محمد اليتيم
قصة قصيرة بقلم :هدي جاد
وفاة أم وترك وليد .. كان يعمل طبالاً ورث مهنته عن أبيه وجده الذى كان جوالا ..
تزوج من قريبته التى لم يكن لها دخل فى الفن .. رزقت له بابن كان فى حنايا الحضن.. ترعرع .. شب .. دخل الحضانة.. وأكمل فى مدرسة .. حتى كان يوما !
ولج الطبال باب شقتة المتواضعة كان معتادا على سهر زوجته المتفانية فى انتظاره.. لم يسمع لها صوتا.. كان هناك أنين دافئ.. تلفت حواليه .. عثر على إبنه محمد.. يلتحف بصدر أمه الذى همد تماماً !
(المرحلة التالية) كان الطبال مقطوعا من شجرة ..
شجرة جرداء حتى من أوراقها.. الجيران والمعارف والزملاء كانوا يملكون ما سطرته الأوراق.. نصحوه أن يتزوج لينشل إبنه من ضياع اليتم !
قال بعضهم العروس الجديدة لديها ولدان.
علق البعض الآخر - من زوج مات.
علق فريق ثالث - إذن فهى أم وذلك فى صالح اليتيم محمد!
(مفارقات) محمد دؤوب فى دراسته ، لكن الغريب فى الأمر أن - الشحات - ولدى الزوجة الجديدة (عزيزة) لم يتعلما وكان قول العروس - يعملان يا زوجى العزيز .. يجلبان لدينا دخلا يكفينا كلنا ، لم لا تضم محمدا إليهما فيزداد الدخل مادمنا نكون أسرة متكاملة ؟!
الكلام مغرى .. خاصة أن سعيد الطبال ، يادوب يفك الخط . ارتاح باطنه لقول عزيزة ومنع محمد من دراسته ، حتى يقضى امراً كان مفعولاً !
(خطة عزيزة تتغير) فى لحظة حساسة ، انفردت عزيزة بسعيد قائلة له - هل سعدت بارتباطى؟
تأملها .. جسدها الغض ، كأنها لم تحمل ولم تلد ، ووجهها المتنكر وعينيها اللامعتين .. لكن إجابته هذه المرة .. كانت قبلة حارة طويلة .. كان ذات تمهيداً لقولها بعد ذلك - أصبحنا أسرة كبيرة .. هل تمانع لو أن محمدا قام بخدمتنا جميعا .. نظير رعايتى له كأم بديلة ؟!
محمد كان يفتقد أمه ، ويبحث عن صور لها ، ربما من ارتشافه لملامحها .. يمتص رحيق حنانها .. لكنه لم يجد شيئاً ، كان يعلم تماما أن لها صورا عديدة.. كيف اختفت لكن ذهنه لم يسعفه كثيرا .. فقد أصبح يعمل بالكنس والمسح والغسل .. كان محمد ابنا معترفاً به أما الآن فقد أصبح عبدا ذليلا .. أما معاملة عزيزة له ، فكان لها وجهان كالعملة المعدنية !
كان محمد يحاول استمالة سيد والشحات ، الذى لاحظ ، وتأكد من تعاليهما عليه ، قائلين له فى ذلك - نحن ننفق عليك من مالنا عند الكواء والميكانيكى يجب أن تنظف لنا أحذيتنا ، وتتقن غسيل ملابسنا والا فسنشكوك لأبينا !
(عزيزة لها وجهان) كانت عزيزة تبدى عطفها وحنانها لمحمد أمام زوجها الطبال الذى يعود للبيت قرب الفجر وهو فى غاية الارهاق ، وكان محمد يهمس لنفسه وللجدران .. ليتك يا أبى تبقى دائما فى البيت ، لأشعر حقا بعطف من تدعى أنها أمى !
(الحادثة) يشاء سوء حظ محمد ، أن يقع إناء فيه سأل ساخن على أحد ملابس عزيزة .. التى تضبط الحادثة ، فيتفاقم غضبها وتحمر عينها ، ويعلو صدرها ويهبط بالغيظ والحنق ، وشاهدته مرتجفا كفأر فى مأزق ، وبدأ جسده ينكمش ، حتى خالته قزما ، وانزوى فى ركن ، لكن هيئته هذه أمدتها بالحقد ، ورغبة عارمة من الانتقام ، وأمسكت بعصى الغسالة .. وانهالت عليه ضربا ، بعد أن أمرته بخلع ملابسه ليتحول لحمه إلى الأحمر ثم الازرق ، وصراخه يعلو ويعلو إلى حد سعمه الجيران !
بدأ دخان غضبها يتطاير ، وأحست بالتعب ، بعد أن انهالت عليه ضربا لكنها لم تعلم بما ينوى عليه محمد اليتيم !
(نية محمد) - تناول هلاهيله وانسحب بخطى خفيفة وانسل بهدوء من باب الشقة إلى الخارج المجهول !
طال غياب محمد ، وتشاء الصدف .. أن يكون هذا النهار اجازة لـ الطبال .. سأل عنه بإلحاح ثم اضطر أن يحاصر عزيزة - إيه الحكاية بالضبط ؟! ولحسن حظنا أن ابنيها كانا فى الخارج .. فى اثناء الحادثة ، ولم يعلم أحد شيئا بما حدث . قالت وهى تحاول أن تتماسك بقدر الإمكان - لابد أن إبنك سرق ما أعطيته من أمــوال لشراء لوازم البيت !
بهت الرجل .. ألجمته المفاجأة .. ولم ينطق !
(تحول المسار) واحد من المعروفين المنحرفين فى الحارة ، التقط محمد كحدأة عثرت على كتاكيت بخيرها ! وتظاهر (عبد السريع) بالشفقة . أخذ محمد فى حضنه اكتشف أنه يمثل قطع لحوم طرية مدمرة !
طالت مدة غياب محمد عما قبل ، بدأ الطبال يحس بقيمة اليتيم المطيع ، وبدأ أيضاً يشك فى تصرفات زوجته وأبنائها!
(دور عبد السميع) بدأ عبد السميع يشفق على محمد ، فأطعمه وآواه فى جحر كأنه الكهف فى مكان مظلم لا يعرفه أحد إلا المنحرفون !
(تغيير شامل) أحس محمد بالرحمة والتوجس فى نفس الوقت ، حينما عثر على زملاء فى مثل عمره يتسولون ، وأدرك بفطرته ما ينتظره فى الأيام القادمة !
(حياة جديدة لمحمد) - كان عبد السميع الرجل الثانى للعصابة ، وكما لاقى المعلم الأساسى (عبد العال) .. قدم له محمدا - وقد ازداد ضعفا وهزالا - بملابسه المهلهلة تأمله عبد العال .. فرخ صغير مذعور ، فيه كل المواصفات المطلوبة . سأل عبد السميع بتعالى - هذه الهلاهيل من عندنا ؟!
ابتسم عبد السميع ، حتى كادت ابتسامته تصل إلى أذنيه - جاهز من عند الله ..
هز عبد العال رأسه عدة مرات - والله صيد هائل .. ولك عندى مكافأة !
(لعبة القدر) أثبت محمد جدارته فى التسول ، ساعده فى ذلك ملامحه البائسة وضعف قوته . ومرت الأيام وأصبح مقربا كصيد ثمين .. إلى المعلمين الكبار وأنتهزها فرصة وساعده ذكاؤه التعليمى المحدود .. فى أن يسأل نفسه عن مشهد يراه يوميا ؟!
(الشخصية الجديدة) رجل ثرى يملك سيارة فارهة ، يقف على ناصية الشارع .. الذين يراقبوه يجدوا أنه دائم على هذا الموقف الذى يحتاج إلى تغيير ؟!
شاهد محمداً عدة مرات ، وأخرج من السيارة صورة لولد صغير ، أخذ يتأمله مرة ويتأمل عدة مرات .. حتى حدث حادث جديد !
(اتصال روحى) محمد أيضاً .. بذكائه الفطرى وطهارته .. تأكد من أن هذا الرجل الغنى يتأمله بشكل غير عادى ، هتف هاتف فى نفسه .. لم لا تتقرب إليه ، ولكن قبل ذلك يجب أن أخطط ، لأنى عندما أغيب عن موعدى المعتاد ، سيشك المعلمين الكبار فى وهذا ما أخشاه !
(مكر الاطفال البرئ) أصبح محمد موضع ثقة المعلمين الكبار ، استأذن فى أن ينفرد بالمعلم الكبير .. وسمح له .. اقترب من أذنه قائلاً - هناك معلم كبير يريد أن يشترينى ؟! .. بهت عبد العال واقترب من محمد - صف لى الرجل وقل لى بالتفصيل ما حدث بينكما ؟!.. ذعر محمد .. لم يكن فى تدبيره أن يخترع الكلام أكثر من ذلك ، لكن هاتفا لقنه ما يلى - لا تخضى على يا حضرة المعلم سنصطاده بإذن الله!
(لقاء هام ) تأكد محمد تماما من ميعاد وجود الرجل الثرى . اقترب من السيارة باغته قائلا- أريد ان احادثك .. لكنى مراقب !!
ذهل الثرى ، لكن سرعان ما فتح له باب السيارة واخفاه فى اسفلها !
(حوار بين المعلمين) - قال عبد العال لعبد السميع - الولد محمد لديه سر .. وأن حائر هل أطلعك عليه ، كى نفكر معا فى مصلحتنا ومصلحة العصابة ، أم أتريث قليلا حتى يتجلى الأمر ؟!
(تقارب بين الأبرياء) حكى محمد عن قصته منذ مولده حتى تلقفته أيادى العصابة وعبد العزيز بك أيضاً ، الذى يملك مصانع عديدة وأرسل .. له حكايت أحل سردها إلى وقت مناسب !
(عودة إلى الطبال) .. كالسحر فى الأذنين ، استمرت عزيزة تواصل بث سمومها فى أذن زوجها .. ونجح ولديها فى جلب إيراد سخى يوميا ، مما أعمى بصيرة الطبال ،، الذى نسى تماما محمد .. ليس ذلك فقط فقد تفوقت عزيزة فى تشويه صورته لدى أبيه !
(سر عبد العزيز بك) فقد عبد العزيز بك زوجته وابنه ، الذى كان يشبه تماما (محمد اليتيم) .. ورحل وهو فى عمره ، ولما سمع بحكاية محمد .. قال كأنه يحادث نفسه ومحمد معا - لابد من تخطيط ، فأنت يا بنى فى مأزق يبحث عنك المعلمين ،. وربما أيضاً يبحث عنك أبيك!.
(النهاية المحتومة) تأبط عبد العزيز بك ذراع محمد ، وأحس بأن سلكا كهربائىاً جمع بين قلبيهما .. فالإثنان فى احتياج إلى رحمة وتآزر والتحام . فكر الثرى وخطط بما فيه الكفاية ، وعزم على أمر لا رجعة فيه !
فى مكتب العقيد (فلان) حكى عبد العزيز قصة محمد اليتيم بحذافيرها . وعلق العقيد.
- لابد من الرجوع إلى أبيه الشرعى .
جاء سعيد الطبال ، وشاهد محمد فى أحسن حال وأجمل هيئته ثم قال للعقيد .
- ليس هذا إبنى؟!
نطق كل من الثرى والعقيد - نعم ؟!
انبرى محمد قائلا ، وقد أمده درع الآخرين الصالحين بصلابة ، وقوة ايمان .
- وليس هذا أبى؟!
تبادل الآخرون النظر .. ما معنى هذا ؟!
تنصل الطبال من أبوة محمد ، وتحول قلبه إلى حجر فاق صلابة (طبلته) لكن كان هناك اتفاق آخر !
اتفق الثرى مع العقيد ، على أن يتكفل برعاية محمد حتى نهاية العمر قائلاً .
- جمعتنا ظروف أليمة ، لكنا بإذن الله سنبدأ حياة جديدة بعيدا عن الشر وتجار السوء!
ساحة النقاش