- أين أمكم ؟؟

عادت إلى بيتها !

- أى بيت - أليس هذا بيتها ؟!

- لا يا أبى - ليس هذا بيتها

- بيت من إذن ؟

- بيتك أنت

لماذا أعيش أنا وهى فى بيت آخر ؟؟

- أنت الذى أخذت ذلك يا أبى - أخذت أن تعيش مع تلك المرأة الأخرى وتتركها وحدها - القانون يبيح لك ذلك فلماذا لا تفعله - أنت رجل يا أبى ولك مطلق الحرية أن تفعل أى شىء.

- لا أذكر شيئا أنا متعب

جاءت هى على عجل نظرت إلى وجهه المكفهر ثم نظرت إلى ابنته.

- هل كدرته فى شىء ؟؟

- لم أكدره - هل تسمحين لى أن أنصرف الآن ؟؟

- براحتك

كانت تعرف أن أباها يكن إعزاز كبيراً لأمها ولكن تلك المرأة استطاعت أن تأخذه منهم - لم تكن الأم تعرف شيئا ولكن الأمور تطورت سريعا فإذا بها تواجه الموقف بكل بشاعته - أصيب الزوج بأزمة مفاجئة- ارتفع ضغطه فجأة مسببا له جلطة فى المخ نقل على إثرها إلى العناية المركزة أبلغتهم هى بما حدث أرادت أن تخلى مسئوليتها فقد فاجأته الأزمة وهو عندها ذهبوا جميعا إلى المستشفى وكانت هى جالسة بجواره بالعناية المركزة سألت الزوجة وهى تحول نظرها بينه وبين تلك المرأة الجالسة بجواره.

- من هذه المرأة ؟؟

أجابوها

- زوجته

نظرت إلى ابنتها - أحست أنها تترنح - أمسكت الابنة بذراعها حتى لا تقع - أشارت عليها شقيقتها أن يعودا بها إلى المنزل - رفضت بشدة صممت على أن تبقى بجواره- كيف تتركه وهو والد ابنتيها ورفيق عمرها- كيف تتخلى عنه وهو فى هذه الحالة الحرجة.

لم تفلح محاولات البنتين فى إثنائها عن زيارة أبيهما يومياً بالمستشفى والاطمئنان عليه رغم كل ما ينطوى عليه من مساس بكرامتها ومهانة وقهر لها حتى بعد أن خرج من المستشفى وذهب ليقيم فى منزل زوجته الثانية صممت على زيارته.

فوجئت الأم- وهى صديقتى أن الشقة التى ادعى أمامها أنه يزاول فيها بعض أعماله ويقابل فيها أصدقاءه هى شقة الزوجية وأنه تزوج عليها منذ أكثر من عشر سنوات.

فى أحيان كثيرة كانت تسمع هنا وهناك همسات وشائعات حول زواجه الثانى وعندما كانت تواجهه بسؤالها المباشر.

- هل تزوجت على يا هشام ؟؟

كان رده قاطعا

إطلاقا - كيف أتزوج عليك وأنت أم بناتى ورفيقة عمرى

- مجرد شائعات يريدون بها أن يفسدوا العلاقة بينى وبينك

عاشت على هذه الأكاذيب عشر سنوات كاملة - وانشغلت فيها بعملها وبيتها ونسيت أو تناست الموضوع برمته .

ومن المصادفات الغريبة أننى بحكم صداقتى للزوجة المخدوعة كنت قد رأيت من واجبى بمجرد أن سمعت بإصابة زوجها أن أزورهما بالعناية المركزة لكى أساند صديقتى فى محنة مرضه وفى الممر المؤدى إلى غرفة العناية المركزة حيث يرقد الزوج قابلتها.

لم أعرفها فى البداية فقد كانت تتدثر بحجاب ثقيل وعهدى بها سافرة تصفف شعرها الأشقر بعناية فائقة وتضع ماكياجا خفيفا على وجهها وترتدى ثيابا على أحدث خطوط الموضة.

أقبلت على هاشة باشة وهى لا تعرف أننى صديقة للزوجة الأولى لم أعرفها فى البداية بسبب حجابها الثقيل فعرفتنى بنفسها.

تذكرت على الفور فقد كانت زميلة لى فى عملى السابق قبل خروجى على المعاش كانت أصغر منى بكثير اعتذرت لها بأننى لم أعرفها بسبب الحجاب وهو شىء جديد عليها، سألتها فى لهفة عما أتى بها إلى المستشفى والى العناية المركزة بالذات..

ردت فى لهجة شعرت فيها بالحياد التام وكأن الأمر لا يعنيها فى قليل أو كثير..

- جئت من أجل زوجى - أصيب بجلطة فى المخ.

لم أتخيل ساعتها أن زوجها هذا هو نفس زوج صديقتى وتحسرت على انتشار مثل هذه الحالات كثيرا هذه الأيام.

أنهيت زيارتى لزوج صديقتى وعدت إلى منزلى

وسط زحام هائل وأزمة مرورية خانقة أخذت أقود سيارتى وأنا أتفصد عرقا - يا للزحام ياللاختناق متى تنتهى هذه الأزمة !! العربات كلها واقفة مكانها لا تتحرك - والجميع عاجزون عن الحركة قيد أنمله .. وما من حل سوى تحمل الموقف وانتظار الفرج.

أى قهر أكثر من هذا - حانت منى التفاته إلى طابور طويل من المواطنين الغلابة الذين يسعون جاهدين للحصول على بضع أرغفة من العيش المدعوم يستطيعون بها أن يسدوا رمقهم ورمق أبنائهم - وتتعالى أحداث الغضب والشجار والكل واقفون أماكنهم هامدين لعل وعسى .

وتمر الأيام واتصل هاتفيا بصديقتى أسالها عن أحوالها وأحوال زوجها المريض ردت على فى نبرة حزينة أنه يقيم الآن فى بيت زوجته الثانية وبصفة دائمة وأنها تتردد عليه فى هذا المنزل فهو رغم كل شىء زوجها ووالد بناتها.

كان الموقف قاسيا عليها ولكنها تحملته بشجاعة وقوة - لاحظت أن المنزل يفتقر إلى الذوق السليم وهى ابنه الأصول والحسب والنسب وتأكد لها أن الزوجة الثانية لابد تنحدر من أسرة بسيطة معدومة الذوق وتساءلت ما الذى أعجبه فيها وكانت الإجابة عندى جاهزة - فما أن سألتها عن اسم هذه الزوجة وعرفت أنها هى التى قابلتها بالمستشفى حتى أجبتها.

- لقد كان لهذه المرأة علاقات مشبوهة بواحد أو اثنين من كبار المسئولين بجهة العمل التى كنا نعمل بها سويا- وكان لديها القدرة على التأثير عليهم بطريقتها الماكرة الناعمة ولا شك أنها استطاعت أن تؤثر على زوجك بنفس الطريقة.

طوت صديقتى ألمها فى نفسها واستعانت بالصبر على تجاوز أزمتها .

وكنت أعجب وما زلت أعجب كيف تتحمل كل هذه المهانه وهذا القهر !! تراءت أمامىِ ما أشاهده يوميا فى الطريق من خنقة لحركة المرور بالشارع وطوابير أرغفة الخبز وما يحدث فيها يوميا من مشاحنات ومعارك تنتهى أحيانا بالانتحار أو القتل وهمست لنفسى

نحن نتجرع القهر كل لحظة وكل يوم.

 

 

 

المصدر: وفية خيرى - مجلة حواء
  • Currently 77/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
26 تصويتات / 846 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,737,365

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز