه ومعه كبار أهل البيت، فرحب بهم الحسن، لكنه لم يعطهم كلمة بشأن زواج ابنته، فقام إسحق وفي نفسه حزن، فتوجه إلى المسجد النبوي ووقف في المحراب يصلي، فلما فرغ توجه إلى الروضة الشريفة وسلم على رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ثم انصرف، فلما كان الصباح أرسل إليه عمه فقال له "لقد رأيت الليلة جدي رسول الله "صلى الله عليه وسلم" في أحسن صورة يسلم علي ويقول يا حسن زوج نفيسة ابنتك من إسحق المؤتمن"، وكان إسحق من أهل الفضل والاجتهاد والورع، وبزواجهما اجتمع نور الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة في بيت واحد.

عام 193هجرية قدمت السيدة نفيسة بصحبة زوجها ووالدها إلى مصر، ففرح المصريون بهم وخرجوا لاستقبالهم وأقامت السيدة نفيسة في الفسطاط، فأحبها المصريون وأحبوا تقواها وعلمها، وأقبلوا عليها يلتمسون منها العلم ويطلبون النصيحة والدعاء، حتى كادوا يشغلونها عما اعتادت عليه من العبادة، فخرجت إليهم قائلة "كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى"، ففزعوا لقولها ولجأوا إلى والي مصر السري بن الحكم فاستعطفها وقال لها "يا ابنة رسول الله إني كفيل بإزالة ما تشكين منه" وخصص لها دارا واسعة ويومين في الأسبوع يزورها الناس طلبا للعلم والنصيحة، لتتفرغ للعبادة بقية الأسبوع.

وكان من بين زوارها الإمام الشافعي، يطلب الدعاء والنصيحة، ويصلي التراويح في مسجدها في رمضان، وأوصى أن تصلي عليه عند وفاته، فمرت جنازته ببيتها وصلت عليه إنفاذا لوصيته، وقالت "رحم الله الشافعي كان يحسن الوضوء".

وروي أنها استعدت لوفاتها فحفرت قبرها في بيتها وختمت فيه القرآن مائة وتسعين مرة، وفي رمضان عام 208 هجرية بينما كانت تقرأ في مصحفها إلى أن وصلت لقوله تعالى في سورة الأنعام "لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون" أسلمت الروح إلى بارئها، ولما أراد زوجها أن ينقل جثمانها الطاهر إلى المدينة المنورة لتدفن بجانب جدها رسول الله، اجتمع أهل مصر وقد أحزنتهم وفاتها حزنا شديدا، فازدحموا عليه يمنعونه من الرحيل، فلما بات ليلته أصبح ودفنها في قبرها في مصر، وقال "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: "يا إسحق لا تعارض أهل مصر في نفيسة فإن الرحمة تنزل عليهم ببركتها".

المصدر: كتب : عادل دياب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 748 مشاهدة
نشرت فى 7 مايو 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,454,557

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز