إشراف : إيمان عبدالرحمن - إبتسام أشرف-  جلال الغندور - أماني ربيع - هدى إسماعيل

يخطئ الكثيرون عندما يعتقدون أن المقصود بالعنف المنزلي أو العنف الأسري مجرد الإساءة الجسدية بالضرب فحسب، فالعنف المنزلي يأخذ أكثر من شكل منها الجسدي والنفسي والجنسي، وأحيانا يكون عن طريق الضغط المادي وعدم الإنفاق وغالبا ما يُوقعه الطرف الأقوى على الأضعف لذا فهو في العموم يوجه من الرجل تجاه المرأة أو الأب تجاه الأبناء وأحيانا الأم تجاه الأبناء.

"حواء"تكشف في هذا التحقيق الستار عن الأنواع المختلفة للعنف المنزلي، وتستمع لحكايات بعض المعنفات، وتناقش الخبراء حول أسباب العنف وطرق الحماية منه..

تحكي مي عاشور،  30 سنة مهندسة كيف عانت لسنوات وصف أبيها لها بالفاشلة، حيث كان يشعر بالغضب دوما لأنه أنجب 3 فتيات ولم ينجب الولد، ورغم تفوقهن وأدبهن كانت الفتيات عرضة للإهانة المستمرة.

مي كانت طالبة متفوقة لكنها كانت تتذكر دوما كلمة فاشلة وتشعر بالقهر وتغلبها الدموعوتقول:رغم تخرجي فى كلية الهندسة إلا أننى أصبحت فريسة لنوبات الذعر التي تأتيني قبل القيام بأي شيء، ضرني هذا في عملي كثيرا، فالأذي النفسي الذي تعرضت له منذ صغري أثر علي لكنني أحاول التعافي وتجاوز الأمر.

أما مشكلة هدى مصيلحي،  28 سنة، ربة منزل فمشكلاتها المستمرة مع زوجها بسبب أهله وضغطه عليها بعدم الإنفاق في أي مشكلة تحدث، وتقول: أي مشكلة تحدث معي أو مع الأولاد يتركنا دون نقود لأسابيع وشهور ما يشكل ضغطا كبيراعلي بسبب ما أتعرض له من عنف نفسي بسبب الماديات، حتي أن ابني في المرحلة الإعدادية يفكر في العمل أثناءالإجازةلأننا بدون أي مصدر دخل.

وتقول جميلة السيد، موظفة وأم لطفل واحد:تزوجت لسنة واحدة عانيت خلالها بسبب المعاملة السيئة، وفوجئت عند ذهابي لبيت عائلتي لأنجب طفلي الوحيد، بأن زوجي تزوج بأخرىوأخذ كل شيء ذهبي ونقودي وملابسي، فتم الطلاق والمشكلة أنه لا يساعدني في الإنفاق على ابني مطلقا وكل العبء عليّ وأهلي، وفي نفس الوقت أعاني معاملة أهلي السيئة وأنني مطلقة ويحملونني عبء الطلاق.

الإيذاء الجسدي والنفسي

يفندد. أمجد مصيلحي أستاذ علم الاجتماعاشكال العنف المنزلي قائلا: الإيذاء الجسدي أكثر صور العنف شيوعا، وغالبا ما يؤدي إلى إصابة جسدية، وأحيانا لايترك علامات مثل شد الشعر أو الدفع باليد، وتكون هذه مجرد البداية، وإذا شعر الرجل أن المرأة ضعيفة لا حول لها ولا قوة، ولا يساندها أهلها يزداد عنفه حتى يمكن أن يعرض حياتها للخطر، ويشمل العنف الجسدي اللكم والصفعوالضرب بالعصا أو الحزام، وكذا الطعن بآلة حادة مثل سكين أو زجاج مكسور أو ضرب الرأس بالحائط، أو تكميم الفم لمنع الصراخ خلال الضرب، وأحيانا يصل الأمر إلى الاغتصاب الزوجي في الأوقات العادية أو خلال فترة الحمل.

ويتابع: هناك الإيذاء النفسي وهو محاولات للإخلال بالتوازن النفسي بالطرف الضعيف، وعادة غير ملحوظ لأي طرف خارج العلاقة، وهو ضار للغاية كالجسدي، ويكون في صورة تهديد بالإيذاء الجسدي أو الجنسي، أو التقليل من شأن الزوجة وشكلها ومستوى تعليمها، أو الانتقاد المستمر لأي شيء تفعله، وهناك أيضا التحكم والمراقبة المستمرة لأفعالها عبر الهاتف وتطبيقات مواقع التواصل، وتسجيل المكالمات، انتهاك خصوصيتها وقراءة الرسائل الواردة إليها، تدمير الأشياء المفضلة إليها مثل الملابس والكتب أو مقتنيات خاصة لمجرد إغضابها واستخدام الشتائم والألفاظ النابية في الحديث معها، وكذلك عزلها عن أسرتها وأصدقائها.

الإيذاء الجنسى

يوضح د. أمجد حقيقة الإيذاء الجنسي قائلا: تكون ممارسة الجنس بالإكراه والقوة، ويصل لدرجة الاغتصاب وإشعار المرأة بالذل والمهانة، وأحيانا يكون أمام الأطفال أو وهي منهكة جسدية كأن يكون بعد الولادة، ويندرج الإيذاء المالي تحت العنف المنزلي أيضا، بحيث تعتمد المرأة على الزوج ماديا بشكل كامل، ويتعذر عليها الوصول لأي مورد مالي، ويكون عليها البقاء تحت سيطرته أو المعاناة من الفقر، يمنعها من العمل أو امتلاك دخل مستقل، يطالبها بتقديم كشف مفصل لأي مشتريات، يمتنع عن دفع نفقات الأطفال لا يسمح لها بشراء متعلقاتها الشخصية، أحيانا عندما تمتنع عن ممارسة الجنس بسبب التعب والإرهاق لا يعطيها نقود، أو يقلل من نفقات الأطفال والمنزل لكي تأخذ مساعدة من أهلها.

ويستطرد: أصبح المجتمع بيئة خصبة لتفريخ العنف لأن هناك من يبرر له ويرجعه إلى المشكلات المادية،وقد يجبر الأهل بناتهم على تحمل الإهانات من أجل الأبناءالذين ينشأون في بيئة غيرسوية ويترك ذلك ندوبا نفسية تستمر للكبر معهم، لذا ينبغي أن يكون الأهل مصدر دعم لبناتهم وليس العكس، نسمع كثيرا عن فتيات انتهت حياتهن بسبب عدم إنصات الأهالي لما يعانينه ويعدن إليهم في كفن.

الأبناء أيضا ضحية

ترى د. أمنية عزمي، استشارية الصحة النفسية أن آثار العنف المنزلي لا تنتهي عند مجرد المادية منها فله آثار نفسية فادحة، فهو يؤدي للاكتئاب والقلق، وقد يدفع الضحية لتعاطي المخدرات وأحيانا الانتحار في محاولة للهروب من مشكلتها.

وتقول: يعتقد بعض الأهل أن استمرار الزوجة في علاقة تضرب أو تهان فيها أمر طبيعي، لكنها تعاني بسبب ذلك وقد تمتد المعاناة للأطفال، فإذا كان العنف من طرف أقوى على طرف أضعف فقد نصبح أمام سلسلة من العنف من الزوج تجاه الزوجة ومن الزوجة تجاه الأبناء ليس بالضرب فحسب وإنما بالعصبية وانعدام الحنان، وتعاني نحو 54 إلى 84٪ من النساء المعنفات اضطراب ما بعد الصدمة، بينما تعاني نحو 63 إلى 77٪ من الاكتئاب.

وتتابع: يتعرض ملايين الأطفال أيضا إلى العنف الجسدي أو اللفظي في منازلهم، ويصيبهم ذلك بمشكلات كثير منها: اضطرابات في النوم، أو الخوف ونوبات الذعر، البكاء المستمر، ضعف التحصيل الدراسي، والعزلة الاجتماعية، وبعض الأطفال يلومون أنفسهم بسبب ما يحدث في المنزل، وأحيانا يهربون، والأزمة الحقيقية أن العنف يكون نتيجة التنشئة فإذا نشأ طفل في بيئة رأى فيها أمه تعنف بشكل مستمرقد يلجأ بدوره إلى العنف عندما يكبر  ويمارس العنف تجاه والدته وإخوته، وندخل في دائرة مفرغة من العنف.

وتسترسل: هناك غياب لوعي المرأة بحقوقها الاجتماعية والقانونية، وطرق وصولها إلى المساعدة، لذا يجب أن يكون هناك مزيد من التوعية للنساء لكي يستطعن الإفلات من العنف بالإضافة إلى وضع قوانين تمنع حدوث أي تحايل عن إجراء الكشف الطبي، والتلاعب بالوثائق التي تثبت حدوث العنف، لذا أدعو الى تعميم إجراء كشف على الصحة النفسية والعقلية قبل الزواج، مع ضرورة الخضوع لدورات تدريبية للمقبلين على الزواج لمعرفة كيفية بناء أسرة واحترام الشريك فيها.

العنف ليس له مبرر

أما د. هايدي منصف، استشارية العلاقات الأسرية فترى أن على كل امرأة تعنف أو يعنف أبناؤها بأي صورة أن تدرك جيدا أن العنف ليس له ما يبرره سواء مشكلات مادية أو نفسية، وأن تماديها في الاستسلام قد يمثل خطورة على حياتها وفرصة لازدياد وتيرة العنف الموجه إليها، وهناك مرحلة يكون الهرب فيها هو الحل الوحيد.

وتقول: عند تعرضالمرأة لأي إساءة قد تهدد حياتها عليها أن تبتعد عن أي مكان يمكن حبسها فيه أو يوجد فيها سلاح حاد كالمطبخ حيث السكاكين، ويفضل إذا كان بالإمكان توثيق الاعتداء أو وجود شهود كالجيران شهود ثقة أو الاتصال بصديقة تسجل المكالمة التي تُسمع فيها أصوات الاعتداء والصراخ، وعلى الزوجة تنبيه الأبناء بضرورة ألا يتدخلوا في حال حدوث أي شجار حتى لا يتعرضوا للأذى، ويجب أن تقوم الزوجة بإعداد قائمة بالأشخاص الذين قد تلجأ إليهم حال تعرضها للإساءة، أطراف تثق فيهم وتعلم أنهم لن يبرروا الإساءة، أهل أو أقارب أو أصدقاء، يكون الهروب عند القيام بمهمة روتينية كالذهاب للطبيب ثم إدعاء دخول الحمام والهروب، أو خلال التسوق حتى لو مع الزوج، ويحبذ أن يكون مكان مزدحم، وتجهيز نسخ من الوثائق الرسمية التي تخصها أو تخص أطفالها لكي تستطيع التصرف عندما تبتعد عن المنزل،فالتخلي عن العلاقة المؤذية الحل الأسلم لأن العنف في الغالب يستمر في حال كانت الشخصية عدوانية.

***

تشير التقديرات العالمية المنشورة من منظمة الصحة العالمية  أن (30%) من السيدات في أنحاء العالم كافة يتعرضن في حياتهن للعنف البدني أو العنف الجنسي على يد الشريك "الزوج".

وأنثلث النساء تقريباً (27%) اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة يتعرضن لشكل معين من أشكال العنف البدني أو الجنسي على يد عشرائهن.

أما في مصر فقد انتهت نتائج مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي أصدره المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن هناك 5 مليون و600 ألف امرأة يعانين من عنف على يد الزوج أو الخطيب سنويا، وهناك 2 مليون و400 ألف امرأة أصبن بنوع واحد أو أكثر من الإصابات نتيجة لعنف على يد الزوج أو الخطيب، وأن مليون امرأة يتركن منزل الزوجية نتيجة العنف على يد الزوج، وتصل تكلفة السكن البديل أو المأوي عندما تترك النساء منازلهن بسبب العنف على يد الزوج تبلغ 585 مليون جنيه سنويا، وتتعرض نحو 200 ألف امرأة سنويا لمضاعفات في الحمل نتيجة العنف على يد الزوج، لم يتعد عدد النساء اللائي يبلغن الشرطة بحوادث العنف 75 ألف امرأة.

المصدر: إشراف : إيمان عبدالرحمن - إبتسام أشرف- جلال الغندور - أماني ربيع - هدى إسماعيل
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 413 مشاهدة
نشرت فى 2 سبتمبر 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,693,373

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز