تحقيق: سمر عيد
الزواج كما السفينة التى تضربها أمواج البحر المتلاطمة، يصارع ربانها الأمواج للوصول بها إلى بر الأمان، لكن إن لم يتمتع هذا الربان بالحكمة والمهارة وكذا المساعدة ممن حوله لن يتمكن من النجاة ويهلك الجميع، فكيف ينجو الزوجان من فخ الطلاق ويحققان الاستقرار لحياتهما الزوجية؟
"حواء" تقدم لك نماذج من رجال وسيدات استطاعوا إنقاذ أسرهم من الوقوع في فخ الطلاق، واستكملوا حياتهم الأسرية بنجاح بعدما اعترضتهم أعاصير قوية كادت تدفعهم إلى الانفصال.
البداية مع مرفت أحمد، موظفة بأحد البنوك الخاصة وتقول: زوجي الأول توفاه الله وقد رزقني الله منه قبل وفاته بطفلين، وكنت وقتها بالثلاثين من عمري، ونصحتني والدتي بالزواج مرة أخرى من ابن خالتي الذي تزوج وانفصل عن زوجته ولم يكن قد أ نجب منها أطفالا، في بداية زواجنا كان هناك صعوبة فى تعامل زوجى مع طفلاى الأمر الذى هدد علاقتنا بالانتهاء، لكن بالحكمة استطعت أن أجعل منه أبا بديلا لهما.
المشكلات المادية كادت أن تنهى حياة رنا أمجد، ربة منزل الزوجية، لكن مساندتها لزوجها ساعدتها فى اجتياز الأزمة التى مر بها، وتقول: زوجي رجل أعمال ورث عن أبيه محلا للملابس بوسط البلد، ومع الأزمة الاقتصادية الأخيرة تأثرت تجارة الملابس ،وأصبح زوجي مدانا، الأمر الذي أثر علي وأبنائي كثيرا، فقد اضطررنا لبيع عقارات وسيارات لسداد الدين، وتأثرت معيشتنا كثيرا، ونصحنى والدى بطلب الطلاق وترك زوجي وأن أقيم معه أنا وأولادي وهو سيتكفل برعايتنا ومصاريفنا، لكني لم أستمع إليه ووقفت إلى جوار زوجي وبعت بعض المصوغات الذهبية، واستأجرت محلا بجوار المنزل أبيع فيه فول وطعمية، واتفقت مع بعض المدارس المجاورة لعمل وجبات خفيفة من ساندوتشات الفول والطعمية (كانتين) هذه المدارس، وبينما كان زوجي مكتئبا وقامعا بالمنزل حزنا على خسارته استطعت تجميع مبلغ من المال لا بأس به، واستطعت بفضل الله أن أقنعه بتغيير نشاطه من تجارة بالملابس إلى مطعم لبيع الأسماك.
رغم أن سبب ارتباط أحمد عبد المجيد، مهندس كمبيوتر بزوجته جمالها واهتمامها بقوامها إلا أنه لم يكن يعرف أن هذا سيكون الخطر الذى سيهدد علاقتهما بالفشل، ويقول: بعد زواجى وإنجاب زوجتى لطفلنا الأول، اكتسبت زوجتى بعض الوزن الزائد، الأمر الذى أصابها باكتئاب حاد حزنا على خسارة رشاقتها، الأمر الذى انعكس على معاملتها معى، وقتها لم أكن أعرف أن هذا الأمر وفقا لتغير هرمونات لديها، لذا فكرت فى الانفصال، إلا أن والدتي أقنعتني أن هذا أمر طبيعي يحدث للنساء جميعا ونصحتنى أن أصطحبها لطبيب نفسى وممارسة الرياضة لمساعدتها على فقدان الوزن الذي اكتسبته من الحمل، وبالفعل أنقذت حياتي الزوجية.
أما سهير عبد الغني، ربة منزل فترى أن الخيانة خنجر سام يمكن أن يدمر أية حياة زوجية، وتقول: زوجي رجل ممشوق القوام من أسرة ثرية، ما إن يحل في مكان به نساء حتى يلتففن حوله، كنت لا أبالي بذلك، ولم أكن أتوقع أن ثمة امرأة يمكن أن تسلب مني زوجي، وبالصدفة البحتة اكتشفت علاقة زوجي بفتاة، هممت برفع قضية طلاق للضرر، وأخي محامي حاول أن يساعدني بالفعل، لكن بعدما اصطحبني أخي إلى محكمة الأسرة كي أرفع الدعوى شاهدت أمام محكمة الأسرة تلك النساء المعذبات اللواتي يطالبن بحقوق أبنائهن وبالمسكن والنفقة بعد الطلاق، وعرفت أن هذا سيكون حالي إذا طلقت، لذا قررت أن أفسد علاقة زوجي بهذه الفتاة وأستعيده مرة أخرى، وبالفعل استطعت أن أصورها مع شخص آخر، وأرسلت هذه الصور لزوجي من هاتف آخر، الأمر الذي أثار جنونه ودفعه للانفصال عنها.
أساليب جيدة لحل المشكلات
بعد الاستماع إلى تجارب نجح أصحابها فى إنقاذ حياتهم الأسرية من الطلاق كيف يمكن التعامل مع المشكلات المؤدية إليه؟
ينصح د. أحمد جمعة، خبير التدريب بوضع قواعد قبل الزواج يلتزم بها الطرفان بعد الزواج وخططا للتعامل مع المشكلات التي قد تطرأ على العلاقة، ويقول: يلعب التواصل الفعال دورا كبيرا في حل المشكلات الزوجية، ومن الضروري اللجوء إلى مرشد أسري ومتخصص في العلاقات الأسرية عند عدم الوصول لحلول لبعض المشاكل التي قد تؤدي إلى الطلاق، وفي رأيي وجود الاستشاري الأسري أهم من تدخل الأهل في المشكلات الزوجية لأنهم في الحقيقة قد يتسببوا فى تفاقمها ويساهموا في التعجيل بالطلاق، ويكون تدخلهم سببا في انهيار الأسرة.
وترى د. عزة فتحي، أستاذ مناهج علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس أن تجنب الوقوع في الطلاق يأتى بعد إدراك تداعياته والمشكلات التى تترتب عليه، والتأثيرات النفسية والمادية والاجتماعية الواقعة على أطراف الأسرة الثلاثة الزوج والزوجة والأبناء.
وتقول: علينا منذ البداية وقبل الزواج أساسا أن نتخير من يناسبنا أخلاقيا ودينيا واجتماعيا وماديا وأن ندرب أبناءنا وبناتنا على الحياة الزوجية، ونرسخ لديهم أن الزواج يعني أسرة ومسئولية وليس مجرد علاقة رجل بامرأة، وأن فتور العلاقات وإن شئت فقل الطلاق الصامت أخطر على الأسرة من الانفصال المعلن، لأن الأول قد يقود أحد الطرفين لارتكاب جرائم، وأنصح بحل المشكلات والخلافت أولا بأول، وألا نتركها تتراكم لأننا في النهاية سنجد أنفسنا إما أمام محكمة الأسرة أو محكمة الجنايات.
الأطفال الأكثر تضررا
توجه د. أميرة شاهين، الأخصائي النفسي الإكلينيكي للإرشاد الأسري أنظارنا إلى أن الخاسر الأكبر في الطلاق هم الأطفال الذين تتأثر حياتهم المادية والاجتماعية بانفصال الأب والأم، حيث يشعرون بعدم الأمان وأن حياتهم قد هدمت ويفقدون الأمل في المستقبل.
وتقول: تختلف درجة التأثر بالطلاق لدى الأطفال وفقا لمرحلتهم العمرية؛ فمن هم دون عامين وحتى 5 سنوات يتأثر نموهم وفقا لحالتهم النفسية؛ فنجد البعض يعانى تأخر في الكلام وقد يصاب بالتبول اللاإرادى، فضلا عن الميول إلى العنف، والشعور بالارتباك والتوتر وقضم الأظافر أو المعاناة من الكوابيس، وقد يصاب البعض بما يسمى بقلق الانفصال وهذا يظهر بشكل جلي بسلوكه في المدرسة، أما الأطفال من 5 : 12 سنة فيظهر لديهم حالة من القلق والمخاوف غير المنطقية ويصبح لديهم اضطراب وتدهور دراسي وعدم قدرة على التفاعل مع الآخرين، ويشعر البعض بالإحساس بالذنب ويحمل نفسه مسئولية انهيار العلاقة بين الأبوين، أما في مرحلة المراهقة فيظهر الاكتئاب الحقيقي عند الشاب والبعض يفرغ هذه الطاقة السلبية إما في العنف أو تعاطي المخدرات أو الدخول فى علاقات عاطفية غير محسوبة، ويمكن أن يعرض نفسه للأذى الجسدي.
وتتابع: أما بالنسبة للنساء فتشعر المرأة بعدم الأمان وتفتقد الثقة بنفسها كأنثى وتختل حياتها كليا من الناحية الاجتماعية والمادية، ما يزيد من حالة القلق والاكتئاب لديها، بل تحمل بعض النساء أنفسهن ذنب فشل العلاقة الزوجية ويلجأن إلى تأنيب الضمير وجلد الذات، وتسترجع كل المشاكل التي مرت وتلوم نفسها على فشلها في تخطيها، أو تلوم نفسها على تقديم تنازلات كثيرة لإنجاح علاقتها الزوجية إلى درجة جعلت الزوج يفرط في العلاقة ولا يأبه بها وأطفاله.
وحول تداعيات الطلاق على الرجل تقول شاهين: يشعر الزوج أن اختياره كان غير صائب منذ البداية، وأنه فاشل في أن يصبح رب أسرة، وقد يترتب عليه خسائر مادية للزوج وحرمانه من أطفاله فيما بعد، ناهيك عن أن نساء كثيرات أصبحن يرفضن الزواج من رجل مطلق خاصة إذا كان لديه أطفال من زوجته الأولى لاتقاء المشاكل مع أطراف أخرى، ومن الناحية الاجتماعية فإن المجتمع ككل أصبح يعاني مما يترتب على الطلاق من أعباء ومشكلات أسرية مادية ونفسية؛ لأن المجتمعات تتأثر بفشل العلاقات الأسرية، وتتأثر وتضعف وفقا لنسبة الفشل الأسري بها وانهيار الشكل الطبيعي للأسرة.
ساحة النقاش