فى سبتمبر 1995 دعيت للمشاركة فى مؤتمر الأمم المتحدة الرابع للمرأة فى بكين عاصمة الصين، وأثناء مناقشة الوثيقة الأساسية وُزع على المشاركات فى المؤتمر من كل أنحاء العالم بيانٌ أصدرته مجموعة من علماء المسلمين أعلنوا أن إلغاء التمييز بين الرجل والمرأة، ودعوة الشباب والشابات إلى تحطيم الفوارق بينهما دعوة إلى الإباحية! والغريب أن البيان خلا تماما من أى اعتراض على ظاهرة وأد البنات التى كانت تمارس فى الصين منذ بداية الشيوعية! وأثناء المؤتمر سمعت أن رجلا كان يسير فى شارع بمدينة بيجين، العاصمة، تعثرت قدماه فى شىء مُلقى على الطريق وتبين بعد فحصه أنه جثة لفتاة وليدة تركها أبواها لتموت وحيدة. وقيل إن هذه الجريمة تتكرر كثيرا فى الصين بسبب قانون يمنع الوالدين من إنجاب أكثر من طفل واحد.
وجريمة وأد الأنثى الوليدة لا تحدث فى الصين وحدها بل في كل قارات الدنيا؛ فى مصر وكل البلاد العربية، وفى الهند ودول شرق آسيا، بما فيها تايوان وسنغافورة، ودول البلقان الشيوعية السابقة والقوقاز، وأجزاء من السكان الأمريكيين من الصينيين واليابانيين وتنتشر بين الأغنياء والفقراء، وبين المتعلمين والأميين، وبين الهندوس والكونفوشيوسيين وغيرهم, وللمسلمين السنة سبب اقتصادى لعدم الترحيب بالجنين الأنثى, فوفقا للشريعة الإسلامية (السنة) فإن البنت بعد وفاة أبيها ترث نصف ما يرثه شقيقها من المال والعقار، فإذا لم يكن لها شقيق ذكر يشاركها الأعمام الذكور فى الميراث، وقد تصبح هى وأمها عُرضة للتشرد, وعندما رغبت الحكومة المصرية حماية المطلقات الحاضنات من الطرد من بيت الزوجية ثارت ثائرة بعض الرجال محتجين بأن العقد شريعة المتعاقدين، فإذا كان عقد شقة الزوجية باسم الزوج، وهو ما يحدث دائما، فيجب طرد الزوجة "القديمة" استعدادا لاستقبال العروس القادمة.
وقد أصدرت الأمم المتحدة بيانا خاصا بهذه الظاهرة المؤسفة يتضمن رقما من الضحايا يصل إلى عدة ملايين, وفي عام 1990 قدر عالم اقتصاد هندي يدعى "أمارتيا سين" أن عدد الإناث الموؤدات حوالى مئة مليون, وحاليا زاد العدد كثيرا بعد أن توصل العلم الحديث لمعرفة نوع الجنين بعد عدة أسابيع من الحمل عن طريق الفحص بالأمواج فوق الصوتية، وأصبح من الشائع ارتكاب جريمة قتل للجنين الأنثى وهى فى بطن أمها!
ونتيجة لذلك التعصب ضد الإنثى، قبل وبعد ولادتها، تضاعفت أعداد الذكور لدى تلك الدول وأصبحت تعاني من اختلال في التوازن بين الجنسين, والصين وحدها أصبحت تعاني من جيش من الرجال العزاب - الذين يوصفون هناك "بالأغصان العارية" - أى بلا ثمار ولا أوراق ولا زهور, ووفقا لإحصائيات الأمم المتحدة كان عدم التوازن في العدد بين الجنسين في الجيل الذي ولد في عام 2000 وما بعده 120 ذكرا مقابل 100 أنثى، وفي بعض الأقاليم الصينية تبلغ النسبة 130 إلى 100!
ولا يخفى أن ذلك العدد الضخم من الذكور الشباب غير المتزوجين يسبب الكثير من المشكلات، ويزيد من معدل جرائم خطف الفتيات والاغتصاب والتحرش والشذوذ الجنسى.. الخ، أو قد يؤدى إلى الإصابة بالاكتئاب مع بلوغ الأجيال غير المتوازنة سن النضج, فما هو الحل لتلك المعضلة؟!
ساحة النقاش