حوار: سمر عيد
تعصف بالإنسان أحيانا أعاصير عتية قد تقتلعه من جذوره وتهز كيانه واستقراره وقد تهدمه تماما، وحواء كثيرا ما تتعرض لعواصف نفسية وعاطفية ومادية، فكيف يمكننا نفض غبار الماضى والتخلص من آلامه سواء عاطفية أو عملية أو مالية والبدء من جديد؟
د. وليد هندي، استشاري الصحة النفسية يقدم لقارئات "حواء" فى هذا الحوار نصائح حول كيفية النهوض من جديد بعد التعرض لأعاصير الحياة المتعددة، وصياغة بدايات جديدة مليئة بالتفاؤل والطموح.
ونحن على مشارف فصل الخريف ليبدأ موسم تساقط الأوراق ثم نموها من جديد ماذا يفعل الإنسان عندما يتعرض لأعاصير الحياة؟
دعيني أستهل حديثي بأبيات الشاعر عمر الخيام والتي يقول فيها: لا تشـــغل الـبال بماضى الزمان ولا بـــــآت العيش قبل الأوان، واغنم من الحــاضـر لـذاته فلـــيس فى طبع الليالى الأمان، وقد اختصر الشاعر الفارسي فلسفة الحياة في هذه الأبيات، ودعا إلى عدم النظر إلى الوراء لما يحمله من متلازمات نفسية عديدة منها: الحزن على الماضي أو الأسى على ما فات أو جلد الذات، وبالتالي تترتب على هذه الأخطاء معاناته الحالية، والأخطاء قد تشمل الأفعال والاختيارات، وأنا أدعو أي شخص تعرض لإعصار في الماضي أن ينفض عنه غبار هذا الإعصار بالنظر إلى المستقبل وألا يعيش على أوهام الماضي، كذلك أطلب ممن تعرضوا لأزمات ماضية كانفصال أو طلاق بعدم الوقوف على الأطلال، ومتابعة وملاحقة الطرف الآخر على وسائل التواصل الاجتماعي، والنأي بالنفس والمشاعر عن لومها أو إثارتها بجراح قد مضى عليها زمن، أيضا لو ترك الإنسان عملا ما عليه ألا يقارن فرص العمل المعروضة عليه حاليا بالتي ضاعت منه، وأن يتعامل مع الواقع حتى لايظل أسيرا لوضع مادي معين ولا لوظيفة بعينها ولا لمجال محدد، وإذا نظر إلى الماضي عليه أن ينظر ليستفيد منه لكن ليس ليبكي عليه، وعليه التعلم من أخطائه في الماضي حتى يتجنبها مستقبلا، ولو كان هناك من يسرق طاقتي في علاقة حب أو عمل علي أن أحصن نفسي من سارقي الطاقة الذين يصدرون لي طاقة سلبية طويلة الوقت ويصيبونني بالإحباط وأن أبتعد عنهم أو لا أعير لهم بالا، وإذا كانت اختياراتي خاطئة لأصدقائي في الماضي علي أن أتعلم كيف أفرز البشر وأصنفهم وأن أفرق بين أصدقاء السوء الحاقدين الحاسدين الذين يضللونني وبين الأصدقاء الأوفياء المخلصين الناصحين بصدق.
هل هناك مراحل وخطوات معينة لتخطي الأزمات والصدمات النفسية التي يمر بها الشخص وأية مرحلة هي الأخطر من وجهة نظرك؟
أولا لابد أن يتقبل الإنسان الصدمة سواء عاطفية أو مادية أو اجتماعية، وهذه هي المرحلة المهمة والأخطر لأن عدم تقبل الإنسان للخيانة أو الطلاق أو الإفلاس أو المرض أو أية كارثة، فبداية تعرضه للمشكلة هي التي تشكل مدى استجابة هذا الشخص للتعافي، وطبعا بعض الأشخاص الضعيفة يمكن أن تصاب بحالات نفسية شديدة في بداية الصدمات وقد تتعرض للإكتئاب أو الانتحار، والمرحلة الثانية بعد تقبل الصدمة هي الثقة بالله ثم بالنفس، ثم تأتى بعد ذلك مرحلة محاولة لملمة أشلاء النفس والتعافي حتى أستطيع البدء من جديد، ومرحلة التعافي ومنح النفس وقتا للتشافي من جراح الإعصار الذي دمرها هي مرحلة خطيرة ومهمة أيضا.
مثلما خلق الله من يكون سببا في هدم شخص ما فقد خلق الله أيضا من يدعمه لكن ماذا إذا لم يجد الشخص من يساعده على إعادة بناء نفسه ولم يجد اليد التي تمتد له لينهض من جديد ويبدأ من جديد؟
ذكرني سؤالك هذا بقول الشاعر والفيلسوف الهندي "رابندرانات طاغور" حيث قال: عندما يتخلى عنك الجميع فتنهشك الألسن التي طالما امتدحك فلا تبكي أسى وحسرة فإن أبلغ رد عليهم أن تسترد نفسك ومجدك من جديد في قصيدته "سيموفونية النجاح"، لذا فمن المهم جدا أن يعزز الإنسان قدراته بنفسه وأن يدعم نفسه إن لم يجد من يدعمه، وأن يصفق لنفسه ويكافئها مع كل نجاح يحققه، وإذا كان لديه أهداف بعيدة المنال عليه أن يجدولها ويضع خططا لنفسه، ويقيس مدى نجاحه وتعثره فيها ليتغلب على كل الصعاب التي تواجهه، وعلى الإنسان أن يدرك أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وأن يسعى ويجتهد ويتعلم من تجاربه والآخرين، وليس بالضرورة أن يساعدني الآخرون، لكن يمكنني الاستفادة من حالات مشابهة لحالتي وأن أدرسها وأعرف كيف من بدأ بداية جديدة استطاع أن يبدأها وينجح فيها، وأختار نموذجا مشابها لحالتي ليكون قدوة حسنة لي على تحدي الصعاب والنجاح.
صف لنا روشتة علاجية لنسيان فشل الماضي والبدء من جديد بعد الأعاصير؟
الوقت هو أول دواء لنسيان الماضي فالصدمة والمصيبة تخف تدريجيا بمرور الزمن، لكن علي أن أساعد نفسي لنسيان جراح الماضي وألا أجعل مرحلة التعافي من أعاصير الماضي تطول لأن ذلك يستهلك من وقت وطاقة مستقبلي، وعلي أن أتسلح بالثقافة والتجارب الجديدة، وتطوير مهاراتي العملية والاجتماعية، والخروج من دائرة الأشخاص السامين، والبحث عن دائرة أخرى من الأشخاص الإيجابيين؛ لأن المحيط هو عامل مهم لتجاوز الشخص أية أزمة، وهو المساعد الأول له للبدء من جديد، وتجديد الحياة والمهارات والأشخاص والتخلص من العادات السيئة التي جعلتني أفشل في الماضي أهم العلاجات للبدايات الجديدة.
في نهاية حوارنا معك نرغب أن تعطينا نصيحة لكل من يطمح أن ينفض عنه غبار أعاصير الماضي وأن يبدأ من جديد؟
أهم نصائح أقدمها لكل من يرغب في بداية ناجحة ألا تجعله الأزمة يغير في هويته أو سلوكه أو معتقداته الراسخة السليمة؛ فنجد بعض الناس تغير بها الأعاصير كثيرا فمثلا قد تقوم امرأة محجبة بخلع الحجاب، وقد نجد رجلا كريما يتحول بعد تعرضه للإفلاس إلى بخيل جدا، عليك ألا تفقد هويتك لأنك إذا فقدت هويتك بعد الأزمة سينظر لك الآخرون على أنك شخص ضعيف تهزه أعاصير الحياة، ويغير مبادئه ومعتقداته وفقا لما يتعرض له من زلازل وهزات، أيضا لا تدخل في أية عادات سلبية كالتدخين أو تعاطي الكحوليات، جدد نفسك إلى شخص أفضل وليس إلى شخص أسوأ ،حفز نفسك طوال الوقت، اهتم بصحتك ومظهرك ومارس الرياضة واليوجا وتابع هواياتك المحببة واستمع إلى الموسيقى ونظم غذائك وأرح نفسك ونل قسطا وافيا من النوم ولا تجهد نفسك بالتفكير فيما مضى، أو كيفية تخطي الأزمة، مع تنظيم أفكارك ووضع أولوياتك أولا وجدولتها، وعلي أن أؤكد أن أكثر شخص يمكن أن يساعدك على البدء من جديد هو أنت نفسك.
ساحة النقاش