كتب : جلال الغندور
ربة المنزل سيدة قررت أن تهب حياتها لأسرتها، تبتعد عن أي طموح عملي، تسعى لإسعاد أفراد عائلتها، ورغم أنها تكون فى قمة سعادتها عندما يحقق أحدهم النجاح إلا أن مشاعر الملل والإحباط من جراء التنازل عن طموحاتها العملية وتحقيق ذاتها، قد تتسلل إلى نفسها من وقت لآخر، فكيف ترى ربات البيوت هذا الوضع وهل تعوض سعادة ونجاح أفراد الأسرة ما تنازلن عنه من طموحات عملية؟
فى البداية تقول زينب ع،٤١ سنة وأم لولدين:تزوجتبعد تخرجي فى الجامعة بشهور قليلة بعدها شغلتني الأمومة عن أي أحلام شخصية، أعترف أني أشعر بالملل فى أوقات كثيرة خصوصا عندما يكون الأولاد في المدرسة وزوجي في العمل، ويراودني الخوف كثيرا أن يكبر الأولاد وأعيش وحيدة، ربما لو كنت أعمل لكانت حياتي مختلفة وأكثر تفاعلا.
وتقول أمنية م، ٤٠ سنة وأم لثلاث فتيات: كنت أعمل بأحد البنوك وبعد إنجابى للطفلة الأولى قررت التفرغ لرعاية أسرتي، لكن اليوم أشعر بالندم، فالملل والروتين يحيطاني من كل اتجاه وشقاوة بناتي أصابتني بالإحباطرغم أنهن ما زلن في مرحلة الطفولة،وأشعر أنني فقدتذاتي وتنازلت عن طموحاتى فى سبيل تربية بناتى.
نفس المشاعر والأحاسيس تواجه نسرين ل، أم البنتين والولد وصاحبة الـ ٣٩ سنة، ولكن لأسباب مختلفة تقول عنها:حلم العمل مؤجل منذ سنوات، فمسئوليات الأمومة والمنزل تحاصرني منذ أول يوم زواج، حيث بدأ حملي الأول بعد شهر واحد من يوم الزفاف، وكلما انتظرت أن تنتهي مرحلة من حياتي الأسرية لكي ألتحق بالعمل تبدأ مرحلة جديدة بمسئوليات أكثر، فرعاية الطفل تتحول لمساعدته في المذاكرة بعد دخوله للمدرسة، وطفل تلو الآخر تعاد الكرة دون تبديل، ما جعلنى أشعر بالإحباط بسبب إحساسي أن عمري مر دون تحقيق ذاتي، خاصة أن المسئوليات لا تنتهي والضغوط النفسية فى تزايد.
ترى مي ع، ٣٧ سنة وأم لولد، أن عدم عملها تسبب في مشاكل أكبر لابنها وزوجها، وتقول: لا يوجد سوا زوجى وابنى في حياتي لذلك أهتم بكل تفاصيل حياتهما، وأصمم أن أديرها بمعرفتي، زوجي يرى ذلك نوعا من الحصار، وأنا في بعض الأوقات أوافقه لكني أرفض تغييره لأنني سأتحول لشيء مهمل لو لم يكن لي الدور الرئيسي في حياتهما، لذا أختار كل شيء في مملكتي بداية من الطعام وانتهاء بملابس زوجي وطفلي.
الشعور بالحرية
تختلفسماح أ، ٣٤ سنة مع الآراء السابقة وترى أن حياتها سعيدة بسببتفرغها لبيتها، فتقول: النهار ملكي وحدي فبعد أن يخرج الأولاد للمدرسة أتمتع بحريتي، أشاهد التليفزيون وأتابع السوشيال ميديا في الوقت الذي تعاني فيه غيري من زحام المواصلات لتصل لعملها، كل صديقاتي اللائي يعملن يشتكين دائما من المجهود المضاعف الذي يبذلنه من أجل التوفيق بين العمل والمنزل وأشعر أنهن يحسدونني على حريتي وتفرغي.
وتوافقها الرأي لمياء ح، ٣٢ سنة أم لولدين وتؤكد أنها أفضل حظا من أخواتها وصديقاتها، فرغم مسئولية الأولاد والمنزلإلا أن ما يقع عليها من عبء لا يقارن بهن، فهن يعانين من العمل ومسئولياته بجانب الأولاد والمنزل، واعتبرت أن ساعات النوم الإضافية التي تتمتع بها بالمقارنة بقريناتها كافية وحدها لمنحها سعادة ضعف ما يتمتعن به.
أسباب السعادة
يعلق د. مصطفى حسين، استشاري الطب النفسي، على مشاعر ربات البيوت المتباينة بين الشعور بالملل والحرية قائلا: دائما ما نشتكي أن الرجال غير قادرين على تفهم مشاعر المرأة بشكل جيد، لكن أيضا المرأة في أحيان كثيرة لا تستطيع أن تفهم أسباب مشاعرها بشكل صحيح، فهى بصفة عامة تمر بتغيرات نفسية متعددة تتغير وفق كل مرحلة عمرية، وأن الإنسان غير المتخصص يرى مشاكله وفق ما يمر به من ظروف دون أن يدرك أن ما يواجهه من مشكلاتيمكن أن يتعرض لها غيره حتى لو اختلفت ظروفه.
ويتابع: في نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات من العمر تشعر معظم السيدات بانسحاب بساط العمر وينتابهن إحساس بأنهن لم يحققن ذاتهن بشكل يرضيهن، سواء كن عاملات أم لا، ربما تزيد النسبة بين ربات البيوت لكن تظل متقاربة بشكل واضح مع غيرهن من السيدات أصحاب الوظائف.
وأكد استشاري الصحة النفسية أن السعادة تتوقف على نظرتنا للأشياء، فهناك سيدات ينظرن للتفرغ للبيت أنه نوع من ضياع الأحلام، وأخريات ترينه تحررا من مسئوليات العمل، ناصحا بالبحث عن أسباب السعادة، وأن تدرك كل ربة منزل أهمية دورها فى حياة أسرتها، مشددا على أهمية تقديم الزوج كافة أشكال الدعم والسند لزوجته ربة المنزل وإشعارها أنها شريكة في نجاحه العملى، مع ضرورة منحها جزءا من وقته لكي يشاركها في المسئوليات ويبادلها الأحاديث.
فقدان الثقة
تقول هبة أبو خير، مدرب التنمية البشرية وخبيرة العلاقات:من أكثر الأشياء التي تسبب ضغوطا نفسية لربة البيت فقدانها الثقة في نفسها نتيجة غياب معيار ممكن أن تقيس عليه نجاحها مثل نظيرتها العاملة التي تقيس نجاحها في عملها بسهولة أكبر، لذلك يجب ألا تفقد ربة المنزل ثقتها بنفسها أبدا، وتدرك أنها تستمد ثقتها من داخلها وتحقيق دورها داخل أسرتها، كما يعد الروتين اليومى أحد مسببات الملل للسيدات جميعا بصفة عامة ولربة المنزل بصفة خاصة لذلك يجب عليهن كسرهمن خلال تخصيص وقت لممارسة هوايتها المفضلة.
وتؤكد هبة أن السعادة تنعكس من العقل الباطن لذلك يجب تدريبه بشكل مستمر ليشعر بها من خلالالوقوف أمام المرآة وترديد عبارة "هذا يوم سعيد"فهذا من شأنه أن يجنب العقل الباطن أى أمور سلبية ويجعله يركز على الإيجابيات.
ساحة النقاش