كتبت نبيله حافظ

في صمت تام رحل، وفي هدوء وسكينة ودع دنيا الباطل، وذهب لدار الحق واليقين، ترك الحياة وضجيجها واستقر إلي حيث يكون المصير، تجاهلت الفضائيات تأبينه والحديث عنه، عكس ما كان يحدث في حياته عندما كان يتم الاحتفاء به وبمؤلفاته ومقالته التي كانت تملأ الدنيا جدلا وصخبا .

هكذا ودع الحياة المستشار سعيد العشماوي، الكاتب والمفكر والقانوني، بعد أن أثرى الحياة الثقافية بأكثر من ثلاثين كتاباــ ترجمت معظمها إلي الانجليزية والفرنسيةــ ومئات المقالات الصحفية التي حملت أفكاره ورؤيته في الأدب والثقافة والقضاء والإسلام والسياسة .

وكانت لمؤلفاته الإسلامية النصيب الأكبر في مؤلفاته منها: (رسالة الوجود ـ الخلافة الإسلامية ـ روح الدين ـ الحجاب وحجية الحديث ـ  معالم الإسلام ـ الربا والفائدة في الإسلام ـ الشريعة الإسلامية والقانون المصري ـ إسلاميات وإسرائيليات ـ أصول الشريعة ـ جوهر الإسلام)، ويظل كتابه الخلافة الإسلامية أهم الكتب التي ناقشت الشوري والديمقراطية في الإسلام وأسلوب اختيار الحاكم ومبادئ السمع والطاعة.

 دخل المستشار سعيد العشماوي في صراع مرير مع الجماعات الإسلامية المتشددة بسبب كتاباته في قضايا الحجاب والنقاب والرؤية الموضوعية للفنون، وكان يطالب دائما برد القضايا إلي كتاب الله ومعرفة أسباب تنزيل الآيات وفهم المقاصد والمعاني والنظر بعمق إلي روح القرآن وعدم اجتزاء الآيات أو تفسيرها حسب هوي ومزاج أصحاب المصالح

ومن بين مؤلفاته الأخرى: (مصر والحملة الفرنسية ـ حياة الإنسان ـ حصاد العقل ـ الصراع الحضاري بين العرب وإسرائيل ـ تاريخ الوجودية في الفكر البشري ـ ديوان الأخلاق ـ من وحي العلم ـ جوامع الفكر ـ ضمير العصر).

ولد المستشار سعيد العشماوي عام 1932، ونشأ نشأة صوفية حيث كان يرتاد مسجد السيدة زينب، والسيدة نفيسة، ومسجد الحسين مع والده، عشق الشعر العربي منذ صغره، واختار دراسة القانون، وتخرج في كلية الحقوق عام 1955، عمل بالنيابة، ثم قاضيا وتولي منصب رئيس محكمة استئناف القاهرة، ورئيس محكمة الجنايات، ورئيس محكمة أمن الدولة العليا، وكان لعمله علي منصة القضاء أثرا كبيرا في كتاباته، التي بدأت بعد تخرجه بأربع سنوات، ومن خلال خبراته الطويلة في هذا المجال كتب عشرات المقالات التي تتبني وجهة نظره في مشكلات القضاء المصري والعثرات التي تقف أمام تحقيق أهدافه في المجتمع، ولم يكتف بهذا بل كانت له مؤلفات تحمل تجربته  في عمله بالقضاء ، مثل: (روح العدالة ـ وعلي منصة القضاء).

عمل المستشار سعيد العشماوي بالتدريس محاضرا في أصول الدين والشريعة والقانون في عدة جامعات، منها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة السربون بفرنسا، وجامعة هارفد برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة توبنجن بألمانيا، ومعهد الدراسات الشرقية بروسيا.

 تأثر كثيرا بأحوال مصر والتدهور الذي لحق بها بعد ثورتي 25 يناير و30 يونية، وكانت وجهة نظره أن إعادة بناء مصر من جديد لن يكون إلا من خلال وجود قضاء عادل، ودلل علي ذلك بما قاله الرئيس الفرنسي شارل ديجول، أول رئيس فرنسي منتخب في الجمهورية الفرنسية الخامسة عندما جلس مع أعوانه بعد توليه رئاسة فرنسا  ليتباحثون في كيفية إعادة بناء فرنسا، حيث سألهم ديجول ما هي أحوال الاقتصاد؟ قالوا له: صفر، والزراعة؟ قالوا له: صفر، والصناعة؟ قالوا له: صفر، والتعليم؟ قالوا له: صفر، قال والقضاء؟ قالوا له: هذه هي المؤسسة الوحيدة التي لم تزل سليمة  صحيحة، قال ديجول الحاكم الواعي المثقف: الآن مادام لدينا قضاء عادل نستطيع أن نعيد بناء فرنسا.

 أما وجهة نظرة في السياسة فكان يراها متدنية والغاية لديها تبرر الوسيلة، إنما الدين هو الأخلاق، والغاية فيه من نبل الوسيلة، والوسيلة من فضل الغاية.     

وكانت العدالة في نظره هي روح الله التي لابد من أن تكون وتسمو حتي يتحقق الحق ويتسيد العدل، علي أن يرتبط الحق الفردي بالحق الكوني، وأن يتصل العدل الفردي بالعدل الكوني، فتسود ويتحقق مبدأ الحق الكوني والحق الإلهي، ويعيش الفرد في نعيم ويكون الجميع في سلام.

 

 رحل سعيد العشماوي صاحب المواقف الفكرية المستنيرة، ولكن تظل أفكاره باقية ومثيرة للجدل بين أنصاره الذين يصفونه بالمجدد، وخصومه الذين يعتبرونه مدعياً.

المصدر: مجله حواء نبيله حافظ
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 573 مشاهدة
نشرت فى 23 نوفمبر 2013 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,840,408

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز