بقلم: د. داليا مجدي عبد الغني
يرى الجميع المرأة مثالا للنعومة والعُذوبة فقط، فهي نموذج لرُقي الإحساس، ولذا لم يكن الكثيرون يظنون أنها لديها القُدرة على القيام بأعمال تتطلب القُدرات الجسدية أو الأعمال التي تنطوي على اللياقة البدنية، ولكن دفعتنى الاحتفالات بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة إلى البحث عن دور المرأة المصرية في تلك الحرب الخالدة، لأتبين أن دورها لم يقتصر فقط على كونها أم الشهيد أو زوجته، ولكن دورها امتد للأعمال العسكرية الجليلة التي لا تقل في أهميتها عن أي جُندي في ميدان الحرب، فمثلا "فرحانة سلامة" تلك السيدة التي كانت تعيش في الشيخ زُويد والتي تركت بلدتها بسبب وجود قوات الاحتلال الإسرائيلي في سيناء، فقررت النزوح إلى القاهرة، وكان لها دور كبير في نقل الرسائل والأوامر من قيادات الأمن في القاهرة إلى الضباط وقيادات سيناء، رغم كل الإجراءات الأمنية المُشددة التي كان يقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي من تفيتش وترويع، إلا أن كل هذا لم يهز قرارها في النضال والجهاد من أجل تحرير أرض الوطن.
والسيدة فهيمة، تلك السيدة السيناوية التي كانت أول امرأة يتم تجنيدها من قبل المُخابرات الحربية لرصد المواقع الإسرائيلية على الضفة الغربية وخط بارليف، ومعرفة نوع السلاح وعدد القُوات، وكذلك السيدة مريم، التي أيضًا تم تكليفها لرصد حجم القوات الإسرائيلية في وسط سيناء، علاوة على تأمين الطرق للفدائيين، وفاطوم فلاحة فايد، والتي أسهمت بعشر دجاجات ذبحتها لإطعام رجال المُقاومة، وكلفها أحد الضباط بالذهاب إلى مكان بمركز آليات العدو الإسرائيلي لتختبئ بين الأشجار الكثيفة في منطقتي فايد وسرابيوم ومُراقبتهم عن كثب قبل وضع خطة الهُجوم عليهم، وبالفعل حملت ابنتها على كتفها زيادة في التمويه على العدو لكي تتمكن من تأدية مُهمتها على الوجه الأكمل.
والحكيمة إصلاح محمد، وهي امرأة قاهرية، وكانت ضمن هيئة تمريض مستشفى السويس الأميرية، وكانت تستمر في العمل بالمستشفى لمدة 24 ساعة متواصلة يوميًا أثناء المعارك وما بعدها، وكانت هي وزُملاؤها يتبرعون بدمائهم للمرضى في حالة نقص إمدادات الدم التي تصل إليهم.
كما كان للمرأة البدوية أثرًا فعالا في حرب أكتوبر، فهي التي قامت بتهريب الفدائيين وعلاجهم ومُساعدتهم في الوصول إلى الأراضي المصرية، من خلال طرق لم يعرفها العدو، وهذا بدافع حُب الوطن، علاوة على أن المرأة المصرية قد تطوعت في التنظيمات والهيئات النسائية من أجل المُساعدة في حرب أكتوبر، ونظمت نفسها في لجان تطوع بالمستشفيات من أجل مُساعدة أهالي المُجندين وتلبية احتياجاتهم، وأقامت العديد من المشروعات لرعاية المُعاقين ومُصابي الحُروب مثل مشروع "النور والأمل".
فالمرأة المصرية كافحت الاستعمار بشتى أنواعه، حيث كان لها دور وطني بارز من خلال إقبال الفتيات على تعلم الفُنون العسكرية بعد العدوان الثلاثي في عام 1956م، وبلغ عددهم 30 ألف فتاة، فالعمل العسكري ليس جديدًا على المرأة المصرية، فهي كانت تُؤدي هذا الدور في مصر القديمة، حيث تم منح أرفع وسام عسكري لـ "إياح حتب" أم الملك أحمس بعد الانتصار في حرب التحرير ضد الهكسوس، وكذلك الملكة أحمس نفرتاري زوجة الملك أحمس الأول، والتي لعبت دورًا بارزًا في معركة طرد الهكسوس، وكانت أول امرأة في التاريخ تتقلد منصب قيادة فرقة عسكرية كاملة، وقاتلت بضراوة في الحرب، فالمرأة المصرية هي التي وقفت بجوار الرجال تبني معهم حائط الصواريخ، وهي التي شاركت زوجها في إقامة القواعد، وهي الفلاحة المصرية التي عملت تحت قصف القنابل الإسرائيلية في بناء الدشم، وفي معارك الثغرة وقفت لتقديم الماء والطعام للجنود من تلقاء نفسها.
وكل ما سبق مجرد عينة تشريحية بسيطة من بُطولات المرأة المصرية المثابرة الشجاعة القوية التي لا تخشى أي شيء في سبيل الدفاع عن أرضها ووطنها، والتي تُقدم ابنها وزوجها فداءً للوطن، والتي تتبرع بدمائها ووقتها وصحتها وأعصابها من أجل جُنود هذا الوطن الحبيب، وعليه، فالمرأة رغم رقتها الشديدة وإحساسها المُرهف إلا أنها وقت المحنة والشدة تقف كالأسد الجسور الذي لا يهاب الموت في سبيل الدفاع عن قضيته التي يُؤمن بها بشدة، فهي حقًا جُندي مُجند في ميدان الدفاع عن الوطن.
ساحة النقاش