منذ بدأنا بمعونة الرأى العام الرشيد دعوتنا الى تعديل قوانين الاحوال الشخصية،و البريد يأتينا كل يوم بما لا أول له ولا آخر من التعليقات، التى لو شئنا أن نعطيها حقها فى النشر، ما تبقى لدينا مكان ولو صغير لاى موضوع آخر و لقد اكتفينا بعرض عدد قليل جدا مما أتانا على سبيل التأييد،و ما زال لدينا من هذا اللون كمية ضخمة من الرسائل الحماسية  التى بعث بها الينا رجال لهم مكانتهم فى مختلف المجالات. محامون و مهندسون و مدرسون، كذلك شبان يمثلون طليعة الجيل الجديد بكل ما يتضمنه هذا الوصف من معانى التحضر و التقدم و الذكاء.

لم ننشرها لسببين
    و لكننى لا أدعى أن بريدنا لم يكن يشمل سوى التأييد فأقلية من قرائنا بعثوا الينا بآراء معارضة،و لكننا لم نستطيع مع الاسف أن ننشرها لسببين هامين:
أولهما: أن معظم رسائل المعارضة – أن لم يكن كلها – وصلتنا موقعة بالرموز.. أو بالحروف الاولى من الاسماء.. أو بامضاءات لا يمكن قراءتها.. أعنى أنها وصلتنا بدون توقيعات صريحة ترشد الى شخصية أصحابها،و هو أمر يسلب الرأى قيمته،و يظهر كاتب الرسالة فى صورة مجردة من الشجاعة الادبية التى لا غنى عنها مطلقا فى أى مناقشة جدية تتصل بصالح المجموعة التى نعيش فيها..
ثانيهما: هو الاسفاف.. فبعض المعارضين خانهم التوفيق فى كتابتهم،و بدل أن يسلكوا سبيل الادب فى كلامهم،و ينهجوا النهج الصحيح فى أسلوب المناقشات، الذى يجب أن يكون موضوعيا.. مهذبا.. و قورا..أفلت منهم زمام عقلهم، فسودوا الصفحات بما لا يليق...و نسوا و هم ينزفون غضبهم بهذا الاسلوب، أنهم أدانوا أنفسهم،و حكموا على رأيهم بالاعدام،و أثبتوا بصورة قاطعة لا تقبل الشك، أنهم علة هذا البلد و آفته الكبرى،و أنهم بهذه الصفة التى أسبغوها على أنفسهم، قد أصبحوا أقل من أن يعمل لهم حساب فى تقرير مصير مجتمعنا،و آتفه من آن يشركوا فى عملية التخطيط لحياتنا القادمة.

    و لهذين السبيبن لم أستطه أن أنشر الاراء المعارضة.. و من حيث الاول، أقول بمنتهى الصراحة اننى لا أستطيع مطلقا أن أحترم الشخص الذى يناقش وراء شخصية مجهولة أو اسم مستعار، خصوصا اذا كانت المسألة تتعلق بموضوع عام نعرف جميعا أننا لا نستهدف بعلاجه سوى تحقيق الخير الوطنى،و أن الاشتراك فى بلوغ هذه الغاية – سواء بالتأييد أو المعارضة – لن يصيب أحدا بالضرر و لن يقودنا الى ساحة الاعدام.. فضلا عما للمعارضة من أهمية بالغة فى كل آمر ذى بال، لان عملية الوصول بمشاكل الحياة الى حلول موفقة يحتاج الى قدر كبير من الاخذ و العطاء،و المسئولية فى ذلك أضخم من أن نتركها و قفا على فريق دون آخر،و المصلحة العامة فيها لا تتحق الا باشتراك اصحاب الاهلية الذهنية و الثقافية فى تبصير الرأى العام بمختلف وجهات النظر...و لكن الخير المرجو من هذه الفلسفة ينعدم حينما يلجأ صاحب الرأى الى الجبن،و يفضل أن يخفى وجهة عن الناس وراء برقع كثيف من الزيف أو الغموض..

    أما عن الاسفاف، فالدافع اليه انحراف أكيد،و الواقع أن هذا الانحراف يضيع على أصحابه غرضهم المقصود، فواضح أنهم يستهدفون بشتائمهم و تهديداتهم اخافتنا و تثبيط عزائمنا و منعنا من المضى فى طريقنا.. مع أن الحقيقة بالعكس، فنحن نزداد باسفافهم ايمانا بصواب دعوتنا،و نستمد من تهديداتهم العزيمة على الاستمرار فى المطالبة بضرورة تعديل قوانين الاحوال الشخصية.. بقوة مضاعفة... و عناد أشد.. و لن نسكت و لن نتراخى الى أن يتحقق الرجاء.. آن لم يكن اليوم فغدا.. او بعد غد.. أو سنة أو عشر سنين..و كل ما نطلبه من الله عز وجل أن يمنحنا فسحة من العمر، حتى نرى بأعيننا المجتمع الاسلامى ينعم بالخير الذى استنفدنا فى الجرى وراءه أجمل مراحل حياتنا..

المعارضة المهذبة
    و الى أن يشرق فجر الحق و تحين الساعة المرتقبة سنظل واسعى الصدور نفتح قلوبنا و أسماعنا لكل معارضة مهذبة حتى ولو كانت غير منطقية و غير معقولة، لاننا على يقين من أن الدعاية الرجعية المغرضة تعمدت أن تشوه حقائق الدعوة الى تعديل قوانين الاحوال الشخصية فى أذهان بعض مواطنينا،و لكى تنفرهم منها زعمت لهم أنها مجافية لاحكام الحياة،و ليس المقصود بها سوى تجريد الرجال من قوامتهم و سيادتهم و حقوقهم المتوازنة بقوة تعاليم الدين

    هذا ولا شك كذب مبين،و من واجبنا نحو قداسة قضيتنا أن نعمل ما وسعنا على تفنيده،و تبديد غيومه

المصدر: امينة السعيد - مجلة حواء

ساحة النقاش

byotna

يرجى تعديل العنوان ليكون معبرا عن موضوع المقال.

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,367,880

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز