هلت الضيفة القادمة من بلدتها طنطا.. في محافظة الغربية، علي رأس الشارع المتفرع من شارع شبرا الرئيسي في القاهرة، قاصدة زيارة أسرة شقيقة زوجها التي كانت تقطن في احدي شقق بنايات هذا الشارع الجانبي الهادئ، وهي تمني نفسها بالاستمتاع بمفاجآتهم بالزيارة، إذ كانوا يشتاقون دوما للالتفاف معها حول «علبة حلاوة السيد البدوي» التي تحرص دائما علي «اتحافهم» بها «كزيارة» مميزة، تشتهر بها بلدتها

ولكن، وللصدفة، كانت شقيقة زوجها، تطل من «بلكونتها» الضيقة، بعد أن قامت بنفسها على الإشراف فى المطبخ على إعداد «حلة عدس معتبرة» الذى اشتاقت إلى أكله جدا مع أفراد أسرتها، وهى تحلم أن يأكلوه كأسرة فى المساء عندما يصل زوجها من عمله .

أما السبب، فقد كان إجماع أسرتها على إحساسهم «بالغضب» من كتر أكل اللحوم البلدية يوميا - وهنا أقصد اللحوم الحمراء، وكذلك البيضاء، البلدى ، الطازجة ، تربية الفلاحين والفلاحات.

وما أن لمحت أخت الزوج، زوجة أخيها على مشارف الشارع ، حتى أسرعت بمغادرة البلكونة، والدخول إلى داخل شقتها، ثم هرولت إلى المطبخ وهى تنادى على ابنتها صائحة، لكى تأمرها بأن «تسكب» حلة العدس، بسرعة، فى دورة المياه، وأن تشد «السيفون» عدة مرات متتوالية، و«تدلق» فينيك على الأرض لكى تزيل كل أثر للعدس، ورائحته .. وفى نفس الوقت كانت يديها تسبقانها لكى تسرع بغسيل الحلة جيدا، حتى تزيل كل شبه وجود لجريمة طبخ العدس، من كل أرجاء البيت.

وما هى إلا ثوان ، حتى كانت قد «وضعت» نفس الحلة النظيفة على النار لكى تعد الطبيخ الأحمر، بالتقلية البلدى، المزدان باللحم البلدى .. كما لو كان هذا هو ما تعده أساسا من أجل وجبة حساء نفس اليوم لأسرتها .

ثم التفتت لكى تستقبل ضيفتها التى كانت قد وصلت توا من «طلوع السلم الطويل العالى» ، بالأحضان، وبالاندهاش الفرحان ، «بالزيارة المفاجئة» .

وكانت هى الوجبة الرئيسية التى تجمع كل أفراد الأسرة عند عودة رب الأسرة من عمله مع نهايات النهار، المائدة المليئة بأطباق اللحوم، والطبيخ، كانت ربة الأسرة تعتذر بشدة، أنها لو كانت تعلم مسبقا بقدوم الضيفة العزيزة لكانت قد نحرت لها ذبائح وطيور البلد كلها .. ولكن باقية لليوم التالى.

قارئتى العزيزة، هذه ليست حدوتة .. بل صدقينى، لقد حدثت هذه القصة الحقيقية، والواقعية، فى الستينيات من القرن 20، وفى نفس بلادنا، ومواقعها التى نتكلم عنها .. بل والأكثر، أننى لم أسمع بها من راوية، بل أننى قد سمعتها شخصيا - بل ولمرات كثيرة ومتكررة من بطلة القصة «شخصيا» ، أى ربة البيت «المشتاقة للعدس» ، والتى قرفت من «كتر أكل اللحمة» يوميا، هى وأسرتها .. وعلى فكرة، اللحمة عندهم كانت حمراء، وصغيرة، وبلدى، ومتربية على العلف الطبيعى النظيف .

ومن تكرار قص القصة، ولمعرفتى بأمور تلك الأسرة، ومن ملاحظاتى الشخصية، تنبهت إلي أن تلك الأسرة الغاضبة من كتر أكل اللحمة فى وجبة العشاء الأسرية، أن تلك الزوجة كانت هى وزوجها كثيرى الشجار، ودائمى المشاحنات فى فترة المساءو والتى تعقب الأكل، بالرغم من أن تلك هى الفترة القصيرة التى يقضيها الزوج فى البيت وبين أفراد أسرته، والمفروض أن يريد أن يلخد فيها إلى الراحة، بعد عناء عمله الجاد طوال النهار، وكذلك وأن زوجته تريد أيضا أن تمضى معه وأولادها ليلا هادئا بعد ما بذلته طوال اليوم من مجهود فى إنجاز أعمالها المنزلية، والأسرية .. خصوصا وكان معروفا أن هذين الزوجين يحبان بعضهما البعض، ويحملان لبعضهما أجمل المشاعر .

ومنذ أيام قليلة، كنا فى جلسة جمعت بين بعض المثقفين، والأطباء، فحضرتنى تلك القصة القديمة، بمناسبة الأحاديث الدائرة عن اللحوم خلال الفترة الماضية، فقصصتها على الحاضرين، كطرفة تبعث على الابتسام، والتندر .. ولكن، تحولت الحدوتة إلى حوار علمى، وطبى، ومعلوماتى رائع .

فبكلمات قاطعة، مبنية على الاطلاع العلمى، والبحثى الحديث، توصلت إلى كل ما يلى من معلومات مفيـدة ورائعة:

ان الوجبة المسائية ، وهى وجبة العشاء «أخطر» .. نعم أخطر الوجبات الغذائية التى نتناولها على الإطلاق، فى اليوم الواحد .. وذلك لأن هذه هى الوجبة التى يخلد الشخص منا إلى النوم بعدها.

ومن هنا، فان تناولنا لوجبات عشاء ثقيلة، ودسمة، تحتوى على كميات من اللحوم، والدهون، قبل النوم بفترة قصيرة، أمر يؤدى إلى عدم استهلاك مكونات هذه الوحبة .. وهكذا يتم تخزينها فى الجسم على شكل دهون .. وبالتالى ، فانه يقودنا إلى السمنة ، وهى البوابة الواسعة نحو العديد من الأمراض المستعصية .

إن الاكتشاف الحديث، الذى يثير الدهشة، أن تناول اللحوم، والدهون ليلا، يزيد جدا من احتمالات إثارة التوتر، والقلق بين الأزواج، وكذلك بينهما وبين أبنائهما .. وبالتالى يتهدد كيان الحياة الزوجية، والحياة الأسرية..

التفسير العلمي

أما التفسير العلمى لهذا، فهو أن بروتينات الحيوانات غنية بالأحماض الأمينية، وبدورها فهى التى تقوى الإشارات العصبية التى تؤثر على المخ .. وتزيد من توتر الأزواج، ومن استعدادهم للتشاجر فى المساء .

اللحوم في باقي الوجبات

لاشك فى أن أكل اللحوم فى باقى الوجبات الغذائية، مفيد لجسم الإنسان، ولكن بشرط عدم الإسراف فى الكمية التى يتناولها الشخص يعنى بشرط ألا تزيد كمية الزلال فى الغذاء اليومى - من أطعمة أخرى ، اللحوم عن 30 جراما فقط .. ومن ثم يعتبر تجاوز هذه الكمية من الترف الضار.

ويوضحون المعلومة، بأن كمية الزلال هذه - أى 30 جراما من الزلال - تشتمل على كل أنواع الأطعمة التى تحتوى على الزلال، مثل الزلال النباتى ، وزلال اللبن الحليب، أى ليس زلال اللحوم فقط، وإن كانت اللحوم غنية بكمية الزلال التى تحتويها.

وعلى أى حال ، فان أعداد العلماء، فى مختلف التخصصات الطبية، والغذائية، والنفسية، والعصبية، الذين يرفضون أن نتناول الكميات الكبيرة من اللحوم فى تغذيتنا .. وفى نفس الوقت، الذين لا يرون ضررا من تناولنا للكميات الصغيرة منها، هم فى تزايد مستمر ..

أما عن أساس موضوعنا، وهو تأثير اللحوم على المشاحنات الزوجية والاسرية مساء، فان العلماء ينصحوننا بتناول عشاء نباتى خفيف، حتى نضمن أن نقضى ليلة هادئة وسعيدة، خالية من المشاحنات، ومن المتاعب الصحية، ومن المشكلات الاجتماعية.

المصدر: ليلي امين - مجلة حواء
  • Currently 163/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
53 تصويتات / 1435 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,841,874

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز