كتب : عادل دياب

 

يعشن معنا بأفكارهن وأعمالهن العظيمة، فلا ننسى أن المصرية كانت قديما ملكة متوجة بينما العالم يعيش في الكهوف، وظلت حديثا في المقدمة تسبق غيرها بخطوات. إنهن نساء رائدات نتذكرهن ونفخر بهن. 

 أكثر من مائة عام مرت على رحيلها، لكن ذكرى الأميرة فاطمة لاتزال حية نابضةتعيش بيننا، ولأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، فإن جامعة القاهرة تذكرنا كل يوم نمر بها فيه، بما قدمته امرأة مصرية كريمة، تحب وطنها وتحب العلم، وتقدر العمل الصالح الذي ينفع الأمة ويبني أجيالها.

ربما لا يعرف الكثيرون من أبناء الأجيال الجديدة الأميرة فاطمة إسماعيل، وقد يكون السبب في ذلك عدم التذكير بها وبأمثالها، ممن خدموا وطنهم، بالقدر الكافي، فمن هي هذه المرأة الرائدة، أميرة التعليم والاستنارة، التي عاشت في مصر قبل مائة عام؟

هي الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل حفيدة إبراهيم باشا بن محمد على والي مصر وباني نهضتها الحديثة في مطلع القرن التاسع عشر، وهي شقيقة الخديوي توفيق والسلطان حسين كامل والملك فؤاد الأول، وعمة الملك فاروق، ولدت في الثالث من يونيو عام 1853، وأبدت ميلا طبيعيا منذ طفولتها لحب الفن والجمال والثقافة، الأمر الذي صقلته حياتها الملكية، حيث تقاليد تربية الأمراء والأميرات، لكن الأميرة فاطمة تميزت بين إخوتها بحب أكبر للتعليم، وميل أكبر للعمل الخيري، والذين عرفوها عن قرب أدركوا أن الأميرة لا تهتم بهذه الأعمال من باب الوجاهة والواجب، كما يتعين على الأمراء والأميرات، لكن الأمر أصيل في نفسها، يشعرها بالسعادة وتبدي استعدادا لتقديم الكثير من أجله.

في الثامنة عشرة من عمرها تزوجت من الأمير طوسون بن محمد سعيد باشا، والي مصر، وتم الاحتفال بالزواج عام 1871 والذي كان زواجا أسطوريا، فقد قرر الخديوي إسماعيل أن يزوج الأمراء توفيق وحسن وحسين كامل والأميرة فاطمة في نفس اليوم، فيما عرف بعد ذلك بزواج الأنجال، وارتدت الأميرة فاطمة تاجا من الألماس بلغ ثمنه وقتها 40 ألف جنيه وفستانا من الحرير الأبيض الفرنسي الثمين، مرصعا بأغلى أنواع اللؤلؤ والألماس، طول ذيله 15 مترا.
<!--

كان الزفاف حديث أوروبا والشرق في حينه، وشملت الهدايا المقدمة للأميرة مجوهرات وأحجار كريمة، ذهب الكثير منها لأعمال الخير بعد ذلك، وقد رزقت الأميرة من الأمير طوسون بطفلين، الأمير جميل والأميرة عصمت، لكن الأمير طوسون توفي وهي لا تزال في العشرينات، لذلك وعند بلوغها الثلاثين تزوجت من محمد سري باشا، ورزقا من الأبناء بثلاثة أولاد وبنت.

في ذلك العصر لم تعرف مصر الجامعات، باستثناء الأزهر الذي كان معنيا بالعلوم الدينية وعلوم اللغة، إلى جانب المدارس العليا التي أنشأها محمد على باشا مثل المهندس خانة والمدرسة الطبية، التي أغلقت فى عهد سعيد باشا عام 1850، وكان يتعين على الطلاب السفر في بعثات إلى أوروبا لاستكمال تعليمهم الجامعي، وكان ذلك لا يكفي، لذلك بدأت حركة وطنية في اتجاه إنشاء أول جامعة مصرية، ورغم رفض الاحتلال إلا أن المصريين نجحوا في تأسيس جامعة القاهرة عام 1908 كجامعة أهلية.

لم يكن للجامعة مبنى خاص يتلقى فيه الطلاب محاضراتهم التي كانت تعقد في إحدى قاعات مجلس شورى القوانين أو نادي المدارس العليا، وكانت الصحف تعلن عن مكان المحاضرات حسبما تيسر، بعدها استأجرت الجامعة مبنى من شخص أجنبي، لكن ارتفاع الإيجار الذي بلغ وقتها 400 جنيه في العام، ثم رغبة الخواجة في بيع المبنى بدلا من تأجيره هدد مشروع الجامعة بالتعثر.

في ذلك الوقت علمت الأميرة فاطمة بالمشكلةمن طبيبها الخاص محمد باشا علوي، فقررت فورا التنازل عن ستة أفدنة لتبنى عليها الجامعة، إلى جانب وقف ريع 661 فدانا من أجود أراضيها للإنفاق على الجامعة، هذه الأراضي كانت جزءا من أكثر من ثلاثة آلاف وثلاثمائة فدان، خصصتها الأميرة للأعمال الخيرية.

استمرت الأميرة في متابعة أعمال مشروع الجامعة، فبلغها توقف بناء كلية الآداب، وأن المشروع كله مهدد بسبب التكلفة الضخمة، التي وصلت إلى ما يقارب 26 ألف جنيه، وهو مبلغ خيالي بمعايير العصر، فقررت التخلي عن مجوهراتها الملكية النفيسة، التي كانت تراثا للأسرة العلوية، لتوضع تحت تصرف هيئة الجامعة لبيعها من أجل إتمام المشروع، لكن المجوهرات لم تجد من يستطيع شراءها داخل مصر، فأوكلت هيئة الجامعة لمحمد باشا علوي بيعها بالخارج، وبالفعل تمكن من بيعها بمبلغ 70 ألف جنيه وتم استكمال البناء، لكن الأميرة توفيت عام 1920 قبل أن تشاهد مباني الجامعة، وصرحها الذي شيدته للعلم والثقافة والتنوير في مصر والعالم العربي.

لم يتوقف عطاء الأميرة على مساهمتها في إنشاء جامعة القاهرة، فقد تبرعت بقصرها الذي أصبح المتحف الزراعي، وتبرعت للحكومة بأراضيها في منطقة الدقي، وساهمت بالكثير في العمل الخيري، ليس في مصر فقط بل وخارجها.

المصدر: كتب : عادل دياب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 465 مشاهدة
نشرت فى 23 سبتمبر 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,681,853

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز