بين قاسم أمين ورجال هذا الزمان .. هل تعود المرأة للخلف؟

كتبت :ايمان حمزة

            

 كنا سعداء بتحقيق أحلام حواء .. أحلامنا التى كنا نتطلع ونسعى جاهدين وجادين للوصول إليها .. وكفاح أكثر من قرن من الزمان واصلت المرأة المصرية فيها تقدمها لتثبت جدارتها وكفاءتها كإنسان ومواطن مصرى لخدمة مجتمعنا والمشاركة فى بنائه وتقدمه من خلال عملها كفلاحة أو عاملة فى مصنع أو مدرسة للنشء أو أستاذة جامعية أو عميدة أو رئيسة جامعة وعالمة تسهم فى إعداد شباب الحاضر والمستقبل مدركة دور الجامعة فى بناء الإنسان بالمعرفة والمهارات والتكنولوجيا وأيضا للتواصل مع المجتمع الداخلى والخارجى والتعرف على ما يريده ويحتاجه سوق العمل فى مصر والخارج لهؤلاء الشباب .. حتى تكون الإفادة متبادلة وصلت فيها أيضا المرأة إلى وزيرة للبحث العلمى ومحاولاتها المساهمة فى تنمية المجتمع وحل مشاكله وخلق فرص عمل من خلال مزيد من المشاريع والاكتشافات العلمية التى تهدف لاستغلال كل الموارد والإمكانيات المتاحة وتنمية المهارات الإبداعية والتفكير الخلاق .. فنحن فى زمن التقدم العلمى .. حاولت فيه المرأة العالمة أن تلفت النظر إلى أهمية البحث العلمى لمصر مع علمائنا وأهمية التركيز عليه وتوفير المزيد من الدعم المادى لهذا المجال بالغ الأهمية لمصر وخاصة أن لدينا من العلماء والعالمات المصريات من وصلوا إلى القمة على مستوى دولى وعلى مستوى العالم فلماذا لا تستغل كل هذه الكوادر وغيرها لحل قضايا المعوقات والتحديات التى تواجهنا لاستغلال كنوز مصر من مواردها وبيئتها وطاقاتها البشرية مع تحويل هذه الأبحاث إلى واقع ملموس وليست مجرد حبيسة الأدراج فى مراكز البحوث والجامعات .. وهناك من يتنافس على شرائها من دول العالم ولكن علماءنا وعالماتنا يصرون على أن تكون أولاً لصالح خدمة وثروات بلادهم .. كنا سعداء بتقدم المرأة وتغير فكر المجتمع لتصل إلى العديد من المناصب المشاركة للرجل كعمدة ورئيسة مدينة ومأذونة حاصلة على أعلى الدرجات العلمية فى القانون والشريعة وبأن وصلت بجهودها إلى مجال القضاء بعد أن كانت أولى المطالبات به عام 1949 لتصل متأخرة للأسف الشديد عن العربيات ولكن لتصبح نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا ونائبة رئيس النيابة الإدارية وتصل إلى قاضية فى المحاكم الجنائية والاقتصادية وليس فقط محاكم الأسرة .. ومع مشاركتها السياسية كأول من فتح باب البرلمان للمرأة العربية عام 1957 ودخولها بنجاح ساحق بالانتخاب الحر .. وتزايد النسبة فى المشاركة إلى أن وصلت إلى 5،11% فى وقت وصلت فيه بعض البلاد العربية إلى أكثر من 20% ولكن وللأسف الشديد تأتى الرياح بمالا تشتهى السفن فبعد أن وصلت المرأة المصرية إلى قمة مشاركتها فى ثورة 25 يناير 2011 وبشكل أساسى من خلال دعوتها لإشعال حماس الشباب من خلال أحدث وسائل تكنولوجيا الاتصال، «الإنترنت» و«الفيس بوك» .. و«تويتر» ونزولها الميدان مع كل شباب مصر من أجل التغيير والثورة على الظلم ونهب الثروات لتكون ثورة لكل شعب مصر بجميع أطيافه من أجل الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية والكرامة لكل مصرى .. كانت المصرية سباقة وشريكاً أساسياً فى كل شىء تضحى بروحها ودماءها من أجل الحرية الغالية وتشارك فى علاج الجرحى وفى نظافة الميدان وكل ميادين مصر ليقول عنها وعن شباب مصر وشعبها أنهم علموا العالم وأن ثورة 25 يناير أعظم ثورات العصر الحديث حين ظهرت قيم وشهامة وأخلاق الشعب المصرى من جديد .. وللأسف مع تدهور الحال وجدنا أن المرأة المصرية كانت أول من همش وتراجع للخلف وكأنه شيئ منسي لم يكن له وجود أساساً على الساحة فى هذه الثورة وليست لها تاريخ طويل فى خدمة وبناء مجتمعها وأسرتها .. فيأتى رجال هذا الزمان ليتناسوها ولا يتذكرونها إلا لتكون 1% من الصورة فقط من أجل تجميلها وكأنها ذرة فى العيون لمن يقول أين المرأة المصرية بعد كل ذلك ؟! وبعد أن أشاد بكيانها العالم .. فلا وجود يذكر فى البرلمان بمجلسيه الشعب والشورى وكأن مصر خلت من كل كوادرها وكفاءاتها النسائية وخبراتهن الكبيرة وكذلك فى اللجنة التأسيسية للدستور وإن كنا رأينا المجتمع ككل غاضب على تجاهلها وإعطائها مقاعد قليلة به .

 تحرير المرأة

 للأسف يحدث ذلك وكأنه عودة للوراء فى حق المرأة المصرية لنعود ونترحم على زمن وقف فيه الرجل المصرى متحدياً عادات وتقاليد وفكر المجتمع .. كأحد محررى المرأة ورائد من رواد هذا الفكر المستنير الذى تأتى ذكراه فوق المائة هذه الأيام إنه قاسم أمين الذى نادى وحارب من أجل تحرير المرأة كسبيل لتحرير الوطن من سيطرة الاستعمار واستبداده .. نادى بأفكاره الجديدة والجريئة عام 1899 بكتابه «تحرير المرأة» فصدر كزلزال ضرب واقع المجتمع المصرى والشرقى العربى بوجه عام .. اضطربت له الهيئات الدينية وأضرب كثير من المعلمين وأعلن المثقفون هجوماً عاصفاً عليه . فأمر الخديو عباس بمنعه من دخول قصر عابدين رغم سابق عهده ومكانته.. وبما تمتع به من رفعه ومكانه قضائية بين زملائه حيث يشهد له الجميع بالاحترام والنزاهة فى الحكم بساحات القضاء . ولكن كل هذا لم يشفع له عندما تعرض لأخطر موضوع فى حياة المجتمع المصرى الشرقى واقترابه من قفص الحريم، فعندما سافر قاسم أمين إلى فرنسا لدراسة ماجستير القانون الجنائى بجامعة «مونبلييه» بباريس .. هنا تعرف على عالم آخر للنساء تخرج فيه إلى الجامعة والعمل وتشارك فى الحياة سواء بسواء مع الرجل فى تحضر ورقى، بهرته الحياة فى مجتمع يعيش على العلم والتمدن .. وهناك التقى أيضا بأعلام الفكر ورواد التنور من مصر أمثال جمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده .. فعقد العزم على أن يعود إلى مصر ويحاول أن يغير صورة المرأة ويدافع عن حقوقها .. لتحمل عقلاً واعياً ومتعلماً مع احتفاظها بكيانها كامرأة .. ونادى بأن الدين الإسلامى أعطى للمرأة الكثير من الحقوق التى لم تصل إليها نساء الغرب بقوانينه الوضعية .. ولذا أعلن الثورة على الرجعية وأخذ على عاتقه المناداة بتحرير الوطن بالإصلاح الدينى وتحرره من كل ما أدخل عليه من تشدد وتقاليد بالية الدين منها براء . ونادى بأسلوب إنسانى بليغ مقنع ليصل إلى القلب والعقل معاً بأن قضية المرأة هى قضية تحرير الوطن وتحرير فكر مواطنيه بالفكر المستنير لمواجهة الجهل والتخلف اللذين يفرضهما المستعمر لينهب ثروات بلادنا ودعا ليقظة المصريين والعرب لمواجهة مايحيط بهم من أخطار .. وأفنى حياته من أجل حرية بلاده وحرية المرأة ليرحل عنا فى 23 أبريل 1908

المصدر: مجلة حواء -ايمان حمزة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 545 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,889,178

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز