سمر عيد

فى عقود سابقة كان الناس يرون أن كثرة إنجاب الأطفال دليل على ثراء الأسرة وقوتها، كما كانت أغلب العائلات بالصعيد يتباهون بكثرة الإخوة وعدد الأسرة الكبير ويطلق عليه "العزوة"، وكانت الزوجة التي لا تنجب عددا كبيرا من الأطفال تعاير في الريف، لكن مع تطور الحياة واختلاف الزمن وتزايد متطلبات الحياة التي تحتاجها الأسرة أضحى إنجاب عدد كبير من الأطفال كابوسا يهدد استقرار الأسرة وبقاء الزوجين معا، وباتت الأسرة التي تنجب أكثر من طفلين تعاني اقتصاديا واجتماعيا، وغدا الرجل مرهقا من كثرة أعباء الحياة، بينما ودعت المرأة أنوثتها، لتغلق منازلنا أبوابها على مشاكل لا حصر لها.

فى السطور التالية تفتح "حواء" تلك الأبواب المغلقة وتعرض بعض مشاكل كل امرأة أنجبت أكثر من طفلين..

 

فى البداية تقول نسرين محمد، ربة منزل وأم لخمسة أطفال: بعد زواجى مكثت قرابة عامين لا أنجب، فبدأت حماتي تتساءل عن سبب عدم الإنجاب، واصطحبني وزوجي إلى الأطباء الذين أرجعوا المشكلة إلى زوجي وعالجوها تماما، وبعدها بدأت رحلتي مع الحمل، حملت بابنتي الأولى ثم الثانية وأردت أن أكتفي بطفلتين فقط حتى أستطيع تربيتهما جيدا وإلحاقهما بمدارس لغات لكن حماتي وزوجي كانا يبحثان عن الولد كعادة أغلبية الأسر في مصر، فحملت بابنتي الثالثة ثم الرابعة وأخيرا أتى ابني في الترتيب الخامس، وأصبحت أما لخمسة أطفال ليبدأ الصداع وكثرت المتطلبات، وأصبح زوجي يعمل في ثلاث وظائف ولا يستطيع سداد متطلباتي والأطفال، ساعدته أمه، كما طلبت أنا الأخرى مساعدة أمي وأبي وأخي ماديا، واضطرت حماتي إلى بيع العمارة التي كانت تمتلكها كي تساعد ابنها، وطبعا ألحقت أطفالي بمدارس حكومية بدلا من تلك المدارس التي كنت أنوي تعليمهم بها، واضطررت أن أبحث عن عمل أنا الأخرى وأصبحت أعيش  وزوجي كأننا غريبين في منزل واحد لا أرى وجهه إلا وقت النوم حيث نكون مجهدين من دوامة العمل على مدار يوم كامل منذ طلوع الفجر وحتى منتصف الليل.

 

وتقول هيام أحمد، محاسبة بإحدى الشركات الخاصة: بعد إنجابي 4 أبناء وفق رغبة زوجى تهدل جسمي وأصبحت أعاني السمنة، لدرجة أن زوجي أصبح يهرب من المنزل بسبب صراخي طيلة اليوم على الأبناء، وبسبب انشغالي عنه في المطبخ وترهل جسدي، بل بحث عن فتاة أخرى أكثر جمالا مني وبالفعل تزوجها، ما دفعنى لطلب الطلاق فأتيت إلى القاهرة لأعمل كمحاسبة وأنفق على أطفالي الأربعة.

 

من يعيدني إلى حياتي

إذا كان هذا هو حال المرأة التي تنجب أطفالا كثر، فما حال الرجل؟

يقول أمجد سراج، مهندس كمبيوتر: لم أكن أنوي الاغتراب ولا السفر، لكن الزواج والإنجاب أثقلا عاتقي، فبعدما تزوجت أنجبت زوجتي ثلاثة أطفال، وقد يعتقد البعض أن ثلاثة أطفال ليسوا مشكلة، لكن الحقيقة كانت أعباءهم المادية ثقيلة جدا، فاضطررت للعمل بوظيفتين، لكن الدخل أيضا لم يكن يكفي الطعام والشراب والفواتير والتعليم وعلاج الأطفال، فنشأت بيني وزوجتي مشاكل كثيرة بسبب قلة دخلي أمام متطلبات الأسرة، حتى وجدت شركة خليجية تود تشغيل مهندسي كمبيوتر، قدمت على الوظيفة وتم قبولي بها، وسافرت تاركا زوجتي وأطفالي الثلاثة وأمي وأبي وأصدقائي كي أرسل لأسرتي ما يكفيهم، وأصبحت غريبا لا أرى زوجتي ولا أطفالي ولا آتي إلى مصر إلا شهرا بالسنة، فمن يعيد إليّ حياتي قبل الزواج والإنجاب؟

قد يعتقد البعض أن كثرة الإنجاب لا يستطيع تحملها الموظف العادي أو ذو الدخل المحدود فقط لكن الحقيقة أن كثرة إنجاب الأطفال تلقي بظلالها حتى على الطبقة العليا التي لديها دخل مرتفع وهذا ما حدثنا به معاذ عبدالله، صاحب "سوبر ماركت" قائلا: بعد زواجي أنجبت زوجتى 6 أطفال، والحقيقة أن إنجاب 6 أطفال لم يكن مقصودا فلقد كانت زوجتي تتناول حبوب منع الحمل بعد إنجاب الطفل الثالث، لكنها كانت تهمل أحيانا في تناولها وتنسى أحيانا فحملت ثلاث مرات أخرى، وحمدت الله على مارزقني، وفي الحقيقة لا توجد لدي مشاكل مادية فأنا لدي محلى التجارى الخاص وكذا والدي الذى يعطني كل ما يحققه من أرباح يوميا، كما أن محلي يعمل بشكل جيد، لكن المشكلة الحقيقية هي أن زوجتي لا تستطيع أن تحل مشاكل أبنائي بمفردها لكثرتها، وكلما جلست معها كي أستريح لساعتين فقط من أعباء العمل تعرض على مشكلات الأبناء، وتطلب مني أن أقوم بحلها نظرا لانشغالها بالطبخ وتنظيف المنزل والغسيل لأطفالي الستة، لذا أصبحت أهرب من المنزل وأتجنب الجلوس مع زوجتي وأجلس مع أصدقائي على المقهى.

 

آثار سلبية

يقول د. أشرف محمد نجيب عبداللطيف، الأستاذ المساعد بعلم النفس المعرفي بكلية الأداب بجامعة سوهاج: لزيادة أعداد أفراد آثار على الزوجين والأبناء، فرب الأسرة يعانى ضغوطا مادية ما يدفعه للبحث عن أكثر من عمل لسداد نفقات الأسرة، بينما تعانى الأم ضغطا نفسيا ما يؤدي إلى حالة من العجز النفسي فيثير التوتر والخلافات بين الزوجين، وهذا أمر قد يترتب عليه تغيير في سلوكيات الفرد فقد يتحول الزوج من شخص هادئ إلى عصبي لا يستطيع أن يسمع أية مشكلات من الزوجة أو الأبناء بعد يوم شاق وطويل من العمل والمجهود، وقد يتسبب في اكتئاب الزوجة وبعدها عن زوجها وأبنائها بل وهروبها في كثير من الأحيان.

 

وتقول د. نورة رشدي، أستاذة الخدمة الاجتماعية ووكيلة المعهد العالي للخدمة الاجتماعية: 

يترتب على إنجاب عدد كبير من الأطفال ضغوط اقتصادية واجتماعية ونفسية وصحية فتضطر الأسرة إلى اعتماد ثقافة الاستغناء عن بعض الأمور التى يراها الأبوان رفاهية بينما يعتبرها الابن ضرورية وفق ثقافة الأجيال الجديدة التى أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي فى تكوينها .

وتتابع: إن بعضا من تقاليدنا البالية لا تزال تلعب دورا كبيرا في دمار حياتنا، ففي ثقافتنا توجد أمثال كثيرة تحث المرأة على الإنجاب مثل "إن غلبك بالمال اغلبيه بالعيال - اربطيه بالعيال"، وقد كانت جداتنا تعتقد خطأ أنه كلما كان عدد أبنائهن أكبر لن يهرب منها زوجها ولن ينظر إلى امرأة أخرى ولن يتزوج عليها، وهذا اعتقاد ثبت خطأه في العصر الحديث، حيث ثبت أن أغلبية حالات الطلاق التي تحدث الآن بسبب كثرة الإنجاب وزيادة الأعباء المادية على عاتق الرجل، كما أن إهمال الزوجة لمظهرها وجمالها وتغير شكلها بعد إنجاب عددا كبيرا من الأطفال وفقدان الرجل للراحة بالمنزل يدفعه إلى الهروب إلى امرأة أخرى إما بزواج شرعي أو عرفي أو يدفعه للطلاق، كما أن عدم إعطاء المرأة احتياجاتها العاطفية والمادية نتيجة انشغالها بخدمة الأسرة قد يجعلها تمل الحياة الأسرية وتهرب منها هي الأخرى، لذا من الأفضل عدم الاستعجال في الإنجاب مع بداية الزواج أولا، ثم إنجاب طفل أو طفلين على أقصى تقدير حتى نحيا معا بود وتفاهم وحتى نستطيع رعايتهم.

المصدر: سمر عيد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 30 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2025 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

27,634,906

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز