كتبت: أسماء صقر
تربية الأبناء على الحب من أساسيات عملية التنشئة الاجتماعية للطفل الذي يعبر عنه بملامح وجهه وابتسامته ومواقفه في التعامل مع أسرته، فالطفل في مراحل عمره الأولى يكتسب الحب والحنان والسعادة من والديه ما يحقق له الإشباع العاطفي والنفسي الذي يعطيه إحساسا بالثقة في النفس، ويتكون لديه القدرة على الإنجاز والنجاح لكن ينبغى أن يكون الحب بعيدا عن التدليل المفرط.
"حواء " التقت الخبراء لمعرفة معايير الحب السليمة التي يجب على الوالدين اتباعها في تربية الأبناء من أجل تنشئة اجتماعية سوية.
في البداية يقول د. سعيد ناصف، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: هناك بعض العوامل التي يمكنها أن تحقق نتائج التربية الجيدة منها حب الأبناء والترابط بينهم والآباء ومدى سعادتهم وإظهار مشاعر الحب والحنان والإحساس بالأمان للأبناء منذ الصغر من خلال المعاملة الحسنة وعدم القسوة عليهم في القول والفعل، وكذلك التحكم في العصبية والتوتر داخل الأسرة، والاهتمام بوجود القدوة الأسرية، فيجب أن يكون الوالدين نموذجا يحتذى به في العلاقات الفعالة مع الآخرين، فعند رؤية الأبناء لتعامل الوالدين معهم والآخرين باحترام سوف يكتسبون هذا السلوك، كما يجب أن تكون التربية قائمة على التوازن بين التدليل والحزم حتى يتعلم الطفل معنى تحمل المسئولية، والاعتماد على النفس والاستقلالية، وبالمناقشة والفهم يتم غرس قيم الصدق والأمانة والتسامح والتعاطف والتعاون، ومساعدته على تقديم الحب غير المشروط في التعامل مع والديه والآخرين من خلال الاشتراك في الأنشطة التطوعية ومساعدة المحتاجين، وأيضا يجب إدارة سلوك الطفل عن طريق التحفيز الإيجابي له بشكل مكثف، ولا يتم استخدام العقاب إلا عندما تفشل وسائل إدارة السلوك الأخرى، وإذا تم اللجوء للعقاب يجب أن يكون بعيدا عن استخدام العنف والقسوة.
عطاء واحتواء
يرى د. حسن شحاتة، أستاذ التربية بجامعة عين شمس أن غرس الحب فى نفوس الأبناء مدخل إلى التربية الحديثة، لافتا إلى أن الحب عطاء وطاعة وحياة قوامها الدفء الأسري والحنان العاطفي والتسامح والبهجة والحرية المسئولة والاستقلال والاحتواء.
ويقول: الحب استجابة وجدانية وشعور مشترك وتفاعل إيجابي بين أفراد الأسرة وعطاء بلا حدود فيه سعادة ورضا وإيثار وانسجام وتناغم في العلاقات ومشاعر مشتركة غايتها القبول والمعايشة السعيدة في أمن وأمان بعيدا عن الأوامر والنواهي، فليس في التربية بالحب كلمة افعل ولا تفعل، بل تتعطل لغة الكلام وتسود لغة الجسد حيث الفهم بالنظرات والإيماءات والابتسامات المعروفة بالحدس ولغة التخاطب عن بعد والاستغراق في الآخر.
ويتابع: الطريق إلى التربية بالحب يتطلب الحياة الديموقراطية من جانب الوالدين حيث احترام آراء الأبناء والاستماع إليهم ومناقشتهم والتلامس البدني يوميا معهم وذلك بالمسح على رءوسهم واحتضانهم والتربيط على أكتافهم وتمرير اليد بهدوء فوق رءوسهم وعلى جبينهم والنظر إليهم بابتسامة عند خروجهم من المنزل وعند عودتهم، والإجابة على تساؤلاتهم وأخذ آرائهم في الزيارات والمناسبات الاجتماعية، وحل الواجبات المدرسية معهم وحكاية القصص الهادفة وإشعارهم بأنهم أحرار وأنهم مستقلون ومتساوون مع أخوتهم كبيرهم وصغيرهم، ونشر البهجة والسرور في المنزل، ونشر الهدوء وخفض الأصوات في المناقشات والأحاديث وإشعارهم بالدفء الأسري، والتأكيد على أن غدا أفضل، فمن خلال هذه المعايير يتم تنشئة الطفل تنشئة سوية قائمة على الثقة بالنفس والرغبة في تحقيق النجاح.
الموازنة بين التدليل والحزم
يقول د. شحاتة سليمان محمد حسب الله، أستاذ علم نفس الطفل والصحة النفسية والتربية الخاصة ورئيس قسم النفسية بكلية التربية للطفولة المبكرة بجامعة القاهرة: إحاطة الطفل بالحب دون تهذيبه ما هو إلا مجرد تدليل، وعلى الجانب الآخر تهذيب الطفل دون إعطائه الحب والأمان يعد إساءة له ويؤثر على بنائه النفسي بالسلب، لذلك يجب على الوالدين التوازن في تربية الأبناء بين التدليل والتهذيب حيث إن الموازنة بين الحب والحزم والانضباط في التربية والمختلط بمشاعر الحب الإيجابية من أفضل الأسس التربوية السليمة ولنجاح تربية الأبناء على الحب،
ويحذر د. شحاتة الوالدين من اتباع أسلوب مقارنة الطفل بالآخرين مثل الأصدقاء والأقارب وتسمى بالمقارنة السلبية وذلك لانعكاسها السلبي على سلوكيات ونفسية الطفل حيث تولد لديه مشاعر اللامبالاة وعدم الاهتمام، وتعرض الطفل للإجهاد النفسي والعاطفي، وتخلق لديه انفعالات سلبية مثل الغيرة والغضب والحقد على الآخر، وتقوده إلى نوعين من العنف الأول موجه للنموذج نفسه الذي يقارن به، والآخر موجه لذاته ويظل يعاني من عقدة مقارنة الآخرين من حوله، ومن معايير التنشئة الاجتماعية والنفسية السليمة للأبناء الاستقرار الأسري ووعي الوالدين بأدوارهما في تعزيز الثقة بالنفس داخل الأبناء من خلال مدحهم ومكافأتهم عند فعل الصواب وتشجيعهم على النجاح في المستقبل.
أما د. هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق فتقول: المجتمع الذي يحيط بالأم عند الإنجاب يعطيها مجموعة من القيم والمعايير والحب كي توصلها للأبناء، والتربية عملية متكاملة، والأم عامل أساسي في التربية مع الأب والمدرسة والأقارب، والمجتمع يتدخل في تربية الأبناء ويشارك في العملية التربوية للأم من خلال خبرة الأسر الذين سبقوها بجانب المؤسسات التربوية كالمدرسة والكتب والمجتمع المحيط بها، لذلك يجب تأهيل المرأة لدور الزوجة والأمومة قبل الزواج وتقديم التوعية من خلال وسائل الإعلام والمدرسة بعدم الإفراط في تدليل الطفل كي لا يتعلم الأنانية وحب الذات،
وتتابع: تعطى الأم الحب للطفل الرضيع بشكل فطري وغريزي وعندما يبلغ سن الفطام تحرص الأم على فطامه بسرعة على غرار المجتمعات الغربية، لكن ينبغى أن يتم الفطام بالتدريج حتى لا يصاب الطفل بالبخل العاطفى عند الكبر، وعلى الأسر متابعة ما تتقدم به علوم التربية الحديثة، وعندما يبلغ الطفل العشر سنوات على الوالدين الاستماع له وترك مساحة للتعبير عن حبه وعاطفته، كما أن بعض الأسر تتعامل بالحب في نمط الأوامر فلابد أن يكون هناك حوار أسري سليم كي يفهم الطفل أن عليه أدوار اجتماعية.
ساحة النقاش