كتبت : أسماء صقر
اشتقت لوالدي كثيراً فأثناء فترة غيابه عن المنزل للعمل في الخارج أتذكره، وكأنه يحدثني طوال الوقت فلا أستطيع نسيان لمسة يده الحانية علي كتفي وشراءه معي للعب التي أحبها وأريدها فكم أتمني رؤياه؟..
هذه كلمات أحد الأطفال الذين يعانون من غياب الآباء عنهم. وهذا ما دفع «حواء» لإجراء هذا التحقيق فاقرئي معنا السطور التالية
البداية مع محمد رمضان - 9 سنوات- يقول: لا أرى والدى كثيراً وعندما أراه لا أجد منه سوى العنف كى يثبت لنا أنه مازال المسيطر علينا ويحاول تخويفى أنا وإخوتى والتعدى علينا بالضرب لأتفه الأسباب.
وبات دوره مقتصراً على جلب المال لتلبية احتياجاتنا المادية فقط.
ويشير رمضان إلى طبيعة عمل والده حيث يعمل سائقاً على إحدى الشاحنات التى تقوم بنقل المواد الغذائية من مدينة لأخري، وهذا سبب عدم تواجده فى المنزل باستمرار.
أما نرمين حمدى - 10 سنوات - تقول: أبى يعمل موظفاً فى إحدى الهيئات الحكومية فى الفترة الصباحية وبعد الظهر يعمل كحارس أمن بإحدى شركات القطاع الخاص فطوال اليوم أبى مشغول فى عمله وعندما يعود للمنزل لا أستطيع أن أراه لأننى مضطرة للنوم كى أستعد للاستيقاظ مبكراً والذهاب إلى المدرسة.
قسوة
ويقول شريف حسن 11 سنة: إننى أشفق على والدى كثيراً بسبب ظروف عمله القاسية وسعيه الدائم لتوفير مصدر أفضل للدخل يساعد على تحسين مستوى معيشتنا وسؤال والدتى عنى أنا وإخوتى ليطمئن على أحوالنا، لذلك أشعر أحياناً بالقسوة والجفاء منه فى التعامل حيث لا يهتم بالمشاكل التى نمر بها سواء أنا أو وإخوتي.
وتوافقه الرأى رنا سليمان 13 سنة قائلة: والدى يعمل بالخارج وكل ما يهتم به هو إرسال نقود لأمى كى تشترى شقة فى حى فاخر وسيارة فاخرة بالإضافة إلى تلبية احتياجاتي.
ولكننى أشتاق لرؤيته وللخروج معه وأتمنى أن يشاركنى فى ممارسة هواياتى كالرسم والموسيقى، فأحب العزف على البيانو وكنت أرغب فى التحدث معه عن كل ما يقلقنى ويوجهنى لطرق التعامل السليمة مع الآخرين خاصة أننى ابنته الوحيدة.
الدعم المعنوي
ويحدثنا د.: عبدالفتاح درويش - أستاذ علم النفس بجامعة المنوفية - عن أبعاد هذه المشكلة قائلاً: هناك مفهوم خاطئ يدور فى أذهان الكثير منا وهو أن الفترة الأولى من حياة الطفل يكون تأثير الأب التربوى فيها ضعيفاً وذلك باعتبار ارتباط الطفل بأمه أكثر من الأب ويكون دور الأب مقتصراً على توفير النفقات ونموذج القدوة وبعض من الحنان والعاطفة.
لكن للأب دوراً مهماً فى حياة الأبناء لا يمكن أن تعوضه الأم أو أشياء أو نقود وتُرسل لهم من الخارج بدون وجود دعم معنوى من الأب لأبنائه وغرس النجاح والثقة بالنفس داخل نفوسهم، فالماديات وحدها لا تكفى لتربية الأبناء، والمطلوب تحقيقه وتوفيره للطفل كلا الشقين «المادى والمعنوي» لذا يجب على الأب أن يتقن فن التوازن بينهما.
ويوضح أن للأب دوراً رئيسياً فى تربية الأبناء وتطورهم النفسى والفكرى ويكون ذلك من خلال تواجده معهم وبث الوعى فى أذهانهم حيث يشكل هذا الحضور والتواجد مصدراً للشعور بالأمان والاستقرار النفسى للطفل.
وهنا يشير د. درويش إلى أن ظروف الحياة الصعبة التى نعيشها الآن ورغبة الآباء فى توفير معيشة أفضل للأبناء.
تقع المسئولية كاملة على الأم فقط وهذا ليس سهلاً عليها، فهى من ناحية تحاول تعويض دور الأب أثناء غيابه مما يضطرها أحياناً لأن تكون شديدة فى التعامل مع الأبناء.
وفى الوقت نفسه عليها أن تمنحهم الكثير من الحنان والعاطفة ومتابعة كل شئونهم التعليمية والنفسية والاجتماعية، فضلاً عن تثبيت صورة الأب الغائب فى لا وعى الأبناء.
صورة الأب
وتضيف د. أمينة بدوى - أستاذ علم النفس بجامعة بنها- يجب على الأم تثبيت الصورة الإيجابية للأب فى ذهن أبنائها فلا تجعل منه مصدراً وسلطة ظالمة، فهناك الكثير من الأمهات يُهددون الأبناء بالأب سواء كان مسافراً أم لا بأن تخبره بالفعل والسلوك الخطأ الذى قام به الابن وتؤكد له فكرة العقاب هنا ترتبط صورة الأب الغائب، عند الابن بالعقاب والقسوة مما يجعل العلاقة بينهما قائمة على الخوف.
وأحياناً تسهم بعض الأمهات وعن غير قصد بجعل صورة الأب ضعيفة بكل ما يتعلق بالأبناء وعدم السماح له بإبداء رأيه طالما الأم اتخذت القرار، فعلى سبيل المثال: عندما يسمح الأب لابنته أو لابنه باللعب مع بعض الأصدقاء وفى ذات الوقت تمنعه الأم فتكون هى صاحبة القرار النهائى وعبارة «بابا سمح لنا بذلك» ترد عليها الأم بشكل خاطيء بـ «أنا أعرف مصلحتكم أكثر منه».
وتؤكد على ضرورة وضع الأم لقوانين منزلية وطقوس يومية يلتزم بها الأبناء أثناء غياب الأب، حيث تؤكد الدراسات التى أجريت حول أسباب الأبناء فى الدراسة والحياة العملية أو تزايد حالات الإدمان أو العنف أن أحد أهم الأسباب هو غياب دور الأب داخل الأسرة إما لغيابه المستمر بسبب العمل أو غيره، أو لعدم تأثيره واحتكاكه بأبنائه وترك المسئولية كاملة ملقاة على عاتق الأم.
وينعكس غياب الأب على جميع أفراد الأسرة لإهماله لهم وينتج عن غيابه الضياع للأبناء فوجود الأب فى حياة الأبناء مهم جداً لإرشادهم وتوجيههم نحو الطريق الصحيح إذا انحرف أحد منهم واستخدامهم الشدة ولحزم إلى جانب الرفق والتسامح فى التعامل معهم.
أسلوب التربية
ويشير د. فوزى عبدالرحمن- أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس - إلى ضرورة أن يكونا الأم والأب متفاهمين فى طريقة وأسلوب تربية الأبناء منذ البداية وأن يتعاونا معاً فى تنشئة أبنائهما تنشئة تربوية صحيحة ويكون لكل منهما دور محدد يكمل دور الآخر لخلق أسرة سوية تسهم فى بناء مجتمع ناجح.
ويرى د. عبدالرحمن أنه إذا أهمل الأب أسرته وتهاون فى رعايتها يحدث خلل نفسى بين أفراد الأسرة الذين يشعرون بجو أسرى غير مستقر يمكن أن يؤدى بهم إلى التفكك الأسرى، خاصة وأن الأب يلعب دور القائد فى مجتمعاتنا العربية.
يوجه أستاذ علم الاجتماع نصيحة للآباء بأن يراعوا عملية التوازن النفسى للأبناء وأن يسعوا للاهتمام بهم وبمشكلاتهم والتواصل معهم وإشعارهم بأنه موجود فى كل لحظة يحتاجونه فيها إليه فالطفل السليم هو الطفل الذى ينشأ فى بيئة سليمة ومتزنة نفسياً وهذا لا يتحقق إلا بالتوازن بين دور الأم ودور الأب .
ساحة النقاش