تاريخ طويل من كفاح المرأة المصرية للدفاع عن حقها فى مباشرة الحياة السياسية، وصراع امتد لأكثر من قرن لم تفقد خلاله الأمل ولم يتسلل اليأس إلى إرادتها، بل أرست قواعد مشاركتها السياسية بنفسها دون أن تنتظر من يدعمها، وأوجدت لنفسها مسارا لخوض معترك الحياة السياسية والمشاركة فى رسم ملامح مستقبل وطنها، لتجنى بعد مشوار طويل من الكفاح والصراع ثمار نضالها.

المرأة المصرية وتاريخ من النضال للتحرر ونيل حقوقها السياسية..

بالرغم من تواجد المرأة وبقوة في ثورة 1919 إلا أن دستور 1923 كان يقصر حق الترشح للبرلمان على الرجال فقط، إلى أن أسست المناضلة هدى شعراوي "الاتحاد النسائي المصري " الذى ضم وقتئذ كل من سيزا نبراوي وحواء إدريس، واستمر الدفاع عن حق المرأة السياسى طوال هذه الفترة حتى أصدرت أول مجلة نسائية 1925 تحت قيادة سياسية باسم "المصرية"، لم يقف دور المرأة فى ذلك الوقت عند محاولات التصدى للإقصاء بل دافعت عن حقوقها السياسية بكافة الصور، ففي حفل افتتاح البرلمان فى مارس 1924 أقدمت على تقديم طلب لحضور هذا الحفل، وحملت النساء لافتات كتبن عليها "احترموا حقوق نسائكم"، ولما أصرت النساء على مطلبهن لحضور جلسات البرلمان تم تخصيص مقصورة لهن عام 1925 ثم مقصورتين، بعدها أعلن البرلمان اعتزامه مناقشة حق المرأة في التصويت.

مجلس الأمة

ظلت المرأة منغمسة في العمل السياسي من أجل تحقيق استقلال الوطن ولم تترك مناسبة إلا وشاركت فيها من أجل تحقيق هدف الاستقلال حتى قيام ثورة 1952 التى كانت سببا فى إحداث انقسام بين صفوفها على أساس الانتماء الفكري أو الحزبي، لكن سرعان ما قامت المرأة المصرية بتأييد الثورة إجمالا عندما تعرضت البلاد لخطر العدوان الثلاثي "1956"، حيث تطوعت في عمليات الإغاثة وزادت درجة التأييد بصدور دستور 1956 الذى أعطى لها لأول مرة حق الترشح والانتخاب، وعندما تم تشكيل مجلس الأمة 1957 التحقت به أربع نساء لأول مرة في تاريخ الحياة البرلمانية.

وتعد فترة الخمسينات من أكثر الفترات تميزا في مجال تاريخ المرأة المصرية في مجال العمل السياسي حيث انصب النضال النسائي في تلك الفترة على الحق في المشاركة السياسية، ونتيجة لأنشطة الجمعيات النسائية خاصة في أعقاب ثورة يوليو 1952 تمكنت المرأة من الحصول على حقها في الانتخاب والترشح بالبرلمان للمرة الأولي وفقا لدستور 1956 ليأتي عام 1957 ويكون شاهدا على ترشح 8 سيدات لتنجح اثنتين من العضوات هما راوية عطية ممثلة لدائرة الجيزة، وأمينة شكري لمحافظة الإسكندرية في الوصول إلى البرلمان.

التحول الاشتراكي

بعد دخول مصر مرحلة التحول الاشتراكي "عام 1961" وقيام الدولة بدور رئيسي في الشئون الاقتصادية والاجتماعية لم تعد هناك تفرقة قانونية بين المرأة والرجل، حيث عينت د. حكمت أبو زيد أول وزيرة مصرية للشئون الاجتماعية، وفى انتخابات  1964 حصلت المرأة على ثمانية مقاعد من أصل ‏360‏ مقعدا، ‏وتم تعديل قانون الانتخابات رقم 38 لسنة 1972 بالقانون رقم 21 لسنة 1979، الذي نص على تخصيص ثلاثين مقعدا للنساء كحد أدنى، بواقع مقعد على الأقل لكل محافظة، ما دفع مائتي سيدة للترشح في الانتخابات ولتفوز أكثر من ثلاثين سيدة بالمقاعد المخصصة للنساء، بالإضافة لسيدتين عينهما الرئيس ليصبح إجمالي النائبات 35 بنسبة 8% من إجمالي الأعضاء.

وفى عام 1983 صدور القانون‏ رقم 114‏الذى ألغى نظام الانتخاب الفردى‏ وأحل نظام الانتخاب بالقائمة النسبية‏،‏ وهذا ما زاد من دعم مركز المرأة المصرية كمرشحة على قوائم الأحزاب ‏فدخلت البرلمان‏ 36 سيدة من أصل ‏458‏ مقعدا عام 1984، وفي عام ‏1986‏ صدر قرار المحكمة الدستورية العليا‏ بعدم دستورية القانون رقم‏21‏ لسنة‏1979 باعتبار أنه يخل بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة‏‏ ليتم على إثره إلغاء المقاعد المخصصة للمرأة داخل مجلس الشعب‏‏ ما انعكس على الانتخابات التالية‏ حيث انخفض عدد السيدات في مجلس الشعب في دورة ‏(87‏ ـ‏1990)‏ إلى ‏18‏ سيدة فقط من أصل ‏448‏ عضوا‏.

التمثيل المشرف

وعن تلك الفترة تقول د. فوزية عبد الستار، أستاذ القانون بجامعة القاهرة: بحثت المرأة المصرية وبقوة عن مباشرة حقوقها حتى وصلت إلى البرلمان وعلى مدى سنوات طويلة أثبتت المرأة قدرتها على التمثيل المشرف في الحياة السياسية بكافة أشكالها، وفى عام ‏1990‏صدر القانون رقم‏201 ‏والذي أقر نظام الانتخاب الفردى‏ ليقضي بصورة مطلقة على كل ميزة تتمتع بها المرأة في هذا الصدد منذ عام‏ 1979‏ وهذا ما انعكس على تمثيلها في الفصل التشريعى الخامس ‏"90‏ ـ‏1995" حيث حصلت على‏10‏ مقاعد من بين ‏444‏ مقعدا، وتابعت هذه النسبة انخفضت في الفصل التشريعي السابع "95‏ ـ‏2000" حيث حصلت على ‏5‏ مقاعد فقط من بين‏444‏ مقعدا بنسبة‏1,1%‏، ثم ‏7‏ مقاعد في الانتخابات الأخيرة بنسبة ‏1,5%.‏

نظام الكوتة

فى انتخابات 2000 ارتفع عدد النساء تحت القبة ليصل إلى 11 مقعدا، بينما لم تحصل المرأة فى انتخابات 2005 إلا على 4 مقاعد بالانتخاب من بين 444 مقعدا بنسبة 9.0 %، وقد وصل عدد النائبات بمجلس الشعب قبل قرار "الكوتة" إلى 8 نائبات منهن 3 منتخبات، و5 معينات، حتى تم تطبيق نظام الكوتة للمرة الثانية في عام 2010 بتخصيص 64 مقعدا، ولم تحصل أي سيدة على أي مقاعد أخرى ويرجع ذلك إلى صدور القانون 149 لسنة 2009 بزيادة عدد الدوائر البرلمانية وتخصيص مقاعدها للمرأة.

المظاهرات والاحتجاجات

شاركت المرأة المصرية في المظاهرات والاحتجاجات بالميادين وظلت طوال الفترة من2011 حتى الآن شريك رئيسي في التغيير بمشاركتها في كافة الاستحقاقات والانتخابات مثل استفتاء 25 مارس على التعديلات الدستورية والمشاركة كناخبة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية حيث تخطت نسبة مشاركتها في الانتخابات الرئاسية السابقة 54% من إجمالي الناخبين.

وفي برلمان 2012 تدنت نسبة تمثيل المرأة في البرلمان، فلم تتعد 2% من المقاعد رغم مشاركتها الواسعة كمرشحة وناخبة، رغم ترشح 984 سيدة في انتخابات مجلس الشعب سواء على القوائم، أو منافسة على المقاعد الفردية، و396 مرشحة على انتخابات مجلس الشورى.

التمكين السياسي للمرأة

شهدت انتخابات 2015 زيادة ملحوظة في نسبة النساء اللائى يرغبن في خوض المعركة الانتخابية، حيث وصل عددهن إلى 949 مرشحة من أصل 5518، ويرجع ذلك إلى اهتمام العديد من النساء بخوض العملية الانتخابية وحرصهن على ممارسة السياسية بغض النظر عن الحالة الأمنية في الدولة, وعلى الرغم من إغفال الصحافة ووسائل الإعلام عن تقديم الدعم للمرأة المصرية فى معركتها الانتخابية إلا أن القانون ساعد فى وصول89 نائبة إلى البرلمان، بالإضافة إلى أنها استطاعت تصدر المشهد الانتخابي في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية 2015 حيث بلغت أربعة أضعاف مشاركة الرجال.

وبعد تخصيص 2017 عاما للمرأة حصلت المرأة على امتيازات كثيرة للتمكين السياسي خاصة فى ظل اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بها، منها تعيين المهندسة نادية عبده محافظا للبحيرة، وتقلد أول سيدة منصب مستشارة الرئيس للأمن القومى، بالإضافة إلى تشكيل حكومة من 6 وزيرات وغيرها من الامتيازات السياسية التي حصلت عليها المرأة في عهد سيادة الرئيس .

صناعة المستقبل

عن هذا الواقع تقول دينا الجندى، عضو لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومى للمرأة: أثبتت أن نساء مصر طوال السنوات الماضية أنهن قادرات على المشاركة بمنتهى الجدية فى صناعة مستقبل وطنهن من خلال المشاركة السياسية التى ظهرت بشكل واضح لجميع فئات الشعب المصرى ومشاركتها فى ثورة 25 يناير عندما استشعرت الخوف على أسرتها وأولادها ووطنها بالكامل، ثم شاركت بقوة فى ثورة 30 يونيو لإسقاط الجماعة الإرهابية عندما استشعرت الخوف على مستقبلها وبلدها، ولم تكتفِ بذلك بل شاركت بقوة ووقفت بالساعات فى طوابير أمام صناديق الاقتراع للاستفتاء على الدستور فى 2014، وأكملت دورها فى الانتخابات البرلمانية سواء كناخبة أو مرشحة، وسبق هذا مطالبتها بزيادة تمثيل النساء فى البرلمان وزيادة عدد المقاعد المخصصة لها، لتكلل جهودها بزيادة تمثيلها فى مقاعد المحليات إلى 30 %.

 

وتابعت: يمكن القول إن المرأة تعيش عصرها الذهبى فى ظل قيادة سياسية تقدر دور المرأة وتشيد به وتقدم لها التحية فى كل مناسبة، حتى أن الرئيس نفسه يعتبر المرأة سندا حقيقيا لوطنها خاصة مع إجراءات الإصلاح الاقتصادى التى تحملتها الأسرة وفى مقدمتها المرأة وهى تعلم جيدا أنها تقف بجانب بلدها للوصول إلى بر الأمان، لافتة إلى جهود المجلس القومى للمرأة فى إعداد حملات التوعية وطرق الأبواب للتأكيد على أهمية المشاركة السياسية فى الانتخابات المقبلة، ومساعدة السيدات فى الحصول على بطاقات الرقم القومى، مؤكدة أن المشاركة السياسية للمرأة ينبغى أن تستمر بنفس القوة فى إقناع المحيطين بها بأهمية المشاركة فى الانتخابات الرئاسية المقبلة حتى تعطى درسا جديدا للعالم على أن مصر مستمرة فى طريقها حتى تصل لمكانتها التى تستحقها بين دول العالم، مشيدة بزيادة تمثيل المرأة فى الحكومة إلى 6 وزارات إلى جانب تعيين المهندسة نادية عبده، أول محافظ، وما زالت محافظات مصر تمتلئ بالكفاءات السياسية والإدارية التى تصلح لتولى المناصب القيادية. 

 

المصدر: كتبت : منار السيد - شيماء أبوالنصر
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1272 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,161,471

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز