عندما ينتحر تلميذ لايتعدى عمره 15 سنة، فتش عن المناهج الدراسية العقيمة، وتعنت المدارس، وتوتر أولياء الأمورهل بات الموت أمنية لدى أطفالنا؟ وهل أصبحت الرغبة فى إنهاء حياتهم أو شىء من هذا القبيل هاجساً يسيطر على عقولهم؟! وهل تصريح الأطفال للأبوين بالانتحار للتأثير عليهم لم يعد مجرد تهديد أو جملة يتفوهون بها فى لحظة غضب، بل أصبح حقيقة ومؤشراً قوىاً عما يدور داخل عقولهم، ولماذا يقبل أطفالنا على الانتحار بدلا من الاقبال على الحياة والاستمتاع بها واللعب واللهو والمرح؟!
تساؤلات لابد منها بعد أن تزايدت حالات انتحار الأطفال وقبل أن تتحول إلى ظاهرة، خاصة بعد انتحار طالب بالصف الأول الإعدادى بالاسكندرية، حيث قام بشنق نفسه فى سقف حجرة أعلى سطح البيت لعدم رغبته فى الذهاب إلى المدرسة، بينما ألقى طالب بالإعدادية بنفسه من فوق سطح منزله لحصوله على درجات متدنية وخوفه من عقاب والده، وطفلة أخرى عمرها خمس سنوات تقبل على الانتحار بسبب تدهور مستواها الدراسى، وطالبة بالصف الثانى الثانوى تلقى بنفسها من شرفة منزلها بعد فشلها فى الحصول على المجموع الذى تريده أسرتها للالتحاق بإحدى كليات القمة.
هذه النماذج وغيرها كثيرة لابد أن تثير مشاعر من الشفقة والغضب والحيرة والدهشة، والتساؤلات العديدة، لماذا تهون الحياة على طفل فى هذه السن؟ وكيف وصل إلى حالة من الاحباط واليأس؟ وما هى حجم الضغوط التى يتعرض لها ليأخذ القرار بأن الموت أصبح عنده أفضل من الحياة؟ من المسئول عن انتحار هؤلاء الأطفال الأسرة أم المجتمع؟ أم المسئوليات الكثيرة الملقاة عليهم والضغوط التى يتعرضون لها فى المدارس من امتحانات وواجبات وغيرها، وما يقابلها من ضغط من الآباء والأمهات لتحقيق التفوق حيث تكون السبب الرئيسى حيث يشعر هؤلاء الأطفال وكأنهم يطحنون بين كفى الرحى، تعصرهم عصرا، وتغتال عقولهم وبراءتهم ولهوهم ولعبهم، ولا يجدون مفرا سوى الانتحار.
مما لا شك فيه أن تدهور العملية التعليمية فى مصر، وسوء المقررات الدراسية وتعنت المدرسين مع الطلاب فى ضرورة الالتزام بالواجبات أيا كانت الظروف، وعدم القدرة على التواصل بين المدرس والتلاميذ، ونظام الامتحانات العقيم، كل هذا يدفع التلاميذ للشعور بأنهم يذهبون للمدارس رغما عنهم، بل مرغمين لتفادى نسب الغياب، وإرضاء الأبوين، وهنا لا يجد من يراعيه ويأخذ بيده، ويكون مصيره التجاهل وعدم الاهتمام به من مدرس يشعر «بالزهق والقرف»، بسبب قلة المرتبات، والضغوط المفروضة عليه لإنهاء مقررات دراسية عقيمة فى فترة زمنية محددة فى ظل غياب الجانب الترفيهى الذى يخفف من حدة التوتر فى المدارس بين التلاميذ والمدرسين، وتستنفذ طاقاتهم المكبوتة والمضغوطة والمحشورة بين أربع جدران طوال النهار.
ناهيك عن فترة الامتحانات التى تزيد من أعراض التوتر النفسى لدى العديد من الأولاد، وما يصاحبها من أمراض عضوية تمنعهم من الأداء الجيد فى الامتحانات، وتدفعهم للأخفاق فى تحقيق درجات مناسبة ترضى الآباء والأمهات، وتحقق لهم السعادة وتدفع الطالب للشعور بالتوتر خوفا على مشاعر أبويه أن يصيبها الاحباط والغضب فى حالة عدم تحقيق رغبتهما فى الحصول على أعلى الدرجات.
لقد آن الأوان أن نغير من السياسية التعليمية والتربوية فى المدارس ونجعلها الأقرب إلى المرونة من التعنت والقهر من أجل جذب الطلاب إلى مدارسهم مرة أخرى، وجعلها عامل جذب وليس عامل طرد من خلال تخفيف التوتر والقلق، بزيادة الأنشطة الترفيهية وتخفيف المناهج الدراسية، وتغيير نظام الامتحانات، فقد صار من المؤكد إصلاح التعليم هو السبيل الوحيد للقضاء على ظاهرة انتحار تلاميذ المدارس أو الحد منها.
ساحة النقاش