أماني ربيع

لعقود، كانت الثانوية العامة كابوسا للأسر المصرية، لأنها أشبه بلعبة حظ، يحظى فيها الطالب بفرصة واحدة لتحديد مستقبله، وليس بإمكانه الإعادة أو التحسين وهو ما شكل عبئا نفسيا كبيرا على الطلاب، وهو ما دفع للتفكير في نظام جديد أكثر مرونة يقوم على تعدد الفرص، يمنح الطالب أكثر من فرصة في الامتحانات وهو ما اقترحه وزير التربية والتعليم لنظام بديل لها باسم "البكالوريا المصرية" فما هى مميزات هذا النظام؟ وهل سينجح فى معالجة مشكلات النظام الحالى؟

فى البداية يرى د. حسن شحاتة، أستاذ المناهج بكلية التربية بجامعة عين شمس أن نظام البكالوريا المصرية يمثل نقلة نوعية في مسيرة التعليم المصري المتنامية، موضحا أنها شهادة دولية تخفف من مشكلات الثانوية العامة، كما أنها تهدف في الأساس إلى الانتقال من ثقافة الحفظ والتخزين إلي ثقافة التفكير والنقد وإبداء الرأي، كما أنها تربط التعليم بمهارات سوق العمل.

ويقول: سيوفر النظام الجديد تنوعا في التخصصات التي يتطلبها سوق العمل، حيث تقدم أربعة تخصصات هي: "الطب وعلوم الحياة" و"الهندسة وعلوم الحاسب" و"قطاع الأعمال"، بالإضافة إلى تخصص الآداب والفنون وكلها ترتبط بسوق العمل والتدريب في المؤسسات الإنتاجية ما يقلل من أعباء الثانوية العامة على الأهالي والطلبة من حيث الدروس الخصوصية والكتب الخارجية، ومن مميزات "البكالوريا" أنها تقضي على قلق وتوتر الثانوية العامة، فتقدم أربعة امتحانات للطالب، امتحانين في الصف الثاني، وآخرين في الصف الثالث كبديل عن الامتحان الوحيد الحالي في الثانوية العامة ما يتيح للطالب الذي ينقص مجموع درجاته عن الكلية التي يريد الالتحاق بها أن يلتحق بالسنة التكميلية في الجامعة ليدرس المواد الأساسية المؤهلة لتلك الكلية وينتقل بعدها دون امتحان إلى كليته التي يرغب فيها.

ويلفت د. شحاتة إلى وجود مغالطات تربوية في فهم نظام "البكالوريا" أولها ما يطرحه البعض لماذا التعجل في تطوير المرحلة الثانوية، مع أن التطوير وصل الآن إلى الصف الأول الإعدادي، وأن علينا الانتظار عامين قبل تطوير مناهج المرحلة الثانوية، وهذا فكر ينطوي على خطأ تربوي فادح لأن تطوير المناهج الدراسية يبدأ من وضع مظلة أو تصور عام  يحدد الأهداف النهائية التي سيصل إليها في نهاية المرحلة الثانوية، وتوضع الأهداف في مصفوفة واحدة هي مصفوفة المدى والتتابع التي تحدد أهداف كل مادة دراسية في كل مرحلة تعليمية في ضوء هذه الأهداف النهائية، والأمر أشبه ببناء عمارة تبدأ برسم تخطيطي قبل البدء في التنفيذ، ويبدأ التنفيذ منطقيا من أسفل إلى أعلى حتى يكتمل البناء، أي أن أهداف المرحلة الثانوية المستهدفة معلومة مسبقا ومحددة بدقة لدى معدي ومتخذي القرار.

هيكلة المناهج

يكشف د. حسن عن المغالطة الثانية قائلة: يدعى البعض أنه لا تطوير دون تقويم، بمعنى أن وزارة التعليم لم تقم بما قامت به من هيكلة مناهج المرحلة الثانوية في أول العام الدراسي الحالي، قبل الحديث عن البكالوريا المصرية كتطوير للمرحلة الثانوية، وقد نسي هؤلاء المغالطين أن هيكلة المناهج، ليست تطويرا بل إصلاحات عاجلة لمشاكل متراكمة تعاني منها المناهج الدراسية في المرحلة الثانوية، وأن التطوير هو فكر تربوي مدروس يضع المناهج المصرية في إطار المناهج الدراسية العالمية، وأن التطوير فلسفته وخطواته ومكوناته ومحتواه، وأنشطته وتقنياته وتقويمه، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بهيكلة المناهج الدراسية التي نفذت في بداية العام الدراسي.

أما المغالطة الثالثة كما يرى أستاذ المناهج بجامعة عين شمس، هي: كيف يتم تطوير الصف الأول الثانوي بداية العام القادم، بينما لم نعد المواد التعليمية والمعلمين للصف الأول الثانوي، وقد نسي هؤلاء أن بحث مسألة البكالوريا المصرية تمت دراسته منذ خمسة أشهر وأن المئات من خبراء التربية في المراكز التربوية الثلاث التابعة للوزارة،  قد حددت وأعدت كل الإجراءات اللازمة لسلامة ودقة التنفيذ، أما المغالطة الرابعة هي: أن تطوير عملية شامة متكاملة تشمل جميع العناصر التعليمية وليست المناهج الدراسية فحسب، وقد فات هؤلاء الواقفون ضد التطوير أن التخطيط قد تم، وأن التنفيذ يتم في خطوات متتابعة، مشيرا إلى أن كل هذه مغالطات ورطانة، وأن التفكير الإيجابي مطلوب لمساندة ودعم الذين يبنون الشباب للجمهورية الجديدة.

تعليم متعدد التخصصات

من جانبها ترى د. فاتن عبدالهادي، الخبيرة التربوية أن نظام البكالوريا الجديد يهدف إلى تطوير العملية التعليمية وتلبية متطلبات سوق العمل المتغير، والتركيز على تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب، بدلا من الحفظ والتلقين التقليدي، بالإضافة إلى ربط المعرفة النظرية بالتطبيق العملي، وتشجيع الطلاب على حل المشكلات بواقعية، مشيرة إلى أن دمج المواد الدراسية المختلفة يوفر رؤية شاملة للطلاب من خلال التعليم متعدد التخصصات.

وتضيف: يعتمد النظام الجديد على التقييم المستمر طوال العام الدراسي بدلا من التركيز على الامتحانات النهائية، كما يسعى للحصول على اعتراف دولي لشهادة البكالوريا المصرية ما يسهل على الطلاب الالتحاق بالجامعات العالمية، بالإضافة إلى تطوير المناهج الدراسية لتشمل مواضيع حديثة ومهارات مطلوبة في سوق العمل، والتدريس بطرق حديثة تعتمد على التفاعل والنشاط، لافتة إلى أن القبول المجتمعي لهذا النظام الجديد مسألة تحتاج لوقت، ولتحقيق أقصى استفادة من نظام البكالوريا الجديد يجب زيادة الاستثمار في التعليم، وتخصيص المزيد من الموارد المالية والبشرية للتعليم، وتوفير برامج تدريب مستمرة للمعلمين، ومواكبة التطورات العالمية في مجال التعليم وتحديث المناهج بشكل دوري، وإجراء تقييم مستمر للنظام لتحديد نقاط القوة والضعف واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسينه.

الاستثمار فى الطلبة

يوضح  د. محمد خليل، الخبير التربوي أن نظام البكالوريا المصرية يقلل من أعباء الطالب في السنة الواحدة، كما يقلل من العبء النفسي الذى يصاحب المرحلة الثانوية في البيوت، ويخفف عن أولياء الأمور، وهو شبيه بنظام "IG" البريطاني، مشيرا إلى أن خوف الناس من التجربة أمر طبيعي، لأن الناس تخاف من كل شيء جديد ويفضلون ما اعتادوا عليه، كما أن هناك حوارا مجتمعيا تم لمناقشة النظام الجديد والوقوف على كل أبعاده.

ويقول: أهم أهداف هذا النظام الجديد ربط التعليم بسوق العمل وهو أمر لابد منه في عالم اليوم، لأن الاقتصاد العالمي لن يتحمل أي خريج عالة، وهناك تخصصات عديدة موجودة لكنها غير مطلوبة في سوق العمل، بينما هناك تخصصات أخرى يجب التوسع في تدريسها مثل الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، وغيرها من التخصصات التي فرضها التطور والعالم بحاجة إليها الآن، كما أن تطوير المناهج ليس أمرا جديدا، والعنصر الأهم الاستثمار في الطلبة لأنهم جيل الغد، ويجب التركيز على تعليم طالب قدر من المرونة في التفكير، ولديه حب للتعلم والبحث والمعرفة، بحيث مهما كانت الشهادة التي يحملها يكون بإمكانه مجاراة متطلبات سوق العمل وتطوير نفسه ومهاراته بالدراسة والتدريب، ويصبح لديه القدرة على تغيير مساره، وذلك بتنمية شخصية قادرة على التعلم.

المصدر: أمانى ربيع
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 378 مشاهدة
نشرت فى 9 فبراير 2025 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

24,057,762

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز