أساليب عديدة يلجأ إليها الطفل لإقناع والده بتحقيق رغبته، ومع فشل تلك المحاولات يعلن ثورته متسلحا بالبكاء والصراخ فى محاولة لإجبار والديه على تنفيذ مطالبه، وهو ما يسميه علماء النفس ابتزاز الأطفال لآبائهم، فما تأثير ذلك على سلوك الأطفال، وكيف يمكن مواجهته فى سن مبكرة، وما الطريقة المناسبة التى يتعامل بها الوالدين مع هذا التصروف؟
"حواء" طرحت هذه التساؤلات على علماء النفس وخبراء التربية لتقدم لقارئاتها روشتة التعامل مع ابتزاز الأطفال..
فى البداية يقول د. عبد الفتاح درويش، أستاذ علم النفس ووكيل كلية الآداب جامعة المنوفية قائلا: يدرك الطفل جيدا مدى تأثير البكاء على الوالدين والمحيطين به ويعلم أن هذه هى الطريقة المثلى فى الوصول لهدفه سواء بالحصول على شيء ما أو لجذب انتباه والديه نحوه، وهنا يحقق الطفل أهدافه على حساب مشاعر الآخرين، وإذا رضخت الأم أو الأب لذلك يكتسب الطفل صفة الأنانية ولا يستطيع أن يتفاعل مع الآخرين فى المجتمع كما أن نفسيته تتأثر بالسلب من خلال عدم اهتمامه برغبات الآخرين، كما أن الابتزاز العاطفى سلوك يكتسبه الطفل من الوالدين، فالأم قد تمارسه تجاه طفلها دون أن تدرك مدى خطورته على بناء شخصيته مستغلة حب طفلها واحتياجه لها.
وتقول د. سامية قدرى، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: يعلم الابتزاز العاطفى الطفل الكذب من أجل تحقيق رغباته ويجعله شخصية غير سوية نفسيا ومجتمعيا، وتبدأ المشكلة مع الطفل منذ مرحلة الطفولة وتزداد سوءا فى فترة المراهقة خاصة فى العلاقات الأسرية غير المبنية على المصارحة أو التفاهم، لذا فمن الضرورى تعليم الطفل منذ الصغر الاهتمام بمشاعر الآخرين ومصالحهم، وعدم إشعاره بالذنب عند عدم تنفيذ رغبات والديه، وللتخلص من الابتزاز العاطفى لدى الطفل على الوالدين تعويده الحرية والتخلص من القيود والشعور بالذنب نتيجة إلقاء اللوم والعتاب عليه عند قيامه بفعل خاطئ.
طرق العلاج
"فقدان الطفل لثقته فى نفسه أحد أسباب خضوعه للابتزاز العاطفى من الآخرين" هذا ما بدأ به د. رسمى عبد الملك، أستاذ الإدارة والتخطيط التربوى بالمركز القومى للبحوث التربوية حديثه، ويقول: تغلب على الطفل الذى يمارس الابتزاز صفات حب التملك والغيرة الشديدة والتسلط والرغبة فى تنفيذ أهدافه كما يشاء، كما أنه يعانى من الانطوائية لنفور الأصدقاء والأقارب والجيران منه لصفاته غير السوية، وللتعامل معه لابد أن ندرك أولا أن الطفل عنيد مثل باقى الأطفال يتنازل عن رغباته أحيانا، فإذا كان ديكتاتوريا لا يتنازل عن رغباته أبدا فيجب على الوالدين التعامل معه بحزم والإصرار على مواجهته بالحوار الهادف والصبر وتعرضه للعقاب عندما يخطئ.
ويتابع: التربية هى إعداد الفرد للمواقف الحياتية لذلك على الوالدين بث الوازع الدينى داخل الطفل ومعرفته بالقيم الدينية، وسرد الحكايات أمامه لتعريفه بالمقبول والمرفوض دينيا واجتماعيا، ولابد أن يرى الطفل قدوة حسنة أمام عينه باستمرار ليقتدى بها قد تكون فى الوالدين أو الأقارب، إلى جانب توطيد العلاقة بينه ووالديه وإنشاء روابط المحبة والمودة بينهما، مع أهمية مراقبته عند استخدام الانترنت ومناقشته فيما يشاهده ومعرفة أصدقائه، بالإضافة إلى شغل وقت فراغه بالقراءة والذهاب إلى المكتبات وممارسة الرياضة المفضلة لديه.
مراحل الابتزاز
عن بداية الابتزاز لدى الطفل تقول د. هناء جلال، أستاذ أصول التربية بكلية التربية جامعة المنوفية: تبدأ مراحل الابتزاز عند الطفل بالإصرار على مطالبه وعندما ترفض الأم يبدأ فى المقاومة ويستمر فى الضغط والخناق والغضب حتى ترضخ لطلبه، بعد ذلك يلجأ لأسلوب التهديد مثل رفضه للطعام وكسره للأشياء حتى تخاف الأم عليه وتنفذ رغباته، وعندما تضعف الأم وتنفذ مطالبه يكرر الطفل ما يفعله وتسمى هذه المرحلة بالتكرار، لذا فمن الضرورى طرح بدائل للطفل تناقشه الأم فيها وتعرفه أن الطلب أو الفعل الذى يريد القيام به خطأ وتوضح له الآثار المترتبة عليه وتتعامل معه بطريقة الشد والجذب وتتجنب استخدام أسلوب الضرب أثناء العقاب.
وتتابع: التنشئة الاجتماعية الضعيفة ووجود خلافات بين الزوجين والتفكك الأسرى وراء التصرفات الخاطئة للأطفال، كما أن سلوك الوالدين والأخوة له دور في تشكيل البناء الوجدانى والسلوكى للطفل الذى يكتسب اللغة والعادات والمعانى والقيم والمواقف والأساليب المرتبطة بإشباع الحاجات والرغبات الخاصة به من الأسرة باعتبارها حجر الأساس فى بناء شخصيته ونموه النفسى.
يقول د. على محمود شعيب، أستاذ علم نفس الطفل والصحة النفسية بجامعة المنوفية: للإعلام دور قوى ومؤثر فى مناقشة القضايا التربوية والسلوكية من خلال تكثيف البرامج التى تخص الطفل وتوجه الوالدين لكيفية التعامل مع الطفل والمشكلات التى يمر بها حسب مرحلته العمرية، وكذلك الجمعيات الأهلية وذلك من خلال تنظيم الدورات والندوات التثقيفية بالأسس التربوية السليمة ما يساعد على تخلص الطفل من الابتزاز العاطفى.
ويوضح د.على أن الطفل قد يتعرض لابتزاز داخل المدرسة من خلال قيام طفل أو مجموعة من الأطفال بفرض طلبات معينة عليه أو التحكم فى أدواته مقابل اللعب معهم أو الصحبة وتهديده بالعزل الاجتماعى أو البقاء بمفرده دون صحبة وخصامه فى حالة رفضه طلباتهم، ويقول: من أصعب المواقف التى يتعرض لها الطفل تهديده بإفشاء سر معين فى حالة عدم تنفيذ طلبه وهنا يعجز تماما عن التصرف خوفا من عقاب الوالدين والمعلم فى المدرسة ونظرته أمام أصدقائه فيستسلم للابتزاز، لذا يجب على الوالدين تشجيع الطفل على رفض ما لا يفضله من تصرفات من الأصدقاء وتعليمه أن الصداقة يجب أن تقوم على التكافؤ، واحترام رغباته وعدم الاستهزاء بها حتى لو كانت غير مقبولة، وعلى المعلم عدم توجيه اللوم له وتأنيب ضميره حال إفشاء أحد أصدقائه لسره، مؤكدا أن الأسرة هى العامل الرئيسى فى مساعدة الطفل على التخلص من المشكلات التى تواجهه فى المجتمع بالتفاهم والحوار الهادئ.
ساحة النقاش