لمسة حنان لأحباء الرحمن ..المعاقون..مجتمع لايرحم

 

كتبت :فاتن الهواري

إنسان لا حول له ولا قوة كل ذنبه في الحياة أنه ولد معاقاً لأسباب ليس طرفا فيها بل أسباب قدرية لانواجهها إلا بالصبر والرضا. المعاق مشكلة في البيت لا نستطيع أن ننكرها ويمكن أن نتعامل معها وللأسف يبقي الطفل المعاق ضيف شرف في حياتنا وفي مدارسنا ولا يوجد له أي وجود علي خريطة اهتماماتنا أو اهتمام حكومتنا ومؤسساتها رغم أن تهميشهم يؤدي إلي إعاقة للتنمية الشاملة للمجتمع.

فياتري ما مشكلاته وأحلامه والصعوبات التي تقابله هو وأسرته وكيف نساعد علي دمجه في المجتمع 

كان اللقاء الأول مع د. منى عمران- الأستاذة بمعهد الدراسات العليا للطفولة وحاصلة على الدكتوراة من ألمانيا فى إعلام الطفل- وكان موضوع الدكتوراة الأولى لها الإبداع عند الأطفال وكيفية تنميته عن طريق الإعلانات التليفزيونية، وعملت كمديرة مؤسستين للإعاقة الذهنية هنا فى مصر وفى ألمانيا.

تقول لاتوجد إحصائيات صادقة عن الأطفال المعاقين بصفة عامة والمعاقين ذهنيا بصفة خاصة نتيجة للموروث الثقافى السائد فى مصر، وهو أن الإعاقات الذهنية وراثية، وهذا غير صحيح أو نتيجة وجود خلل فى الكروموزوم، فهناك أسباب بيئية أو عوامل قبل الولادة أو بعدها أو أثنائها و يخفي بعض الناس أطفالهم المعاقين ذهنيا لأسباب اجتماعية كالزواج وغيره. وأتذكر ذات مرة كنا نجرى تحقيقا صحفياً حول الطفل المعاق فى قرية بطنطا وفوجئنا أن القرية ينتشر فيها زواج الأقارب ونتيجة لهذا معظم سكانها مصابون بإعاقة ذهنية، وللأسف لا أحد ينظر لمشكلة هذه القرية وذلك فى إطار عام هو عدم الاهتمام بالمعاقين .

ليست مرضا

وتضيف: الإعاقة ليست مرضا لأن المرض قابل للشفاء، لكنها ضرر يحدث فى المخ لسبب أو لآخر .

وهناك أسباب قبل الولادة وهى اجتهادية أيضا كشرب الكحوليات وتناول بعض الأدوية والتلوث البيئى أو أسباب أخرى كثيرة قبل أو أثناء الحمل أو بعد الولادة .

وتحدث الإعاقة الذهنية قبل سن 18 عاما ومن الخطأ أن نطلق على مصاب بالجلطة فى المخ تخطي هذه السن انه معاق ذهنياً.

ومن الأخطاء الشائعة هو التعامل مع المراكز التى تدعى قدرتها على شفاء المعاق ذهنيا وكل ما تفعله هو رفع مهاراته وتحسينها .

ويمكننا تقسيم المعاقين ذهنيا إلى ثلاث فئات، الأولى قابلة للتعليم والثانية قابلة للتدريب والأخيرة وهى المصابة بتخلف عقلى شديد جدا وهناك أيضا عميق الإعاقة، وهذا الطفل يصعب رفع مهاراته وإن استطاع قضاء حاجته بمفرده يكون إنجازا.

أما الإعاقة إجمالا نقسمها إلى إعاقة جسدية أو نفسية فعلية أو ذهنية وأخرى اجتماعية أو نفسية انفصالية، وهم المصابون ببعض الأمراض النفسية التى تؤثر عليهم سلبا وهناك الإعاقة الاجتماعية مثل الطفل «الجانح» وهناك عوامل جينية تدفعه لأن يكون «جانح سيكوباتى» .

وتتجسد الإعاقة المركبة فى ثلاث فئات، حركية على ذهنية أو اجتماعية مع ذهنية، أو صم وبكم مع اجتماعية، وهناك نوع من الإعاقات يسمى إعاقات النمو الشامل التي قد يصاحبها تخلف عقلى أو لا يصاحبها ولكنها تؤدى إلى اضطراب فى النمو الشامل للطفل اجتماعيا وذهنيا وجسديا وهذا هو مرض «التوحد» .

وأخيرا هناك الشلل الدماغى الذى قد تصاحبه إعاقة ذهنية .

وعن الاهتمام بالطفل المعاق فى مصر تقول د. منى عمران: لا يوجد اهتمام بالطفل المعاق فى مصر .. ولا يتحرك أحد إلا إذا صاحب الإعاقة صرع .. ويفقد الأهل أحيانا الأمل فيوجهون نفاقاتهم واهتمامهم لشقيق الطفل المعاق باعتباره أولى بالإنفاق.

أما الدولة فالمدارس الفكرية لا تقبل المعاق إلا بنسبة ذكاء من 50 إلى 75% وترفض ما دون ذلك وعندما تكون الإعاقة مركبة بمعنى تخلف عقلى وحركى لا يقبلونه نهائيا، أما المكفوفون فيتواصلون عن طريقة (برايل) ويتواصل الصم والبكم عن طريق لغة الإشارة وتكمن المشكلة الكبيرة فى الذهنى والجانح وهذه تحتاج إلى متخصصين على قدر عال من التدريب، وتخرج كلية التربية مثل هذه العناصر المدربة لكن إن تعامل معها الخريج كمهنة يتكسب منها فلن ينجح، فهذه المهمة إنسانية إلى أبعد حد ويدرك الأولاد المعاقون ذلك ويكونون أكثر استجابة لمن يشعرون بمحبته من هؤلاء المدربين والعكس صحيح وهنا تبرز قضية مهمة، وهى كيف نربى المدرس إنسانيا وفى نفس الوقت أكاديميا، فليس أى إنسان قادر على إتقانها، وعلى الدولة أن تعطى جهودا أكبر لهذه الفئة فى المجتمع فتُعطلها يؤدى إلى إعاقة التنمية الشاملة للمجتمع، وأرى أن الجهود مقصورة على الندوات والمؤتمرات والانشغال بالتسمية هل هو معاق أو متحدى الإعاقة ومثل هذه الأمور الهامشية التى لا تقدم لهذه الفئة دعما حقيقيا.

ومن هنا أرفض تسميتهم بذوى الاحتياجات الخاصة، فمريض القلب ذو احتياجات خاصة والموهوب ذو احتياجات خاصة والطفل الفلسطينى ذو احتياجات خاصة، ومريض السكر كذلك .

هل هناك تفكير فى إنشاء مجلس قومى للمعاقين؟

- هذا شىء جيد لنهتم بهم وبشئونهم وأتمنى أن يحدث ذلك ولكن على أساس علمى وليس من أجل الفرقعة الإعلامية .

أهل المعاق

 وماذا عن أهل الطفل المعاق وتوعيتهم ؟

- تقول د. منى عمران: أهل الطفل المعاق ينقسمون إلى أصناف منهم الواعى لدرجة امتناعهم عن إنجاب- حتى معرفة الأسباب التى كانت عاملا من عوامل إنجابهم- طفلا معاقا.

ومنهم للأسف من يتمنون موت طفلهم بل ويعرضونه لمشكلات قد تودى بحياته فعلا وأحيانا يكون الأب راضيا والأم ساخطة والعكس صحيح.

وأنا شخصيا أعرف «أماً» أستاذة فى الجامعة كان ابنها مصابا بصغر فى حجم الجمجمة يؤدى إلى التخلف العقلى وكانت ترفض وجوده وبقاءه فى المنزل وتُحّمل أباه الأستاذ فى الجامعة أيضا رعايته ومسئوليته .

وهنا نشير إلى نقطة مهمة وهى أنه لا المستوى التعليمى أو الاجتماعى له دور فى ثقافة رعاية المعاق بل هي مهمة إنسانية، فالمعاق يجد صعوبات فى أسرته وبين أشقائه الذين هم أيضا يجهلون طبيعة ظروفه.

وتؤكد د. منى أن الطفل المصرى بصفة عامة لا يأخذ حقه بشكل كامل فالوالدان منشغلان بجمع المال للأولاد وتعليمهم وكذلك الدولة والمجتمع، وأنا أشرف على رسائل لا حصر لها عن الطفل المعاق للأسف توضع على الرف.

 ومن المسئول عن الطفل المعاق؟

- هى منظومة متكاملة من بدايتها وحتى نهايتها الطفل المعاق غائب عنها وتلك المنظومة الحكومية والسياسية والاجتماعية تحتاج إلى تثقيف ولابد أن يعمل كل الأطراف على ذلك .

وتضيف د. منى عمران -بصوت ملىء بالحنان-: لم أعش فى خير وبركة إلا فى الفترة التى تعاملت فيها مع هؤلاء الأطفال .

فالمعاقون بينهم وبين «الله» خط مفتوح و«عمار» كما يقولون، وهم فئة لو اقتربنا منها بحق نعشقها ولابد للذى يتعامل معهم أن يكون رحيما وحنونا ومحبا للخير وراغبا فى مساعدتهم، وأذكر أننى بقيت فى متابعة طفل فترة ثلاث سنوات متواصلة كان مصابا بشلل دماغي! وتخلف عقلى ومشكلة فى الكلام ويكرر لى حكاية واحدة كل يوم، وظللت أسمع منه بنفس الاهتمام لمدة ثلاث سنوات.

معاناة الأهل

وفى مركز الدراسات العليا للطفولة وتحديدا وحدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة كان اللقاء مع الأم هدية صالح إبراهيم -أم «مصطفى» - تقول : مصطفى عنده إعاقة ذهنية منذ طفولته «طفل منغولى» وكان تعبان جدا لا يستطيع السير، وأتيت إلى هنا لعلاجه وتلقى جلسات تخاطب ومهارات وأعالجه منذ عشر سنوات هى عمره، والآن «مش بطال» وأسافر من شبين القناطر ثلاث مرات أسبوعيا من أجله. وهناك وجدت أما شابة برفقتها طفلان أكبرهما «توحدى» تقول : يعمل لى مشكلات كثيرة ولايطيع الأوامر ومنذ ولادته وهو على هذا الحال والسبب في اعاقته التفاف الحبل السرى حول رقبته.

أما والد مروان الطفل الجميل يقول : مروان عنده تآخر لغوى وهذا منذ الولادة وعنده صعوبات فى التعلم وأحضر هنا ليأخذ جلسات فى التخاطب وظللنا لمدة أربع سنوات نعانى من كثرة التردد علي الأطباء لتشخيص حالته وعلاجه والموضوع أخذ وقتا كبيرا والحمد لله هو الآن فى تحسن .

وتقول «أم أحمد» بحزن وأسى : أحمد عنده سمات توحد ويعمل حركات كثيرة ويكرر الكلام ويرد السؤال بسؤال وحضر للمعهد منذ أربع سنوات وعنده الآن تسع سنوات وفى الصف الثانى الابتدائى، ولكنه فى المدرسة يتعثر فى دراسته فهو فى الفصل «ضيف شرف».

والسبب فى حالته ربما يكون نقص أُكسجين عند الولادة ويحتاج أحمد إلى جلسات تخاطب ومهارات وظيفية وتعديل سلوك، وأحضر مرتين فى الأسبوع.

وتتمنى أم أحمد أن تهتم الدولة بالطفل التوحدى وتعمل لهم مدارس وتعلمهم بجد فهى كما تقول تعمل مدرسة ولو جاء الفصل لى حالة مثل حالة ابنى لن أهتم بها لكثرة انشغالى ولصعوبة حالته.

الجدية في التعامل

وكان اللقاء الأخير مع مصطفى حمدى - أخصائى تخاطب فى معهد الدراسات العليا للطفولة وحدة ذوى الاحتياجات الخاصة - يقول: التخاطب له أفرع عديدة، فرع خاص باللغة وفرع بالنطق وكل حسب احتياجه هناك الإصابة الدماغية والتوحدى والانطوائى أو المصاب بتأخر ذهنى، أو حرمان حسى أو تأخر لغة نوعى، وهؤلاء تكون قدرتهم العقلية جيدة ويتحسنون سريعا.

ولابد أن تتوافر في من يدُرّس لهم، الإنسانية البحتة والإحساس بهم والمرونة وكل طفل له مدخل خاص به، هناك من يحتاج إلى الشدة وآخر لايجدى معه العند وهناك المحتاج للحزم.

ويشير مصطفى إلى أهمية وجود الجدية من الأهل ومن الأخصائى الذى يدرب الأطفال إضافة إلى الاستمرارية وتكثيف التدريب لهم لتحقيق نتائج جيدة.

وتنتشر الإعاقة بين الذكور أكثر من الإناث بنسبة 4 : 1 ويضحك ويقول : ولكن تعليم البنت بـ «4» فالذكور أكثر استجابة، ويجب على الأهل أن يعطوا فرصة لأولادهم المعاقين فى الحياة فهناك أطفال لديهم قدرات عالية وإمكانيات متميزة يجب أن نحسن توظيفها ولو عملوا فى مهمة بسيطة سيكونون أفضل إنتاجاً لأنهم مخلصون .

ومن هنا لابد أن تتغير نظرتنا للمعاق ونهتم به جميعا وندمجه فى المجتمع ونعطي المعاقين حقهم فى الحياة .

 

 

المصدر: مجلة حواء- فاتن الهواري

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,697,989

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز