حين نتحدث عن حواء فإننا نتحدث عن الحياة بأكملها، فالمرأة صانعة الأجيال ولم تكن المرأة كما يتصور البعض نصف المجتمع فقط بل تعدو هذه النظرة لتصل للمجتمع بأسره, وتحتل حواء فى مجتمعنا مكانة عظيمة ربما يحاول أصحاب العقول الرجعية للتقليل من شأنها والانحطاط منه بوضعها فى مرتبة أقل من الرجال، لكنه يخالف الحقيقة العلمية والواقعية، حيث بنيت الحياة على الشراكة ما بين الذكر والأنثى، وعاشا معاً كنواة لأى تجمع بشرى فى أية بقعة من بقاع الأرض، وأثبتت المرأة بما لديها من إرادة وقوة وصمود أنها لا تقل عن الرجل فى تأدية المهام الوظيفية فى شتى مناحى الحياة، وفى حضارتنا الفرعونية القديمة نجد ترسيخ جلي لفكرة المساواة بين الرجل والمرأة التى على إثرها بدأت المجتمعات الغربية منذ عقود قليلة تهتم بهذا الشأن وتجتهد من أجل ترسيخه عن طريق المجتمع الدولى والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات لحماية حقوق المرأة, لكننا نؤكد على احترام هذه القيم منذ آلاف السنين لدى قدماء المصريين ممن علموا البشرية جمعاء كافة العلوم والفنون والآداب، وحتى فى مجال قضايا المرأة وحقوقها فكانت حضارة السبعة آلاف عام هى من تقود الإنسانية لاحترام قواعد وأصول حقوق الإنسان وإنصاف حواء وإكرام مكانتها والدليل على ذلك نقوش جدران المعابد التى تؤكد على المساواة ما بين الجنسين، وما تركه أجدادنا من آثار تعكس تمثيل المرأة فى كافة شئون الحياة، إلى جانب الملكات ممن تولين قيادة الدولة وجيوشها فى سبق لكافة الحضارات الإنسانية، وكانت المرأة تتمتع بتمكين اقتصادى وسياسى واجتماعى يحفظ لها إنسانيتها ويصون كرامتها, كما جاءت بعد ذلك التشريعات السماوية معنية بالأسرة أتم عناية ووضعت الأحكام التى تضمن وتصون حقوق المرأة وآمالها، وإنما تخرج علينا التشريعات الوضعية وبكل أسف منتقصة لكثير من هذه الحقوق بل ويزيد الأمر سوءا حينما تصير المرأة كلعبة طيعة فى يد الرجال ممن يضعون هذه التشريعات التى انطلقت من أفكار تبنى على ثقافة ذكورية راسخة تنطلق من القيد والحد من الحرية بل ويزيد من سطوة الرجل وقهره للمرأة فى أشكال عنف مختلفة حيث تفضح هذه التشريعات ما تسلبه من قيم خلقية ودينية وإنسانية، وعليه فالهوة واسعة ما بين التشريعات الإلهية والوضعية لبنى البشر والتى يشوبها كثير من العوار والانتقاص.
ومن هذا المنطلق شعرت حواء فى العصر الحديث بأهمية تواجدها على الساحة ككيان إنسانى يجب التخلص من تهميشه أو إقصائه وخاصة فى ظل اتفاقيات دولية ومنظمات كبرى تسعى لتحرير المرأة عامة من كافة القيود والعمل على دعمها قانونيا واجتماعيا وثقافيا بل واقتصاديا، حيث تعانى المرأة فى العالم أجمع من التمييز ولكن قطعاً تتباين النسب فى المجتمعات والدول ما بين الدول الأكثر ديمقراطية والمعنية بقضايا حقوق الإنسان فى مقابل دول أخرى نامية وفقيرة تضع هذا الجانب بعيدا عن حيز اهتمامها لوجود قضايا أكثر إلحاحا واحتياجا على حد اعتقادهم، رغم أنه فى حال الاهتمام بالمرأة وشئونها يصلح حال هذه المجتمعات وتتبدل أحوالهم للأفضل، فالمرأة كما يقول سقراط مصدر كل شيء, ولا نزال للأسف نسمع عن عادات وتقاليد بالية تهمش دور حواء وتقصى مشاركتها مع الرجل نتيجة لبعض التفسيرات الدينية الخاطئة واجتهادات المشايخ المتزمتة بحجة تبعية المرأة وفرض القوامة من الرجل بما يخالف المعنى الحقيقى للآيات القرآنية الكريمة وتعاليم ديننا الوسطى الحنيف ودون اعتبار لكرامة المرأة وقيمتها التى نزهتها الأديان السماوية كافة وقدرتها خير تقدير, ولذا يلعب الموروث الثقافى الخاطئ دور الهدام لوسائل التقدم والتنمية، فعلى المثقفين والمستنيرين الإطاحة بهذه الأفكار البالية التى تقيد المرأة وتقف عقبة فى طريق تقدمها ونهضتها, فالمرأة أمانة ما خلقت للإهانة.
ساحة النقاش