تحقيق: سمر عيد
على الرغم من كل الضجيج الذي يحيط بها تشعر رنا كلما عادت من المدرسة إلى بيتها أنها وحدها؛ فأمها منشغلة بإعداد الطعام لها ولإخوتها الأربعة، ووالدها لا تراه بالأيام نظرا لأنه يخرج قبل أن يستيقظوا صباحا كي يذهب إلى العمل، ثم يعود وهم بالمجموعة عصرا كي يأكل وينام، ثم يذهب إلى عمله الليلي ولا يعود للمنزل إلا بعد نومهم جميعا، وجميع إخوتها كل منشغل بدروسه ومشاكله؛ لذا فهي وحدها رغم كل هذا الضجيج، هذه لقطة سريعة لحياة رنا كما حدثتنا عنها معلمتها بالمدرسة والتي أخبرتنا أن رنا قد غدت تعاني من مشكلات نفسية كثيرة كالاكتئاب والعزلة والشرود الذهني وقلة التركيز والتأخر الدراسي.
وإذا كانت هذه لقطة لفتاة واحدة تعيش في أسرة كبيرة عدد أفرادها 6 أفراد، فما هى المشكلات التى يعانيها الأطفال الذين يعيشون فى أسر مشابهة؟
تقول تغريد سالم، طالبة بالصف الأول الثانوي: كنت طالبة متفوقة منذ صغرى وكنت مشتركة بنادي لأتعلم التايكوندو لكن أمي أنجبت أختي بعدي بأربع سنوات ثم أنجبت أخي بعدها بسنتين، واضطرت لنقلي إلى مدرسة أقل في المصروفات وأبعد عن منزلنا، تركت تدريبى حتى توفر أمي احتياجاتنا الضرورية، فتأخر مستواي الدراسي وشعرت أنني أقل من بقية صديقاتي وأصبحت لا أمارس رياضتي المفضلة.
وتقول ريم سعيد: ترتيبي بين إخوتى الثالثة، لدي أخان أكبر مني وأخت أصغر مني بعامين، كنا أسرة سعيدة بالفعل، لكن مع غلاء المعيشة وازدياد نفقات التعليم والطعام والفواتير اضطر أبي إلى السفر للعمل بالخارج، وتركنا وحرمنا منه ولم نعد نراه إلا مرة بالعام، فأضحينا كالأيتام الذين يعطف عليهم العم والخال ويتابعان شئونهم ووالدنا حي يرزق.
إذا كان هذا شعور الأبناء فكيف تتصرف الأم مع أبنائها فى الأسرة كثيرة العدد؟ هل تتمكن من الاهتمام بأبنائها على التساوى أم أنها تفضل البعض على الآخر؟
تقول سعاد إبراهيم، ربة منزل: إن كثرة الإنجاب جعلتنى لا أعدل بين أطفالى، أهتم بالصغار وطعامهم وصحتهم وأهمل الكبار وهو ما يشعر به الأبناء.
وتشكوا مي عبد الحميد، معلمة لغة إنجليزية بإحدى المدارس الخاصة من غيرة أطفالها من بعضهم البعض، وتقول: لدي 3 أطفال فقط جميعهم معي بالمدرسة التي أعمل بها، ورغم أنى لا أفرق بينهم في المعاملة والاهتمام، لكنهم يشعرون بالغيرة، فكلما اشتريت فستانا للفتاة أو لعبة يغارا منها أخواها، ويظلان يبكيان حتى أشتري لهما ملابس وألعاب جديدة، وكثيرا ما ضرب ابني الصغير أخته غيرة منها، حيث يشعر أنها الفتاة الوحيدة وأنا أدللها أكثر منهما.
ترتيب الطفل فى الأسرة
عن المشكلات التى يعانيها الأطفال جراء كثرة الإنجاب وازدياد عدد أفراد الأسرة الواحدة يقول د. إيهاب سيد أحمد مصطفى، الأستاذ بقسم العلوم النفسية بكلية التربية بجامعة المنيا: ينبغي علينا أن نفرق بين المشكلات النفسية التي يعانيها الطفل الأكبر والأصغر والذي يكون ترتيبه في الوسط، فكل طفل يتعرض لمشكلات بحسب ترتيبه في الأسرة، فالأكبر عادة ما يلقي والداه عليه بتحمل مسئولية تربية إخوته معهما، وهو ليس أباهم أو هي ليست أمهم، فنجد الأم تحمل الطفلة الكبيرة مسئولية أختها الصغرى وتتركها معها، وتطالبها بتحضير طعام لها إذا تأخرت في العمل أو انشغلت عنها، وبالتالي فالطفلة الكبرى تفقد طفولتها أو مراهقتها وتتحمل أعباء لا تستطيع القيام بها، كما أنها تصبح صاحبة سلطة على أختها وتصبح محظية عند والديها لأنها تقوم مقامهما أحيانا، أما بالنسبة للطفل الأصغر فهذا يكون مدللا أكثر من اللازم وكل طلباته مجابة وهذا أمر قد يجعله يفسد، والمشكلة الحقيقية في الأبناء الذين يكون ترتيبهم بالوسط فالطفل الثاني أو الثالث إن لم يكن الأخير يشعران أنهما كمية مهملة وأن حقوقهما ضائعة في المنزل، وهما يغيران كثيرا من الطفلين الأكبر والأصغر فيعمدان إلى ممارسة العنف ضدهما لأنهما يشعران أنهما أفضل منهما لدى الوالدين، وكلما زاد عدد الأبناء يشعر الطفل بالضجيج وعدم الراحة الأمر الذي يؤثر عليه نفسيا وصحيا، كما تزداد أعباء الوالدين المادية فيقصران في طعامه وشرابه والعناية به والسؤال عن مشاكله وحلها، وهذا قد يؤدي إلى مشكلات تربوية مستقبلا.
غربة ثقافية
من جانبها قسمت د. منار عبد الفتاح، استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري مشكلات الأطفال في الأسر الكبيرة وفقا للمستوى الاقتصادي، مؤكدة أن مشكلات كثرة الإنجاب في الطبقة العليا مختلفة عن مشكلاتها في الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود، وتقول: بالنسبة للطبقة العليا ومن دخلهم الاقتصادي ممتاز أو جيد جدا، فإن مشكلات الطفل ستكمن في عدم الاهتمام به من الناحية النفسية والتربوية فقط، لأن أسرته قد تكون تستعين بمربية أطفال وقد تكون لدى الأسرة عاملة في المنزل فتساعد الأم في الطهي والتنظيف وخلافه، لكن المشكلة هي أن الأطفال يعتادون على المربية خاصة إذا كانت أجنبية ويستقون ثقافتها وتقاليدها التي عادة ما تكون مختلفة عن مجتمعاتنا العربية وثقافتها وتقاليدها، فينشأ الطفل غريبا عن لغته وثقافته وعاداته ومجتمعه الذي ينتمي إليه، من ناحية أخرى قد يدفع المستوى الاقتصادي العالي الأطفال إلى الانجراف لسلوكيات مرفوضة خاصة أنه مع كثرة الإخوة لن يلاحظ الأبوان ظهور أية سلوكيات خاطئة عليه.
وتتابع: أما بالنسبة للطبقة المتوسطة فيعاني أطفالها الإهمال في الطعام والتعليم، وستقع الأم في حيرة بين أبنائها ولن تستطيع الاهتمام بهم جميعا خاصة إذا كانت امرأة عاملة، كما أنها لن تتمكن من أن تعدل بينهم مهما فعلت، ولن ترضي جميع الأطفال نظرا لأن كل منهم مختلف عن الآخر سواء في مستوى ذكائه أو التزامه أو حتى في مزاجه العام، ما يولد لديهم شعورا بالنقص والحرمان، وبالنسبة للطبقة الفقيرة فهذه الطبقة تنجب أطفالا كثر لكي يعملوا بمهن مختلفة، ويترسخ لدى بعض أفراد هذه الطبقة أن كثرة الأطفال مصدر للدخل ومع الأسف يتسرب أغلبية هؤلاء الأطفال من التعليم ويعملون في مهن لا تناسب بنيتهم الجسمانية، وقد يتعرضون للاغتصاب أو الاعتداء عليهم في سن مبكرة الأمر الذي يجعلهم فعليا قنابل متحركة تسير على الأرض، فالطفل يفقد براءته مبكرا ولا يحظى بالاهتمام الكافي من الأسرة، كما أنه يحقد على الأطفال الآخرين الذين يعلمهم أباءهم وأمهاتهم،ويبدأ في الانتقام من المجتمع الذي لم يحاسب الأب والأم على الإساءة إليه كطفل، كما يصبح ضحية فيما بعد لعصابات السرقة والمخدرات والإرهاب حيث يسهل استقطابه لأنه لم يجد الاهتمام الكافي بمنزله.
ساحة النقاش