حوار: سماح موسى

مثلت المناطق العشوائية بيئة خصبة لتفريخ أجيال جديدة من البلطجية والخارجين على القانون كنتيجة منطقية للمجتمع الذى يعيشون فيه والثقافة التى ينهلون منها.

ولأن أطفال اليوم هم شباب الغد والسواعد التى تبنى المستقبل كان من ضمن أولويات القيادة السياسية انتشالهم من هذه المناطق وتوفير حياة كريمة لهم والاهتمام بصحتهم وتعليمهم لضمان نشأتهم بطريقة سوية وصحيحة تسهم فى تخريج جيل محب للوطن وداعم له.

وحول التأثير النفسى لانتقال أطفال المناطق العشوائية إلى أخرى حضارية تضمن سبل الحياة الكريمة التقت "حواء" د. إيمان خشاب، أستاذ مساعد علم نفس الطفل صحة نفسية، وقائم بعمل وكيل الكلية وتنمية البيئة، ورئيس قسم العلوم النفسية سابقا.

في البداية حدثينا عن الأثر النفسي لتطوير العشوائيات على الأطفال والشباب وكيف يعزز الانتماء الوطني بنفوسهم؟

شهدت مصر في السنوات الأخيرة جهودا غير مسبوقة في مجال تطوير المناطق العشوائية ضمن رؤية الدولة لبناء مجتمع أكثر عدالة واستدامة، وقد انعكست هذه الجهود بشكل مباشر ليس فقط على جودة الحياة المادية للسكان بل امتد تأثيرها العميق إلى النواحي النفسية والاجتماعية خاصة بالنسبة للأطفال والشباب باعتبارهما الفئتين الأكثر تأثرا بظروف البيئة المحيطة خاصة وأن العشوائيات غالبا ما تفتقر إلى المرافق الأساسية مثل المياه النظيفة والصرف الصحي والخدمات الصحية والتعليمية فضلا عن غياب الأمن والتنظيم، وقد عانى سكان هذه المناطق ظروفا قاسية وحياة غير آدمية أثرت سلبا على نموهم النفسي والاجتماعي، فكان الأثر النفسي السلبي للعشوائيات قبل التطوير الإحساس بالدونية والوصمة الاجتماعية، فنشأ كثير من الأطفال والشباب في بيئات يربطها المجتمع بالفقر والجريمة والإهمال ما أدى إلى ترسيخ مشاعر النقص وعدم الثقة بالنفس، علاوة على معاناتهم الاضطرابات النفسية والسلوكية، فالعيش في بيئة غير آمنة ومزدحمة وملوثة يعزز من معدلات التوتر والعدوانية واضطرابات القلق والاكتئاب لدي الأطفال والمراهقين، بالإضافة إلى انخفاض الطموح وضعف الانتماء، فعندما يشعر الشاب أن الدولة تهمشه يفقد الأمل في المستقبل وهذا ما قد يقوده إلى الانسحاب المجتمعي أو الانخراط في سلوكيات خطرة مثل الإدمان أو العنف.

ماذا عن الآثار الإيجابية بعد تطوير العشوائيات على نفوس قاطنيها؟

من أبرز المشروعات التي قامت بها الدولة الأسمرات وبشاير الخير والروبيكي وغيرها والتي لم تقتصر فى تطويرها وبنائها على توفير سكن لائق بل تضمنت مجمعات خدمية تعليمية وصحية أولها تحسين الصحة النفسية، فالمسكن النظيف والآمن مع توافر الحدائق والمراكز الترفيهية ساهم في تخفيف الضغوط النفسية على الأطفال وتحفيز الإبداع لديهم، وتعزيز الثقة بالنفس والانفتاح المجتمعي، فعندما يعيش الطفل في بيئة تحترم آدميته يشعر بقيمته ويتفاعل بشكل أفضل مع المجتمع من حوله، علاوة على توسيع آفاق الطموح والتعليم، فوجود مدارس ومراكز تدريب داخل هذه المجتمعات الجديدة ساعد على رفع مستوى الوعي والطموح لدى الشباب ودفعهم لتطوير أنفسهم.

وهل أثرت تلك المشروعات القومية فى انتماءاتهم الوطنية؟

إحساس الفرد بأن الدولة تهتم به وتكفل له حياة كريمة يعزز ارتباطه بوطنه ويزيد من رغبته في المساهمة في بنائه، فالأطفال الذين كانوا يشعرون بالتهميش أصبحوا يفتخرون ببيئتهم الجديدة، والشباب الذين فقدوا الأمل أصبحوا يرون في دولتهم شريكا حقيقيا في الحياة، كما ساعدت البرامج التوعوية والأنشطة الثقافية في هذه المجتمعات على غرس القيم الوطنية وتنمية الحس بالمسئولية المجتمعية والانتماء.

وكيف يمكن الحفاظ على هذه الآثار النفسية الإيجابية بنفوس قاطنى تلك المجتمعات؟

لابد من وجود دعم نفسي مستمر من خلال توفير أخصائيين نفسيين في المدارس والمراكز المجتمعية برامج دمج مجتمعي لتشجيع التواصل والتكافل بين سكان المناطق المطورة والمناطق الأخرى لتقليل التمييز، وتشجيع المشاركة الشبابية في التخطيط وصيانة المجتمعات الجديدة لتعزيز الشعور بالمسئولية والانتماء واستدامة التنمية ليس فقط في البنية التحتية بل في الاستثمار في الإنسان، ففي النهاية فإن تطوير العشوائيات في مصر ليس مجرد مشروع عمراني بل هو مشروع لبناء الإنسان من جديد، وما نشهده اليوم من تحسن في الصحة النفسية للأطفال وزيادة الشعور بالكرامة والانتماء لدى الشباب يؤكد أن العدالة الاجتماعية تبدأ من البيئة، وأن الأوطان تبني حين يشعر كل فرد أنه في قلب الدولة لا على هامشها.

 

المصدر: سماح موسى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 182 مشاهدة
نشرت فى 21 يوليو 2025 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

26,609,724

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز