كتبت : منار السيد
تمثل الصداقة بالنسبة لي «رباطا مقدسا» لا أتخيل يوما أن أعيش دون أصدقاء ، نفكر سويا .. نخرج معا ، نفرح .. نحزن .. مشاعر تربطنا .. كيف نسمح للحياة بمشكلاتها ومسئولياتها أن تفكك هذه المشاعر وتجعلنا نخسر هذه العلاقة الطيبة .. لذلك قررت ألا أستسلم لطوفان الحياة وأن أحافظ علي العلاقة الجميلة بيني وبين صديقاتي
تزوجت «يارا» صديقتى منذ عامين وأنجبت طفلا، ومع ذلك لم تنقطع علاقة صداقتنا فى بادئ الأمر، وكنا نتقابل دائما وأذهب لزيارتها وتأتى هى وطفلها لزيارتى لألعب معه ، ولكن مع مرور الأيام أصبحت «يارا» مشغولة للغاية، فإذا اتفقنا على ميعاد للمقابلة تأتى فى آخر لحظة ، أو تعتذر بعد انتظارى لفترة طويلة ، مما أثار هذا الأمر غضبى، لتنحسر لقاءاتنا ، وللأسف حتى المكالمات الهاتفية التى كانت تتواصل أكثر من مرة يوميا بينى وبينها أصبحت تمر الأيام بدون مكالمة هاتفية واحدة .
وشعرت بحزن شديد حيال هذا الأمر، فأنا أقدر تماما مسئولياتها وانشغالها الدائم بأسرتها وكنت أعرف أن مقابلاتنا ومكالماتنا ستقل بعد انشغالها خصوصا بعد الزواج ولكن لم أتخيل مطلقا أن الأمر سيصل إلى هذا الحد.
الوحدة
وبعد هذه الأحداث شعرت بوحدة شديدة وحاولت أن أتقبل الأمر الواقع، ولكن لا أستطيع تقبله دون أصدقاء .. أكره الوحدة .. أعشق الأصدقاء ، والناس فحاولت إعادة تفعيل صداقاتى القديمة باستخدام أجندة التليفون وإعادة الاتصال بهم، ولكننى وجدت حالهم مثل حال «يارا» مشغولين دائما، ليس لديهم وقت .
حتى زملائى فى العمل لم استطع التواصل معهم للوصول إلى حد الصداقة، وفكرت فى اللجوء إلى الحل السهل والسريع لاكتساب الصداقات وهو مواقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك - تويتر .....» وغيرهما وبدأت فى عمل إضافات للأصدقاء القدامى وأصدقائهم حتى أصبح لدى أكثر من 500 صديق وصديقة، ولكن فى الحقيقى هم أسماء فى قائمة على صفحتى بالفيس بوك أسماء فقط ، فهم غير متفاعلين معى ، ولعل الشىء الوحيد الذى يجعلنا نتفاعل سويا تلك التعليقات والألعاب المشتركة، ولكن الصداقة الحقيقية لا يمكن اكتسابها من الإنترنت، فهى مجرد تسلية وليست صداقة حقيقية وتمنيت أن يتقلص عدد الأصدقاء من 500 إلى 50 بشرط أن تكون صداقات حقيقية لأشخاص أراهم وأقابلهم وأتفاعل معهم ، وليس مجرد أسماء على صفحة إلكترونية «ساكنة».
المسئولية
وفى هذه الفترة تزوجت وأنجبت وأصبح اليوم منقسما بين عملى وزوجى وطفلى، وأدركت وقتها أن صديقتى يارا لم تقصد مطلقا أن تتجاهلنى، ولكن المسئولية والأعباء الحياتية جعلتها وتجعلنى نتخلى عن أسمى علاقة هى علاقة الصداقة .
لم استسلم
ولكننى قررت ألا استسلم لعراقيل هذه الصداقة وأن أبذل كل جهدى للحفاظ عليها مع التوفيق بينها وبين مسئوليتى الأسرية، فمهما كانت المسئولية والجدول اليومى الزاخر بالمسئوليات فذلك لن يعوض أبدا لحظة صدق مع صديقة أو مرح وضحكة جادة من القلب والحكايات والذكريات التى تساعدنا على الخروج ولو لدقائق من الحالة المزاجية المشحونة بالمشكلات والمسئوليات .
لذلك تحدثت مع صديقتى «يارا» وبعض من صديقاتنا القدامى وعرضت عليهن «إعادة تفعيل صداقتنا بشكل جديد يتناسب مع وضعنا كزوجات وأمهات» ، ووجدت إقبالا كبيرا من صديقاتى بعدما أكدت لهن ضرورة وجود الصداقة الحقيقية فى حياتنا.
واتفقنا على تخصيص يومين فى الشهر نتقابل فيهما جميعا مع مراعاة أن يكون هذان اليومان مناسبان لأزواجنا وفى الوقت نفسه إجازة لأبنائنا، ونحدد المكان الذى يناسب تواجد الأطفال فيه وبه مكان مخصص لممارسة اللعب حتى لا يشعرون بملل بشكل يتيح لنا فرصة للتواجد سويا مع مراقبة أبنائنا وهم يلعبون سويا، وأيضا قررنا أن نجعل أزواجنا أصدقاء بشكل يتيح لنا توطيد العلاقة أكثر لتناوب الزيارات فيما بيننا والخروج سويا، ونفذت هذه التجربة أنا وصديقاتى ولم يتخيل أحد مدى سعادتنا ونحن وأولادنا وأزواجنا أحيانا نكون سويا، ولم ندع طوفان الحياة يهدم كل شىء جميل فى حياتنا
ساحة النقاش