مثل صيني قديم يقول: لو أردت أن تريح في عام واحد ازرع أرزاً، في عشرة أعوام أزرع أشجار فاكهة في مائة عام علم النساء» ود. ألفت أختارت مجالاً فريداً وهو الجراحة لتتخصص وتتقدم فيه لتصبح أول سيدة مصرية تحصل علي الدكتوراه في الجراحة العامة في قصرالعيني، وأول سيدة تعين رئيساً لقسم الجراحة في الجامعات المصرية، زوجة العالم المرحوم د. أحمد شفيق وأم لاثنين من الجراحين الذين ساروا علي درب الوالد والوالدة، تخصصت في مجال العقم عند الرجال والقصور الجنسي وكسبت ثقة مرضي كثيرين رغم أنها أنثي كافحت حتي تستمر في نجاحها، أبحاثها منشورة في المجلات العالمية، مجموع أبحاثها يصل إلي أكثر من 400 بحث علمي، قامت المنظمة العلمية وتدعي «الكوميستك» وهي منظمة الدول الإسلامية باعتبارها أحد الستة الأوائل في العالم الإسلامي الذين قاموا بأبحاث في مجال الجراحة منشورة بالمجلات العالمية وتدرس في كليات الطب في العالم والولايات المتحدة وأوروبا، إنها نموذج مشرف للنساء في مصر.. ألقينا عليها ضوءاً من قريب لنتعرف عليها أكثر وأكثر.
احكى لنا قصة اختيارك لمجال صعب وهو الجراحة؟.
ــ إنها قصة قديمة بدأت من طفولتى، أسرتى كان لها تأثير كبير فكانوا ينادوننى بالدكتورة ألفت، بجانب تأثرى بشخصية الدكتور إسماعيل السباعى الجراح الكبير الذى كانت تربطنى به صلة قرابة وعندما كان سيجرى لى عملية الزائدة وأنا طفلة لم أتجاوز 11 سنة انبهرت بغرفة العمليات، لم أشعر بالخوف، وكنت شغوفة بالتعرف عليها، والدى كان له أثر كبير فقد حببنى فى العلم وشكل وجدانى كطفلة تحب العلم ووالدتى أثرت فىّ كثيراً فكانت تحثنى على العلم والدراسة، كانت كل هذه العوامل دافعاً لى للتفوق وعندما أنهيت دراستى الثانوية كتبت ثلاث رغبات فقط طب القاهرة عين شمس والاسكندرية وكان هدفى وطموحى أن أصبح جراحة وكان الطب وسيلتى لذلك.
هل غيرت الجراحة من شخصيتك؟
ــ الجراحة من المهن التى تعطى بريقاً لصاحبها وتثقل الشخصية لما لها من جرأة فى غرفة العمليات، لابد أن يكون الجراح فناناً وموهوباً ويديه يدىّ فنان مثل النحات والرسام وكل ذلك ينعكس على شخصية الإنسان، تجعله قائداً لأنه يقود فريق من المساعدين والأطباء والتخدير داخل العمليات، تجعله فناناً حتى فى أسلوب اختياره لملابسه ومظهره وتعلمه الحسم فى الحياة العامة وصانع قرارات، وهذا كله من انعكاس المهنة على من يمارسها.
وماذا تعلمت من العالم الجراح د. أحمد شفيق؟.
ــ تعلمت منه الكثير، كنت أتعامل معه على أنه أستاذى الذى أنهل من علمه وتجاربه، وتعلمت منه أخلاقيات المهنة وأن الله يراه فى كل مايفعله، الآن للأسف كثير من الأطباء لايهمهم مصلحة المرضى أكثر من الماديات، استفدت من وجوده بجانبى وتعلمت منه الكثير، أن أظل قارئة وعلى علم بكل ماهو جديد، وأن أثقل عملى بالعلم واكتسبت البحث العلمى منه، وتعلمت أيضا الدقة، ساعدنى كثيراً فى مشوارى الملىء بالعقبات، كان خير عوناً لى، لقد حوربت كثيراً وعندما دخلت الامتحان التكميلى للدكتوراه 9 مرات، كان يعقد كل 6 شهور وكان يشجعنى ويقول لى «هذه معركة ولابد أن تكسبيها» وكنت أرسب وأنهار فيقول لى: «لازم تقومى ثانى» كان مسانداً لى واعتبرها قضية لابد أن أنجح فيها، لم يكن يريدنى مثل كثير من الأزواج متفرغة للبيت أنتظره أن يأتى من عمله، كان رجل علم كان مشغولاً وسعيداً بانشغالى وبنجاحى وفى آخر أيامه كان يقول أشكر د. ألفت لأنها تحملت انشغالى وغيابى، كنت موجوداً وغير موجود كان إما يدرس فى المكتب أو فى معمله الموجود فى البيت، كان نعم الزوج ونعم السند، رحمه الله.
حدثينا عن أكثر العقبات التى واجهتك فى طريقك العلمى؟
ــ كانت فكرة غريبة أن تفكر بنت فى تخصص الجراحة، لايوجد قانون يمنع ذلك ولكن جرى العرف أنه من تخصص الرجال، حتى عندما عرضت على د. إسماعيل السباعى رغبتى قال لى: «إنت مجنونة»!! واجهتنى صعوبات كبيرة ولكن ساعدنى الله على ذلك فى كل العقبات، للتخصص فى الجراحة لم يكن أمامى سوى دبلوم الجراحة وعينت نائب زائر فى قصرالعينى ولكى أحصل على زمالة الجراحين كان علىّ أن أسافر للجزء الثانى من الامتحان، كان أولادى صغاراً ويحتاجون لرعايتى، عرض علىّ د. جمال الدين البحيرى رئيس أقسام الجراحة فى قصرالعينى أن يصحح لى الدكتوراه وبالفعل، أما الامتحان التكميلى للحصول على الدرجة كان لابد أن يناقشنى 30 أستاذاً منهم من كان معارضاً كونى أنثى وقال لى «على جثتى أن تنجحى» وفعلاً دخلت الامتحان 9 مرات كل مرة أرسب ولم أنجح إلاّ بعد أن توفى هذا الأستاذ، وعندما عينت مدرس وتدرجت فى المناصب رئيس القسم لم يكن متقبل نفسياً كونى أنثى أيضا، وحاربنى كثيرا ووضع عراقيل كثيرة أمام ترقيتى ليؤخرها ولكن الله أكرمنى وعينت رئيسا لقسم الجراحة على مدى 8 سنوات، وكنت أقود فريق من الرجال والأساتذة وهيئة معاونة حوالى 50 رجلاً وكنت امرأة تقودهم وعينت بناتاً بعدى من المتفوقين أسوة بى.
هل ورث د. إسماعيل ود. على حب الجراحة من الوالد والوالدة؟
ــ استطعت أن أغرز فيهما حب الجراحة وعشق المهنة والبحث العلمى والآن هما أساتذة مساعدين للجراحة العامة فى قصرالعينى، كونّا أنا ود. شفيق وأولادنا فريق عمل علمى وبحثى تعليمى، نقيم ندوة شهرية تعليمية للأطباء المتخصصين فى جراحات الحوض والقولون، والشرج مجاناً، أنشأنا جمعية البحر المتوسط لأمراض الحوض وبعد حوالى سنتين على وفاة د. شفيق نتعاون على انجاح المكان والمؤتمر أرأس الجمعية ونسير العمل لإنجاحها واستمرار الخدمة التعليمية التى نقدمها للأطباء وهو «علم ينتفع به» سعدت بأنى من حوالى 10 سنوات نجحنا أنا ود. شفيق فى أن نصل بأولادنا للعالمية وورثنا هذه التركة ولابد أن نستمر فى قيادتها.
ماهى أغلى الجوائز التى حصلت عليها؟.
ــ أكبر وسام على صدرى هى سمعتى، ويكفى أن يحول لى الدكاترة الرجال مرضاهم لى، وثقة الناس فىّ، أعلى جائزة لى الحياة بدون عمل ليس لها طعم وخاصة أن يثق فيك المريض هذا يساوى الدنيا كلها.
وماذا تقولين للمرأة فى يوم المرأة المصرى؟.
ــ أرى أنه يوجد تراجع جديد، فالجيل الجديد ليس متحمس كجيلنا، كنا لايوقفنا أحد الآن البنت تتخرج وتتزوج وتجلس فى البيت، لايوجد عندها طموح، لايوجد عندها هدف محدد، لابد أن يعمل كل إنسان فى المجال الذى يحبه ويدرس مايحبه وأتمنى أن تكون طموحة وأن تحقق نجاحات فى حالات مختلفة ولابد أن تكافح من أجل هدفها وتعاند وتصمد فلا يضيع حق وراءه مطالب، وأعتبر نجاحى هو نجاح لكل النساء فى العالم.
وهل أخذك الطب بعيداً عن حياتك الاجتماعية؟.
ــ بصراحة نعم أصدقائى فقدوا الأمل فىَّ لانشغالى، كانت فسحتنا أنا ود. شفيق هى المؤتمرات العلمية فى الخارج فقد شاركت فى أكثر من 500 مؤتمر علمى عالمى كنت أتنزه وأعتبرها نزهة، لكن د. شفيق رحمه الله لم يكن يخرج من الفندق كان كل وقته يكرسه للعلم رحمه الله.
ساحة النقاش