<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
هات البوليس يا معالي الوزير!
- " كان ذلك عام 1936، وكان الناس في العراق يعيبون على الفتاة فكرة الإنتساب إلى الكليات المختلطة، فقد كانت الحركة النسائية في ذلك الوقت مجرد إشاعة، حتى إن حدث قبل ذلك بخمس سنوات، إن قامت ثلاث سيدات هن: حرم نوري السعيد والسيدة أسما الزهاوي، وأمي زوجة الشيخ أحمد الشيخ داود، بإنشاء أول ناد نسائي في بغداد، ففشلت التجربة بعد شهرين، إذ حصل الضغط على النساء، فأنسحبت معظم العضوات، وأنتهت المحاولة، مع أن هدف هذا النادي كان متواضعا جدا وهو تشجيع المرأة على تكوين شخصيتها الإجتماعية!
وكنت أنا متأثرة بالروح التي كانت تسيطر على منزلنا، وكان أبي برغم دقة مركزه الديني، من أشد المتحمسين لإفساح المجال للمرأة المتعلمة...
وأتممت علومي الثانوية، وكنت مصممة على دخول الجامعة... وجاء من ينصح أبي بارسألي إلى الخارج، كما كانت العادة في ذلك الوقت، فإن دخولي الجامعة في بغداد شيء مستحيل!
وتحمس أبي وقال: - أنا لا تهمني تكاليف التعليم في الخارج بالنسبة إلى، فإن الله قد وسع علينا في الرزق، ولكن ماذا تعمل الفتيات الفقيرات اللاتي لا تمكنهن الحالة المادية من التعليم العالي في الخارج؟ هل يقضي عليهن بالحرمان من نعمة العلم؟ ثم أين القانون الذي يحظر على الفتيات الإنتساب إلى الكليات المختلطة؟
وفعلا، أخذني أبي من يدي، وذهب لمقابلة وزير المعارف في ذلك الوقت،وقدمت إليه طلبا للإنتساب إلى كلية الحقوق....
وقال وزير المعارف:- لن استطيع قبول هذا الطلب، إنه سيحدث ثورة....
وقال أبي:- قانونا لن تستطيع رفض الطلب، فليس هناك نص يخولك هذا الحق!
وقال الوزير:- قبول أبنتك في الجامعة سيثير الرأي العام.... ثم لا تنس أن بين طلاب الحقوق، كثيرين من القادمين من الأرياف، ولن يقبلوا هذا الوضع، وسيؤثرهذا على سمعة أبنتك ووضعها الإجتماعي! ووقف أبي وقال للوزير:- ستذهب أبنتي إلى الكلية غدا، وإذا أردت منعها من الدخول، فأرسل قوة من البوليس!!
سجينة في "اللوج"!
لم ننم في تلك اللية، ولكننا جميعا، أبي وأمي وأنا، كنا مصممين على مواجهة هذه التجربة...
وخشيت أمي أن تحدث مظاهرة أمام باب الجامعة، فأصطحبتني معها في السيارة، وكنت أرتدي العباية والبوشي، أي الحجاب الأسود السميك، الذي كانت تضعه المرأة على وجهها...
وحين وصلنا إلى باب كلية الحقوق، وجدنا الطلاب متجمهرين على جانبي الطريق، وتأملت والدتي جماهير الطلاب، فلاحظت أن على وجوه بعضهم دلائل الإستنكار وعلى وجوه البعض الآخر دلائل الرضى، فدفعتني بيدها، وقالت:- أذهبي.... وحافظي على هدوء أعصابك!!
أنتزعت " البوشي" عن وجهي، وبقيت في العباية، وكانت ثيابي محافظة جدا، حتى كان شكلي أقرب إلى شكل راهبة: أكمام طويلة وملابس سوداء وعباية سوداء!
ونزلت من السيارة، ونزلت أمي ورائي، ووقفت تقدمني للطلاب فقالت ما معناه " أعتقد إنكم ستعاملون أختكم معاملة طيبة، فأنا أتركها أمانة لديكم، وأعتقد أنها من جهتها ستكون عند حسن ظنكم، وإن شاء الله، لن تتركوها تندم على هذه التجربة!!
وكان لهذه الكلمات وقع السحر على الطلاب، ورد بعضهم بكلمات طيبة حماسية....
ودخلت فصل السنة الأولى، فأفرد لي مساعد العميد مقعدا إلى جانب القاعة، وأطلق عليه الطلاب أسم " اللوج" لأنه كان فعلا أشبه بالألواج التي توضع منفردة في صلات السينما!
وهكذا مرت التجربة الأولى.... وبدأت التجربة الثانية في الكلية نفسها!!
الوزير سأل في السر!
وضحكت الآنسة صبيحة عندما وصلت إلى هذه النقطة من الذكريات ثم أستطردت قائلة:
"تصور، أنني قضيت السنة الأولى كلها، في " اللوج" المنفرد، كأني في سجن، لا أتحدث مع أحد، ولا يتحدث معي أحد...كنت أجلس فوق مقعدي أربع ساعات كل يوم، قابعة في ملايتي السوداء، لا يتحرك لساني بكلمة!
وكان معظم الأساتذة في الكلية مصريين، فكانوا يظهرون العطف علي في كل مناسبة، وكذلك كان بعض الطلاب، وحاول البعض الآخر أن يسمعني كلمات نابية، فكنت أتألم، دون أن أرد...
وكان الوزير يسأل سرا عن أحوالي: هل حدث شيء؟ هل أثر وجود الفتاة على جو الدراسة؟
ودهش معالي الوزير للنتيجة، فقد أصبح الطلاب أكثر تهذيبا في أحاديثهم، وحدث شيء من المنافسة التي تخلقها طبيعة وجود المرأة بين رهط من الرجال، كما أني كنت الثانية في أمتحان آخر العام!
ولعل هذا هو الذي أقنع الوزير يفتح الباب، فأستقبلت الكلية في السنة التالية، فتاتين، وبقينا ثلاث فتيات بين 150 طالبا، طيلة الأربع سنوات التي قضيتها في الحقوق!
نهم وجوع!
وفي السنة الثانية، كان كل شيء قد تغير...
بدأت المناقشات تحتد حول حقوق المرأة، وهل وجودها في المجتمع ضرورة قومية أم إنها يجب أن تلزم البيت؟
وكان أنصار المرأة في الكلية أقلية، ولكن عندما تخرجت أصبحوا أكثرية!
وثبت للجميع بعد ذلك، أن وجود المرأة ضرورة، يستفيد منها الرجل كما يستفيد منها التطور والعمل الإنشائي، وهكذا أصبح عدد الطالبات في كلية الحقوق يتجاوز نصف مجموع الجنسين....
وإسأل أي أستاذ أجنبي أو عربي، عن مدى إقبال الفتاة العراقية على العلم إنه شيء مدهش يكاد لا يصدق، حتى أن أحد الأساتذة الإنجليز قال مرة " إن رغبة المراة العراقية في التعليم يصل إلى حد النهم والجوع، فهي تناقش باستمرار، وتريد أن تعرف كل شيء، ولا تحفظ شيئا، إلا بعد أن تفهمه وتهضمه!!"
الغمام الأسود!
وسكتت الآنسة المحامية...
فقطعت عليها تفكيرها بسؤال آخر:
- وكيف بدأت حركة السفور في العراق؟
قالت:
- جاءت حركة طبيعية بدون أية ضجة... والفضل في ذلك إلى العلم، فإن أية فتاة أقبلت على التعليم، نزعت حجابها بصورة طبيعية.... ولكن هناك حقيقة يجب أن تذكر هنا، وهي أن المغفور له الملك فيصل الأول، كان رائد حركة السفور والمشجع الأول للطالبات المتفوقات، ولعل أعز ما أحتفظ به هنا في البيت، هو ست هدايا من الملك الراحل كانت ولا تزال بمثابة ست شموع أنارت لي الطريق...
ومدت يدها إلى الرف القائم فوق المدفأة، وتناولت هدية من هدايا الملك، ثم قالت:
" أذكر أنه حدث عام1928، أن زار الملك فيصل الأول مدرسة إبتدائية لا يتجاوز عمر الطالبات فيها الرابعة أو الخامسة عشرة...
وجاء الملك ولم يزر قاعات الدرس، بل أكتفى بمصافحة المديرة وكانت أمريكية، فسألته:
- لماذا يا صاحب الجلالة لا تزور قاعات الطالبات؟
فرد على الفور:
- لست بحاجة لمشاهدة غمامة سوداء!!
وكانت هذه العبارة حافزا قويا دفع رائدات الحركة النسائية في بغداد إلى نزع الحجاب وقامت الآنسة صبيحة من مكانها، وأعادت هدية الملك إلى الرف القائم فوق المدفأة، ثم قالت وهي تودعني: " قل للسيدة أمينة السعيد إن زميلاتها في العراق قدعملن شيئا لابأس به، فالمراة العراقية اليوم،تحتل مكانها في كل ميدان، في المدارس،في المحاكم،في المستشفيات،في البنوك.... وجميعهن ينتظرن زيارة " حواء الجديدة" إلى بغداد!!
ساحة النقاش