سيظل عيد أول مايو رمز تتضامن العمال من أجل الحصول على حقوقهم و ضمان مستقبل مشرق لكل العاملين و العاملات فى كل مكان

   لإى أغنى دولة فى العالم كانت حياتهم عذابا...
    العذاب يلاحقهم فى كل مكان.. و الحاجة تلاحقهم فى كل زمان....
    أن ساعات العمل الطويلة تمتص كل رحيق للحياة فى أجسامهم.. و الاجور الضئيلة لاتكاد تكفى لرد ما يفقدونه أثناء عملهم الشاق....
    و النساء و الاطفال يخرون صرعى أمام الآلة التى لا ترحم...
    و بلغ العذاب اقصاه،و وصلت الحاجة الى ذروتها...
    و كان لابد أن يحدث شئ..
    شئ يخلصهم من هذه الحياة البشعة القاسية التى لا تعرف الرحمة
    و كان همس فى مصانع شيكاغو المدينة الامريكية الصاخبة..
    ان اللصوص يعيشون فى المدينة عيشة الملوك، بين سمع الحكام و بصرهم!
    و هم.. هم الذين يصنعون الحياة، لا يملكون قوت يومهم ألا بشق النفس،و كدح الساعات الطويلة!
    هذا الظلم.. الى متى؟
    هل هو قدر مكتوب.. و على العمال من دون غيرهم؟!
    لا.. لابد لهذا كله من نهاية.

اليوم الدامى
    و كانت بداية النهاية مظاهرات ساخبة فى أول مايو سنة 1886.. ارتفعت فيها أصوات العمال تملأ سماء شيكاغو.. لابد من تحديد ساعات العمل.. لابد من حد أدنى للاجور.. لابد من حماية الاطفال و النساء..

    و كان المتظاهرون يبلغون 350.000عامل.. و اضطر أصحاب العمل الى أن يستجيبوا لبعض الرغبات، فارتضوا أن يكون يوم العمل – 8ساعات،و لكن لقطاع محدود من العمال..

    و لهذا تجمع العمال مرة أخرى فى 3مايو...

    التقى العمال الذين حصلوا على هذا الحق.. مع زملائهم الذين لم يحصلوا عليه. للمطالبة بتطبيقه على الجميع..

    و فى أحد مصانع (شيكاغو) وقف النقابى (أوجست سبايز)و تحدث عن حق العمال جميعا فى يوم عمل لا يتجاوز 8ساعات لكن (المستر كابيتال) مدير المصنع كان يدير فى الخفاء مؤامرة مع مدير البوليس.. تبرر سحق المظاهرة السليمة...

    و هكذا اندس أحد المخبرين بين المتظاهرين،و ألقى قنبلة على رجال البوليس.. فأطلق البوليس الرصاص الطائش فى كل ناحية و ألقى القبض على (أوجست سبايز)و (أودلف فيشر) و (ألبير باسونز)و (جورج أثيل)،و كلهم من النقابين المناضلين.

    و أقيمت من أجلهم محاكمة صورية.. كأن الخصم فيها هو الحكم!.

    فقد جلس على منصة القضاء رئيس أدراة شركة الصلب الامريكية.. و صدر الحكم بالاعدام على العمال الاربعة.

    و عندما توجه (سبايز) الى الكرسى الكهربائى لينفذ الحكم الذى صدر ضده،و وقف ليقول لجلاديه:
    أنكم تخنقون أصواتنا اليوم، و لكن الغذ سيأتيكم بأصوات أعلى من أصواتكم أيها القتلة!
    و مضت شهور على الحادث الاليم

    و ذات يوم أشتد المرض على مدير بوليس شيكاغو.. و ايقن أنه مرض الموت.. فأرسل فى طلب القسيس ليعترف.. و جاءت اعترافاته دليلا قاطعا على تبرئة العمال من القاء القنبلة.

    و ثار العمال مرة أخرى..و ملأت مظاهراتهم مدن أمريكا.. و طالبوا بإعادة محاكمة زملائهم..و برئ النقابيون ألاربعة،و لكن بعد فوات الاوان..
    و فى اول مؤتمر لعمال الولايات المتحدة الامريكية، عقد بعد هذا الحمك الجائر، تقرر اعتبار أول مايو عيدا لعمال أمريكا.

    و فى عام 1888.. أى بعد مظاهرات شيكاغو بسنتين قرر مؤتمر العمال الدولى الذى انعقد يومئذ فى باريس اعتبار هذا العيد عيدا عالميا للعمال.. تحية لرواد الحركة العمالية الذين طالبوا بتحديد ساعات العمل،و تحديد حد أدنى للاجور،و رعاية الاحداث و النساء فى أعمال الصناعة..

    تلك هى قصة العيد الذى نحتفل به اليوم...

تغير كل شئ
    و قد كان فى مصر.. قبل الثورة.. مثل هذا العذاب.
    عذاب يعرفه العمال فى كل مكان فى المحلة الكبرى.. و شبرا الخيمة.. و الاسكندرية،و كل مكان فيه عمل و عمال.
    كانت النار تطلق عليهم..
    و كان الفصل الجماعى يهددهم. و كانت القوائم السوداء تقتنص أسماءهم..
    كانت حكومات الملكية و الاقطاع تحارب هذا اليوم و تقمعه بالحديد و النار و الارهاب.. بل كان من التقاليد التى يعرفها الوطنيون فى ذلك العهد أن يقبض عليهم فى 29 أبريل ليقضوا أول مايو فى السجون، ثم يطلق سراحهم فى الثانى من ذلك الشهر.

    ثم كانت ثورة يوليو المجيدة،و اذا كل شئ يتغير..
    و اصبح أول مايو عيدا رسميا تحتفل به فئات الشعب العامل فى جمهوريتنا
    لقد صار كل شئ فى بلدنا فى خدمة العاملين.

   أصبح قانون العمل ينص على عدم جواز الفصل التعسفى.

    أصبح له حق فى ارباح الانتاج أصبحت له ضمانات ضد الشيخوخة و العجز و البطالة..
    أصبحت له نصف مقاعد التنظيمات الشعبية و السياسية،و على جميع المستويات.. أصبح كل شئ من أجله.. و من أجل تحالف قوى الشعب العاملة...

بعض مكاسبك
    و كنت أنت فى ضمير الثورة.. فقد عرف لم الميثاق مكانك فى العمل الوطنى و فى صناعة الاجيال القادمة...

    ساواك بالرجل فى كل شئ.. و من بين زاميلاتك اختارت الثورة أول وزيرة فى تاريخ بلادنا و أصبح لك حق الترشيح و الانتخاب،و دخلت مجلس الأمة...

    و أصبحت تشغلين أهم الوظائف و أرفعها..وكيلة وزارة و مديرة عامة و رئيسة قسم فى الجامعة و عميدة لبعض الكليات و المعاهد.و فتحت أمامك أبواب القضاء المغلقة، فعينت أمينة سر و معاومة تنفيذ بالمحاكم.

    و قد حرصت الدولة على أن تكون مكان عملك قريبا من مقر أسرتك و بخاصة اذا كنت متزوجة.

   و القانون من أجل راحتك يلزم كل مؤسـسة بانشاء دار للحضانة اذا تجاوز عدد العاملات المائة.

    و هو ينص على عدم اشغالك بالاعمال المرهقة أو التى تضر صحتك، كذلك حرم عملك ما بين الثامنة مساء و السابعة صباحا.

    و اصبح لك  الحق فى أجازة وضع تبلغ 50 يوما تتقاضينخلالها 70% من اجرك و عند عودتك الى العمل يكون من أجرك و عند عودتك الى العمل يكون من حقك الحصول على فترتى راحة فى اليوم لارضاع طفلك، مدة كل منها 2/1ساعة.

    و اصبح من حق الارامل و المطلقات و غير المتزوجات من بنات و أخوات صاحب المعاش استحقاق فى معاشه..

    و من أجل أسرتك و ابنائك حققت الدولة مجانية التعليم،و وفرت الخدمات الطبية و خفضت ايجار المساكن،و أقامت المصانع كل هذا و الامل كبير فى أن يصدر قانون الاحوال الشخصية،و قد رد الى نفسك أطمئنانها و الى مستقبلك هدوء و سعادته.

    و هكذا لا تضمن عليك الدولة بشئ.. أنها تبذل كل جهودها و من أجل الاجيال الصاعدة من أبنائك.
    و لذلك فان فى عنقك دينا كبيرا لبلادك.
   
    هذا الدين لن يرده الا العمل و العمل المضاعف.. العمل الذى يدعم الانتاج،و ينطلق به ليحقق آمالنا فى الغد المشرق الذى ينشر فيه الرخاء ألويته على الجميع..

    ثم العمل على تربية أولادك،و تنشئتهم على حب العمل و تقديه،و احترام العاملين و تقديرهم.
    و ل عيد.. و أنت أكثر وعيا.و قدرة على العمل.
    و كل عيد،و بلادك أكثر رخاء و تقدما..

المصدر: ماهر قنديل - مجلة حواء

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,454,459

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز