الفتنة نائمة لعن الله من يوقظها

كتبت :ماجدة محمود

عندما شرعت فى جمع الآراء حول قضية الفتنة الطائفية واجهتنى مشكلة كبيرة، وهى عدم الاعتراف بوجودها أصلا. ووجدت أن أسوأ ما نفعله الآن هو عدم الاعتراف بالمشاكل ومواجهتها، خاصة الجسام منها، وبالتالى نتحول إلى النعام، نرفض أن نتشبه بها فى أقوالنا، ونمارس فعلتها فى تصرفاتنا، مثال ذلك: الفتنة الطائفية التى تطل علينا من حين لآخر، وعندما نقترب من مناقشتها نواجه بمن يؤكد ويقسم أنه لا توجد فتنة، رغم اختبائها تحت السطح كالبركان الثائر يلقى بحممه من وقت لآخر، لكنه قد ينفجر فى أى لحظة، ولأننا نعلم الحقيقة ولا نريد الاعتراف بها يظل هذا البركان مصدر تهديد لنا، فى الوقت الذى إذا تحركنا فيه واتخذنا بعض الإجراءات الاحترازية لهدأ البركان وانطفأت جذوته. وهو ما نريد من خلال تحقيقنا هذا أن نؤصل له على الأرض، خاصة وأنه عندما تحرك نواب مجلس الشعب إلى النهضة بالعامرية (الإسكندرية) مصدر الاشتعال الأخير، استطاعوا محاصرة النيران التى كانت قد بدأت تمتد لتآكل بلدة بأكملها. ومن هنا نتناقش مع البرلمانيين، وبعض أطراف المصالحة التى وقعت مساء الخميس 16/2/2012م ليس بغرض التعرف على تفاصيل ما حدث، وإنما للتأكيد على أهمية أن نعمل جميعا من أجل تحقيق علاقة صحية بين طرفى الوطن «مسلميه ومسيحييه» ونطالب مجلس الشعب بضرورة التحرك لإيجاد آليات أو تفعيل بعض القوانين التى قد تحقق الوقاية من هذا المرض الساكن فى الأجساد، المتخفى داخل بعض الجرثومات وهو «الفتنة الطائفية» لعلنا نعود بالوطن إلى أيام الزمن الجميل، بقيمه الراسخة، وعاداته وتقاليده المجتمعية الأصيلة . لتظل الفتنة نائمة، وملعون كل من يوقظها

عندما نتحدث عن الأمراض وأخطارها، فدائما ما نردد مقولة شائعة وهى «إن الوقاية خير من العلاج» وهذا بالتحديد ما نناقشه مع محدثينا بشأن قضيتنا المثارة فى نقطتين فاصلتين، الأولى .. تصوراتهم لما يمكن أن تكون عليه شكل العلاقة بين طرفى الأمة فى هذه المرحلة الفاصلة، وفى ظل وجود أغلبية دينية، والثانية .. ماهى الآليات، والضوابط والقوانين التى يجب أن توضع أو تُفعّل لمنع حدوث الانفجار.

تثقيف المجتمع

> النائبة د. سوزى ناشد - أستاذ مساعد بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية - تقول: الغريب أنه عندما نتحدث عن العلاقة بين الطرفين يكون كل شىء على ما يرام، وفى نفس الوقت إذا حدثت مشكلة ولو صغيرة تنقلب الدنيا رأسا على عقب، ولهذا نجد أن ثقافة المجتمع بحاجة ماسة إلى تغيير. ولا نكتفى بأن نعيّد على بعضنا البعض فى المناسبات.

> معنى ذلك أن هناك فتنة طائفية ؟

- إلى حد كبير يوجد، والأحداث تستغل دائما حتى لو كانت صغيرة لإحداث، فتنة، وكأن هناك مؤامرة تتم لإشعال الفتنة، خاصة وأننا مجتمع متدين يرفض أى مساس بعقيدته أو دينه من كلا الطرفين، فهناك موروثات منذ أيام النظام السابق، الذى كانت الفتنة الطائفية إحدى أجنداته لإغراق الناس فى مشاكل جانبية تبعده عن الفساد الذى كان طاغيا.،ولهذا نحن بحاجة إلى مزيد من الوقت حتى نقضى على هذه الموروثات، وها هو مجلس الشعب، وفى أول واقعة تحرك سريعا والاستجابة الإيجابية كانت من المسلمين قبل المسيحيين.

> ولكن، نحن نريد آليات وضوابط تضبط الإيقاع حتى لا نتحرك كلما حدثت أزمة؟

- اتفق معك، أحددها فى الآتى . أولا : إعادة تثقيف المجتمع وغرس القيم الحقيقية حول مفهوم المواطنة وعدم التمييز ، ثانيا: نطالب بقانون بعدم التمييز قائم بذاته وليس مجرد مادة فى القانون، ثالثا: لابد أن يتواجد الأمن بصورة حقيقية وليست ظاهرية .

قانون عدم التمييز

> وبنفس المنطق تقريبا. ترى النائبة ماريان ملاك - مدير التعاون الدولى بالمركز الثقافى القبطى - أن الفتنة كانت ستشتعل لحرق الوطن، إلا أن الشعب المصرى دائما ما يكون أقوى وأكبر من أى خطر يستشعر قدومه. فقط نطالب كل فرد فى مصر، أن يفكر قبل أن يقدم على أى تصرف.

> وأسألها: ما الجديد فى العلاقة ونحن لسنوات نعيش معا فى سلام؟

- إنه الطرف الثالث، الذى نعرفه جميعا. صاحب المصلحة فى حرق الوطن.

> وهل هو سبب التراجع فى شكل العلاقة التى كانت قوية جدا ؟

- العلاقة لم تتراجع، فقط هناك أعداء للوطن متربصون به وبنا، يحاولون استغلال مواقف بعينها لكسر العلاقة وضربها فى مقتل، لكننى أرى أن العلاقة جيدة، فقط نحتاج للتماسك.

> هل صحيح أنك تعدين مشروع قانون لعدم التمييز ليكون حلا لهذه الأزمة، وأزمات أخرى ؟

- نعم، أتمنى أن يكون هناك قانون عدم التمييز والمواطنة، قانون قائم بذاته وليس مادة ضمن القانون، كى نجرم كل أفعال التمييز سواء العنصرى، الدينى، الطائفى، وأيضا التمييز ضد المرأة حتى لا تحرم من حقوقها المتساوية مع الرجل.

> ومتى يظهر للنور؟

- خلال شهر تقريبا، ليكون من بين الآليات التى تفعل للحد من المخاطر التى تواجه عنصرى الأمة.

الخطاب الديني أزمة

> من جانبه يحدثنا القمص بقطر ناشد راعى كنيسة مارى جرجس بالنهضة «العامرية» عن أسباب توتر العلاقة، خاصة وأنه كان من بين أطراف إدارة الأزمة الأخيرة - قائلا: هناك مفاهيم غير منضبطة ظهرت أخيراً، مثل الخطاب الدينى «مسيحى ومسلم» حيث أصبح لا يحض على الحب، والوفاق والوئام، ولهذا مطلوب خطاب دينى معتدل يدعو إلى قبول الآخر. أيضا التعليم فى المدارس بحاجة إلى آلية قرآنية تحض على المحبة، واحدة من القرآن، والأخرى من الإنجيل، فهناك قواسم مشتركة بين الدين الإسلامى والدين المسيحى يجب أن تظهر للنور وهذا يتحقق من خلال تطوير المناهج التعليمية. أما مجلس الشعب فعلى الرغم من أنه جهة تشريعية، إلا أنه يحسب له التحرك السريع، والنزول لموقع الحدث وتفادى وقوع كارثة لا يعلم مداها إلا الله. وبهذا أرى أن المجلس بدأ يتخذ خطوات فعلية فى تحمل المسئولية تجاه الوطن.

إعلام الفتنة

«تفعيل القوانين» وسيادنه هو ما يجب أن يكون» هذه رؤية اللواء د. عادل عفيفى نائب بالشعب ورئيس حزب الأصالة. ويزيد: لا أحد فوق القانون، وأى إنسان مهما كان شأنه، منصبه أو مركزه الدينى، لابد وأن يحاسب على أى فعل خاطىء. ولهذا نحن بحاجة ماسة لتفعيل القوانين الموجودة. بحيث يحاسب ويجرم من يطلق تصريحاً يثير الفتن ويحدث وقيعة بين طرفى الأمة، وفى أوروبا رغم الحريات الكبيرة إلا أن هناك قوانين تحكم مثل هذه الأمور.

وإذا تحدثنا عن الفتن والمسئولين عنها، فأقباط المهجر تقع عليهم المسئولية فى تضخيم الأمور، وهناك أجهزة كثيرة تعمل ضد مصر من أجل اضعافها وتقسيمها، وهناك من اعترف بإنفاق مئات الملايين من الدولارات لزرعها فى مصر، وهناك أيضا النظام السابق الذى كان يشعل الفتنة لحرق الإسلاميين واستخدامهم كفزاعة. ولإلهاء الناس عن جرائمه .. وأعود وأكرر فلتفعّل القوانين وليس هناك من هو فوق القانون.

> الإعلام متهم، تارة بالإثارة، وتارة أخرى بالتعصب لطرف بعينه، ومن هنا يرى الكاتب الكبير صلاح عيسى أن الفتنة أعمق من أن يوقظها الإعلام، فالفتنة موجودة منذ السبعينيات وحتى الآن، ونتجه نحو أن نصبح مجتمعا طائفيا، فالاحتكاكات الطائفية، تحدث بواقع قد يكون صغيرا أو كبيرا، كل 15 يوما. صحيح هناك إعلام يتناول الفتنة كموضوع للإثارة ويساهم فيه، ليس فقط بإذاعة الخبر، ولكن هناك أيضا إعلاماً يعبر عن تيارات دينية متعصبة فى الاتجاهين، وهذا يلعب دوراً حقيقيا فى تأجيج الفتنة، أما إعلام الدولة أو الخاص، فأخطاؤه تدخل فى إطار الإثارة فقط، تصل إلى بعض الأعراض الجانبية التى قد تزيد الشحن الطائفى .

> إذن لدينا مشاكل حقيقية؟

أمامنا بالتحديد ثلاث مشاكل تمثل مصادر أساسية للاحتكاكات الطائفية :

1 - دور العبادة بشقيها «المسجد والكنيسة».

2 - تغيير الديانة .

3 - الزواج المختلط. أو العلاقات العاطفية المختلطة بين اتباع ديانتين مختلفين.

هذه الملفات الثلاثة بحاجة إلى معالجة تشريعية، لأنها المصدر الرئيسى للتوترات الطائفية خلال الـ 40 سنة الماضية، فيما عدا ذلك تأتى الأفكار العامة كترسيخ المواطنة، ثم تطوير مناهج التعليم والتى تحتاج لخطة استراتيجية طويلة المدى.

> ومجلس الشعب، أليس له دور؟

- موضوعان صدر بشأنهما قوانين، أولهما دور العبادة الموحد، فقانونه معطل حتى الآن وآن الأوان لخروجه إلى النور، ثانيهما تغيير الديانة فهو أمر مقنن فى جميع الدساتير «حرية العقيدة المطلقة» وبالتالى تغيير الديانة لا يجب أن يصادره أحد، أما الزواج المختلط فبحاجة إلى مراجعة. وقد قدم له «إحسان عبدالقدوس» حلاً عام 1950م عندما أثيرت قضية زواج الأميرة فتحية - شقيقة فاروق ملك مصر وقتها - من رياض غالى واقترح إحسان أن تكون هناك مسافة زمنية تصل إلى سنة فى إبداء الرغبة فى تغيير الديانة والاستجابة له. حتى يراجع الشخص نفسه، ويتأكد من صدق مشاعره، وجديته فى تغيير ديانته، وحتى لا يستخدم الدين فى مآرب دنيوية، هذه بعض الحلول، ولو طرحنا الموضوع للمناقشة قد نجد حلولا أخرى كثيرة.

أزمة وطن

> وبنظرة متفائلة يرى نائب حزب النور عبدالحكيم مسعود - بنى سويف - أن الأمور صارت هادئة، وأن العلاقة قوية ماعدا ذبذبات بسيطة ناتجة عن الأثر القديم للنظام السابق، الذى كان يؤجج الفتنة الطائفية لتكون ذريعة لضرب الإسلاميين، يرى أيضا. أن هناك يداً خارجية تعبث بأمن الوطن. وتضرب المؤسسات، والبنية الأساسية للبلد بغرض إضعافه وتفتيته.

> وهل مازال هناك خوف من التيار الإسلامى ؟

- بالعكس لم يعد هناك خوف، فالشريعة الإسلامية تحض على التسامح والبر مع المسيحيين، هم يعلمون هذه الحقيقة لا خوف لديهم، وقد حصلت شخصيا على عدد كبير من الأصوات المسيحية فى الانتخابات.

> وماذا سيفعل مجلس الشعب للقضاء على أى فتنة قد تحدث ؟

- أؤكد أن الوضع هادئ. ولا توجد فتنة، الأهم الآن أمن الوطن. والعمل على تقوية مؤسسات الدولة وإعادتها لطبيعتها وتحقيق الأمن فى الشارع .

نفس الرؤية والمنطق يحدثنا به النائب عن حزب الحرية والعدالة محمد قطامش - البحر الأحمر - ويضيف: القضية الآن أصبحت مختلفة وتتمثل فى عدو واحد، يريد للمصريين التفرقة والتخبط وعدم الأمان، هذا العدو «اللهو الخفى» فلول النظام السابق، إذن لا توجد فتنة ولكن هناك من يروج لهذا من أجل خلق أزمة ونحن أمام مشكلة أخطر وأكبر، يحاولون التشويش عليها بمسألة الفتنة هذه، إنما أزمة الوطن، أمن المواطن لا يهم، «يا ناس» المصريون جميعا فى خطر أمنى كبير، هناك ( مليون ونصف المليون) مجند أمن مركزى، أين هم الآن ؟ لماذا لا نراهم، أين الضباط؟ شباب الحرية والعدالة هم من حموا الكنائس ليلة رأس السنة، والأمن فى إجازة، أعود وأؤكد لا توجد فتنة بل مؤامرة. ونحن لن نسكت؛ فقضيتنا أمن المواطن، وأزمات الخبز والأنبوبة والعمل والإنتاج، كل هذه القضايا يحاولون إبعادنا عنها، لكننا لن نستسلم لمخططاتهم.

> وكما بدأنا ننتهى .. أتفق مع بعض المحدثين فى وجود أزمات لا تقل أهمية عن الفتنة .. ولكن قد لا يضرنا أن ننام دون طعام، وقد ننتظر طويلا فى طابور الأنابيب ما دام هناك أمل فى الحصول على الأنبوبة فى النهاية، لكننا لايجب أن نسكت ونغلق أعيننا أمام المحاولات الكثيرة والمتكررة لضرب عنصرى الأمة فى مقتل، مستحلين دماء المصريين التى أصبح لا ثمن لها. لن نصمت ثانية، ولن نسمح للمؤامرات أن تفتك بنا، ولكن حذار، فإن الفتنة نائمة فحاربوا من يريد أن يوقظها

 

المصدر: مجلة حواء -ماجدة محمود
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 812 مشاهدة
نشرت فى 23 فبراير 2012 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,468,412

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز