لم أصدق نفسي وأنا أشاهد على قناة "ماسبيرو زمان" حلقة من برنامج الفن الشعبي، المخصص لفنون المواويل والأناشيد الشعبية، وأنا أحد عشاق هذا اللون من الفن الذي لازمني لسنوات بعيدة، والطريف أنني سرعان ما تذكرت أنني شاهدت تلك الحلقة وقت إذاعتها الأولى في أحد أيام الجمعة منذ سنوات بعيدة، مما ضاعف من استمتاعي بها، فلم يكن يفوتني حلقة من حلقات هذا البرنامج الذي كنت أنتظره أسبوعيا مترفعا عن ألعاب الصبية، كنت أنتظره كالعاشق عندما يكون على موعد مع محبوب(!).

هذا البرنامج البسيط في إعداده وإخراجه، كان يقدم فناني الطرب الشعبي ومعظمهم من المظاليم المجهولين، الذين لم نكن نعرف وجوههم إلا عن أحد طريقين، إما الطواف على موالد وأضرحة أولياء الله الصالحين والجلوس على الحصير نستمع إليهم في إنصات وخشوع، حتى إذا ما بدأ المطرب بجلبابه البسيط وطربوشه الأحمر القاني، كان إذا "تلسطن المطرب وعفأ الموال"، هللنا وكبرنا وصرخنا وكأن جرس الفسحة ضرب، أما الطريق الثاني للاستماع إليهم فهو هذا البرنامج الفريد المتفرد في إعداده وفي تقديمه.

كان التليفزيون في ذلك الزمان الجميل، ملك لكل المصريين، يقدم ما نحبه، ونحب ما يقدمه، من جمالات شيحا وبدرية السيد ومحمد طه وأبو دراع والريس متقال، إلى فن الباليه وموسيقى باخ وموتسارت وتشايكوفسكي، من خلال برنامج معد خصيصاً عن الأوبرا وفنون الكلاسيك، كما انبهرنا بفنون السيرك والأكروبات والساحر العجيب الذي يأتي من الأفعال ما تبهرنا، كأن يقسم الفتاة البدوية الفاتنة نصفين، ثم نفاجأ بعودتها للحياة مرة أخرى ـ إنها سليمة ـ والدراما التليفزيونية التي تتحدث عن مصر البساطة والثقافة واللغة الراقية، مصر من فقراء المصطبة والجلباب البلدي الذين يكتسون بالستر ونحسبهم أغنياء من التعفف، إلى علية القوم وطبقة الأعيان.. الكل موجود في دراما هذا الزمان.

من حق هؤلاء أن يكون لهم برامج تعبر عن تراثهم وذوقهم ولونهم ووجدانهم وثقافتهم الفطرية الضاربة في جذور الأرض والتاريخ.