لم يعد صوت المدفع فى رمضان قاصرا على الإعلان عن موعد الإفطار بل أصبح إيذانا ببدء سباق الجهات المختلفة والماركات التجارية لجذب أنظار المواطنين إلى منتجاتها أو استجدائهم للتبرع لصالحها عبر شاشات التليفزيون، ووسط هذا الكم الهائل من الإعلانات افتقدت الكثير من المؤسسات مصداقيتها لدى المتلقي، فكيف يتأكد المواطن من صدق الجهات صاحبة هذه الدعوات، وهل تدفعه كثرة الإعلانات للعزوف عن التبرع لصالحها؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير التى تطرح مع الفيض الهائل من الإعلانات الرمضانية حاولنا الوقوف على إجابة لها من خلال مجموعة من المختصين.
في البداية تقول د. ماجي الحلواني، عميد كلية الإعلام سابقا: تعي جيدا المؤسسات الخيرة أن مشاهدة التليفزيون تزداد خلال شهر رمضان خاصة بعد الإفطار لذا تحرص كل منها على إيصال رسالتها عبر الشاشة الصغيرة، لكن هذه الإعلانات يجب أن تبتعد عن الألفاظ الخارجة والإيحاءات الجنسية والصورة المزعجة للعائلة المصرية سواء كانت تجارية أو دعوة للتبرع لصالح مؤسسة خيرية، فالرسالة الإعلانية أقوى وأسرع للجمهور المتلقي خلال شهر رمضان خاصة التبرعات لما يتمتع به هذا الشهر من روحانيات.
وتضيف : قوة التأثير ليست بكثرة وتكرار العرض لكن بالمحتوى والمضمون، وقد تكون هذه الإعلانات سلاحا ذا حدين، حيث تدعو إلى الخير والزكاة والتعريف بمصارف شرعية وجهات موثوقة لتوجيه التبرعات إلى مستحقيها، لكن تكرارها قد يأتي بنتيجة عكسية حيث يشعر البعض أنها كالمسلسل اعتاد مشاهدته يوميا ما يفقدها المصداقية، لذا فالأفضل تحديد أوقات مناسبة لهذه الإعلانات والتقليل على قدر الإمكان من عرضها.
فرض الرقابة
ترى د. ماجدة باجنيد، أستاذ ورئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بإحدى الجامعات الخاصة، أن إعلانات التبرعات التي تعتمد على ظهور المريض أو المحتاج عبر الشاشة انتهاك واضح وصريح لحقوق الإنسان وكرامته لمخالفتها القواعد والمعايير الإنسانية رافعة شعار الغاية تبرر الوسيلة، قائلة: تستغل بعض المؤسسات الأطفال والنساء والحالات الحرجة كوسيلة للضغط على المتلقي عبر الشاشة الصغيرة لجمع التبرعات, إلى جانب أن بعض إعلانات التبرعات تخدع المواطن وتسعى للحصول على أمواله فقط خاصة مع غياب الرقابة, لذا أدعو المجلس الأعلى للإعلام لفرض الرقابة على محتوى الإعلان المقدم وتكلفته, بجانب تخصيص أوقات وقنوات محددة لعرض الإعلانات للسيطرة على العشوائية التي تتسم بها هذه الإعلانات وخاصة وأنها تعطي صورة غير لائقة للعالم الخارجي عن مصر والإعلام المصري، لذا علينا تقديم هذه النوعية لكن بدراسة وعناية مع احترام خصوصية المتلقي ومقدم الإعلان وعدم انتهاك حقوقهم.
ادعم بلدك
تقترح د. نسرين حسام، أستاذ الإعلام بجامعة بني سويف على المؤسسات والجمعيات الخيرية بالحد من تقديم الإعلانات لتوفير نفقاتها على علاج غير القادرين من المرضى أو إنفاقها في جهات خيرية على أن يتم تقديم إعلان واحد في بداية الشهر وفي نهايته يقدم آخر يعلن فيه عما حققته المؤسسة من إنجازات بسبب توظيفها للأموال المخصصة للإعلانات الرمضانية وبذلك تزداد مصداقيتها لدي المواطن فيقبل على التبرع لها، كما تدعو د. نسرين المواطنين إلى تبنى مبادرة "ادعم بلدك" من خلال التبرع للجهات التي توضح باستمرار استثماراتها لأموال التبرعات وكذا المؤسسات الحكومية والصناديق والجهات التابعة للدولة التي تعلن باستمرار نتائج عملها سواء مشاريع اقتصادية أو علاجية، وتجنب المؤسسات التي تكتفي بالإعلان لجمع التبرعات دون الاهتمام بتوضيح بالإنجازات التي استطاعت تحقيقها بما جمعته من تبرعات.
نتبرع فين
تقول د- سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات المستهلك: تشعر التكلفة الباهظة للإعلانات المتلقي بالاستفزاز والنفور, فقد تقوم جمعية ما بعمل إعلان مدته لا تتعدى الثواني وتدفع لعرضه ملايين الجنيهات، وتختار أعلى الأسعار الإعلانية في الأوقات المميزة والتي تكثر فيها المشاهدة, ليتساءل المواطن إذا كانت هذه الجمعية تملك هذه الملايين فلماذا لم تستغلها لعلاج مريض أو بناء قرية وغيرها؟ وإذا كانت تنفق هذه الأموال فن المؤكد أنها تدرك أن الجنيه الذي تنفقه على تلك الحملات الإعلانية يعود عليها بأضعافه؟ لذا أنصح المشاهد بتحري مصداقية تلك الإعلانات، مع اختيار الجهات التي سيقدم لها تبرعاته فهناك أماكن قومية وبنوك وصناديق مصرية تتمتع بالشفافية وتوظف هذه التبرعات في مصارف شرعية ومشاريع قومية.
أما د. إقبال السمالوطي، رئيس إحدى الجمعيات الأهلية فتشير إلى أن إعلانات التبرعات موجودة في العديد من الدول لكنها تتقدم بطرق تراعي المعايير المهنية, وتقول: هناك ارتباط بين هذه الإعلانات وشهر رمضان بسبب الروحانيات الرمضانية التي تدفع المشاهد لتقديم المساعدات الإنسانية والخيرية, لكن علينا تقديم هذه الخدمات طوال العام وليس في رمضان فقط, بالإضافة إلى أن كثرة هذه الإعلانات تسبب حالة من الملل واللا مبالاة للمشاهد وتصيبه أيضا بحالة من النكد بسبب التضارب بين محتواها، لافتة إلى وجود الكثير من الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تحتاج إلى التبرعات لكنها لا تملك الإمكانيات المادية للإعلان عن نفسها، لذا يجب إلقاء الضوء عليها والدعوة للتبرع لها, والبحث الدائم من قبل المواطن من أجل وصول تبرعاته لمستحقيها.
ساحة النقاش