كتبت :نجلاء أبوزيد
وسط انشغالنا بالعمل والمذاكرة والجلوس علي الكمبيوتر ومتابعة الفيسبوك والتويتر، ربما تمر شهور دون تناول وجبة جماعية
أسرية أو عائلية، حتي يأتي رمضان ليمنحنا هذه الفرصة الرائعة للتلاقي علي مائدة الإفطار.
ليكون هذا الأمر فرصة للتحاور والتواصل العائلي.. وحول كيفية استغلال اللمة علي الإفطار في لم شمل الأسرة كان هذا التحقيق
محمد رمضان - موظف - يقول: أعمل فى إحدى شركات القطاع الخاص وعادة أعود لبيتى بعد السابعة مساء فيكون الأولاد تناولوا الطعام مع أمهم وتركوا لى ما
يخصنى على المائدة أتناوله بمفردى وأنام، وعندما أصحو ليلاً يكون كلا منهم يمارس عملا ما حتى زوجتى تكون مشغولة إما بالحديث فى التليفون، ومتابعة
المسلسلات، فأنزل على المقهى لأجلس مع أصدقائى بعض الوقت وهكذا أشعر أننى غريب، حتى يأتى رمضان وهذا هو الشهر الأساسى فى السنة الذى أشعر فيه
أننى رب الأسرة فمواعيد العمل تتغير وأحضر إلى البيت قبل الافطار ويطلب منى كل ولد ما يريده وأعود وأنا محمل بطلباتهم، ونجلس جميعاً فى انتظار المدفع
ونتحدث عن اليوم والحر والجوع وكل شيء ونجتمع مرة أخرى على مائدة السحور، وأشعر بسعادة فائقة لأننى أقابل أولادى مرتين فى اليوم.
تتفق معه السيدة عائشة طلعت - ربة بيت - قائلة مائدة رمضان هى اللمة التى ننتظرها، فأولادى كبروا جميعاً وطوال السنة يأكل كل واحد منهم بمفرده حسب
موعد عودته من العمل أو النادى، وأنا أظل طوال اليوم فى المطبخ لكن فى رمضان يجلسون سوياً ويتوافقون على ما يريدون أكله وأشعر بالعزوة وسط أولادى الشباب،
وعندما يكون أحدهم معزوماً على الافطار فى الخارج نشعر بافتقاده فى حين أن هذا الافتقاد لا يحدث طوال العام. حتى يوم الجمعة نادراً ما يجلسون ليأكلوا سوياً،
فرمضان شهر كله خير فعلاً.
يختلف عما سبق الأستاذ أحمد عمر - صاحب محل - قائلاً مائدة رمضان كلها خير لكنها ليست فرصة حوار لكن شجار فعندما يكون لديك أربعة من الأولاد فى
سن المراهقة ويجلسون لتناول الطعام سوياً وهم صائمون فالوضع لا يكون جيداً، أولادى عادة يختلفون فى كل شيء من نوعية الأكل إلى مكان الجلوس على السفرة
وإلى من يناول شقيقه طبقاً بعيداً عنه وينتهى الأمر بتعنيفى لهم وتهديدهم بأنهم لو استمروا على هذا الحال فسأتناول الافطار بمفردي، فاللأسف الأجيال الجديدة
لا تقدر قيمة اللمة وكل واحد عاوز يأكل ويجرى ليتابع التليفزيون أو يعود للكمبيوتر أو ينزل الشارع.
شيرين فاروق - بكالوريوس تجارة - لها إحساس مختلف باللمة على مائدة الافطار حيث تقول: منذ تخرجى وأنا أجلس بالبيت أنام للعصر ولا أفعل شيء سوى
التشاجر مع شقيقتى، لكن فى رمضان نقسم الأيام بيننا بحيث تتولى كل واحدة لتقدم المساعدة لأمى وأعتبر يومى فرصة لاظهار مواهبى فى صنع الحلوى وأستمتع
بشدة عندما يجلس الجميع ويسعدون بما صنعته وعادة نتحدث فى أمور كثيرة ونحن نأكل، ونفعل نفس الشيء فى السحور وأفرح جداً بشكل السفرة وكلنا جالسين
عليها خاصة وأن والدى لا تسمح طبيعة عمله بتناول الغداء معناً إلا نادراً لكن فى رمضان الإفطار العائلى مقدس.
اللمة روح رمضان هكذا بدأت الحاجة شيماء على - ربة بيت - حديثها وقالت: تزوج اثنين من أبنائى وبالرغم من أنهما يعيشان معى فى العمارة إلا أنهما لا يتناولا
الطعام معى أو مع أشقائهم إلا فيما ندر، فالدنيا تشغل الجميع عن حكاية اللمة لكن فى رمضان نفطر أيام كثيرة سوياً، وأشعر وقتها أننى فى قمة السعادة فأولادى
وزوجاتهم وكل عائلتى معى على نفس السفرة، هذه الجلسة اشتاق لها من العام للعام. وبعد الطعام وأثناء الشاى أسمع أخبارهم التى لم أعرفها لشهور، فهذه اللمة من
أفضل عاداتنا كمصريين ويجب أن نحافظ عليها تحت أى ظرف لأنها تشعرنا أننا مازلنا نحب بعض ونحب أهلنا.
وحول أهمية اللمة الرمضانية فى لم شمل الأسرة تحدثنا مع د. مديحة الصفتى - أستاذة علم الاجتماع -فقالت: لايزال المجتمع المصرى محافظاً على بعض
الطقوس الخاصة به فى المناسبات المختلفة وبطبيعة هذا المجتمع العاشق للمة والتجمعات يحاول استغلال هذا الشهر فى استعادة ما تسببت الظروف الاقتصادية
والبعد المكانى فى اختفائه.
فعلى مدار العام نجد أن كل فرد فى الأسرة له اهتمام مختلف ومواعيد تواجد مختلفة إلا فى شهر رمضان فالجميع يحاول توفيق مواعيده مع موعد الافطار
والسحور، ومن هنا فمن الطبيعى أن يكون لهذا التواجد آثاره الإيجابية على العلاقات الأسرية داخل الكيان الأسرى الواحد، ولأننا شعب طيب وعاطفى نجد أن كل
فرد يحرص على شراء شيء ما وهو عائد إلى البيت فيجد أهل البيت أن الخير كثير فيشعرون بالراحة التى تمنحهم القدرة على الحديث والفضفضة والاستماع
للاخر وما يحدث معه فى عمله وحياته، ونجد الأب أكثر تواصلاً مع أولاده سواء وقت الافطار أو عند الذهاب لصلاة التراويح، والأم بالرغم من اعتيادها التواجد فى
المطبخ طوال العام إلا أن مطبخ رمضان له روح مختلفة لأن أولادها يجلسون سوياً وهذه الروح المختلفة تظهر على أداء كافة أفراد الأسرة، لكن أحيانا قد تحدث
مناقشات تحول اللمة إلى مسرح شجار هنا على الأم والأب تحويل مسار الحديث سريعاً حتى لا يصطدم الأبناء، فحوار المائدة يجب أن يتناول الموضوعات البسيطة
التى تزيد من مساحة التقارب الأسرى لا العكس، وأحيانا للأسف تتحول المائدة لساحة شجار تدفع الأم للصراخ وهنا يجب الحرص على الود بين الأفراد والتأكيد
على أن هذا التجمع هو فرصتنا السنوية للتواصل، والأفضل أن يكون هكذا وألا يغضب أحد ويحمل طعامه لغرفته كذلك يجب ألا يسمح للأطفال بحمل الطعام
والذهاب لمشاهدة التليفزيون فهذا الطقس الرمضانى يجب الحفاظ عليه ووضع شروطاً لضمان ذلك حتى وإن غضبوا فى البداية فسيعتادوا ذلك ويفرحوا به.
يتفق معها د. محمد أحمد عويضة - أستاذ الطب النفسى - قائلاً: التجمع الرمضانى سواء على الإفطار أو جلسات تناول الشاى أو السحور كلها من الأمور التى
تزيد الترابط الاجتماعى وتحسن المزاج النفسى بشكل كبير، وعادة نجد معظم المكتئبين فى حالة نفسية جيدة فى رمضان لأن الأجواء المحيطة توفر لهم مناخاً متجدداً
مختلفاً، فالتواصل والتجمع والحوار مع الأهل والأصدقاء لا يظهر بوضوح إلا فى رمضان ومن الأشياء الضرورية لضبط الحالة النفسية للإنسان، فالشعور بالوحدة
حتى وإن عاش الإنسان وسط جماعة يؤثر سلباً على نفسيته، لكن اللمة والالتقاء والتحاور يحدث العكس، لذا يجب أن نحافظ على هذه الروح الرمضانية الموجودة فى
معظم الأسر، وخاصة أن الجو الإيمانى الذى يسيطر على البيوت والشوارع والتواجد المكثف بالمساجد كلها أمور تحسن الحالة النفسية، فيجب أن يدرك الإنسان ذلك
ويستثمره بوضوح ليبدأ صفحة جديدة بعد رمضان، وبعض العادات الإيجابية التى تظهر فى رمضان يمكن استمرارها بعده
ساحة النقاش