أماني ربيع
تعد المراهنات الإلكترونية ظاهرة خطيرة تهدد الصحة النفسية للأفراد واستقرار المجتمع، وقد انتشرت بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، حيث توفر منصات الانترنت إمكانية المشاركة في الرهانات على الأحداث الرياضية والألعاب الإلكترونية.
ومع تزايد سهولة الوصول إلى هذه المنصات ازدادت المخاوف حول الآثار السلبية للمراهنات الإلكترونية، خاصة على الصحة النفسية للأفراد والمجتمع ككل، فعلى الرغم من أنها قد تبدو وسيلة للترفيه أو تحقيق الربح السريع إلا أن عواقبها تفوق بكثير أي فوائد محتملة، لذلك من الضروري اتخاذ إجراءات وقائية وتوعوية للحد من انتشار هذه الظاهرة وحماية الأفراد من أضرارها.
شنت وزارة الداخلية حملات مكثفة لملاحقة مواقع المراهنات الإلكترونية وإغلاقها، والقبض على أفراد عصابات متخصصة في الترويج لهذه الأنشطة الضارة بالأسرة والمجتمع، وحذرت الوزارة المواطنين مع التعامل مع مواقع المراهنات التي تستدرج الأشخاص عن طريق تحقيق مكسب سهل وسريع لتشجعهم على المراهنة أكثر لتكبدهم بعد ذلك خسائر كبيرة.
وقد تدفع هذه الخسائر البعض إلى ارتكاب جرائم للحصول على المال لتعويض الخسارة، مثل الموظف الذي اختلس ملايين الجنيهات من الشركة التي يعمل بها لتعويض خسارته في المراهنات، والشاب الذي قتل جدته طعنا لأخذ أموالها من أجل المراهنة بها، وقد يخسر البعض حياته نفسها مثل الشاب الذي انتحر شنقا بسبب خسارته المتكررة في تطبيقات المراهنات.
من جهته أصدر الأزهر فتوى بتحريم أحد الألعاب المثيرة للجدل ومنصات الألعاب التي تعتمد على الحظ، محذرا من أن ألعاب المراهنات والمسابقات التي تعتمد على الحظ هي نوع من المقامرة التي حرمها الإسلام، ومن يمارسها آثم، والأموال المكتسبة منها حرام، لأنها تؤدي إلى الإدمان وإهدار المال.
مشكلة للأسرة
يشكل هذا النوع من المراهنات مشكلة كبيرة للأسرة وعن ذلك يقول محمد. ع، موظف: إن زوجتى اكتشفت مبلغا كبيرا من المال في دولاب ابنى الطالب بالثانوي، وعندما واجهناه اعترف أنه يقوم مع أصدقائه بأخذ ثمن الدروس والمراهنة بها على نتائج مباريات كرة القدم، وعندما يكون توقعه للفائز صحيحا يكسب الكثير من المال.
ويضيف: شعرت بالصدمة لأن الولد يكذب علينا، ويأخذ النقود المخصصة للدروس، كما أنه لا يذهب للدروس أو يذاكر جيدا، عرفنا من أصدقائه وأخبرت أهلهم بالأمر، واتفقنا على منع الأولاد من استخدام الهواتف كعقاب أما النقود فطلبنا منهم التبرع بها، وأنا اخترت التحدث بعقل وشرح مساوئ الأمر لابني وكيف جعلته المراهنات يقترف أكثر من خطأ.
أما السيدة علا. س، ربة منزل فقد واجهت مشكلة مع ابنها المراهق الذي كان يقضي وقتا طويلا على الموبايل في ممارسة أحد الألعاب الإلكترونية، واكتشفت اختفاء أحد خواتمها الذهبية، لتعرف بعدها أن ابنها كان وراء سرقة الخاتم.
وتقول: تحدثت بهدوء مع الولد لأفهم سبب فعله لذلك فأخبرني أن أحد أصدقائه عبر اللعبة تحدث معه عن طريقة يجلب بها الكثير من المال عن طريق المراهنة وبالفعل كان يكسب الكثير من النقود ثم بدأ الحظ يتغير وسرق الخاتم على أن يستعيده عندما يكسب مجددا.
وتضيف السيدة علا: اتفقت مع والده على منع الانترنت في المنزل تماما واستبدلنا الهاتف الذكي بهاتف عادي من أجل الدروس، وأصبحت أذهب مع الولد إلى الدروس والتمارين، وحاولنا أن نشغل وقته أكثر بالأنشطة خاصة أنه يحب صناعة المشغولات الخشبية، فساعدناه ليجعل الهواية نوع من الاحتراف يكسب به مال خاص به لكن بطريقة مشروعة وآمنة.
الشباب فريسة سهلة
يقول الخبير الرقمي محمد هاشم: إن مواقع المراهنات تستهدف الشباب الذين يعتبرون فريسة أسهل ويمكن السيطرة عليهم وإغرائهم بالربح السريع، وذلك عن طريق إعلانات مواقع التواصل الاجتماعي التي تعدهم بالأموال الوفيرة مقابل ضغطة زر، فيبدأ المراهق التجربة في البداية بدافع التسلية أو الفضول، ومع كسب الأموال يتحمسون أكثر حتى تبدأ الخسارة بعد أن يتحول الأمر لديهم إلى نوع من الهوس وقد يلجأ البعض للسرقة لتعويض الخسارة.
وأشار الخبير الرقمي إلى أن الذكاء الاصطناعي ساهم في الترويج لهذا النوع من المراهنات عن طريق إنشاء فيديوهات يظهر خلالها بعض المشاهير الذين يحظون بثقة الشباب من نجوم الكرة العالمية والفن لتشجيعهم على المراهنة عن طريق الإغراء بالمكسب السريع دون تعب أو مجهود، وللأسف يقع الكثيرين فريسة لهذا الإغراء ويخسرون أموالا طائلة، وبخلاف السرقة وهي سلوك شائع لمدمني المراهنات، قد يلجأ البعض في لحظات اليأس مع الخسارة المتكررة للانتحار.
وأوضح أن خطورة هذه المراهنات تكمن في سهولة الوصول إليها سواء عن طريق الألعاب الإلكترونية التي يحبها المراهقين ويقضون وقتا طويلا على الموبايل لممارستها ويمكن من خلالها تكوين صداقات مع أشخاص مجهولين يستطيعون التأثير في الأطفال والشباب الصغير، وكذلك الترويج لها من خلال أنشطة محببة مثل الرياضة خاصة كرة القدم التي تحظى بشعبية كبيرة بين المصريين، لذا يجب وضع قوانين رادعة تحمي بيانات الأشخاص وتحجب أي تطبيقات تروج لأنشطة محظورة مثل المراهنات الإلكترونية.
طريق إلى الإدمان
ترى د. إيمان سمير، خبيرة الصحة النفسية والعلاقات الأسرية أن خطورة المراهنات الإلكترونية تكمن في أنها من الأنشطة التي يمكن أن تؤدي إلى الإدمان بسرعة بسبب سهولة الوصول إليها والإثارة التي توفرها مع الكسب السريع للأموال، وقد يفقد الشخص السيطرة على سلوكه ويستمر في الرهان رغم العواقب السلبية.
وتقول: إن الإفراط في المراهنات قد يؤدي إلى الإحباط لأنه بعد الفوز في البداية قد تحدث الخسائر التي تجعل الأشخاص يلجئون لاقتراض الأموال أو سرقتها، كما قد تؤدي أيضا إلى تدهور العلاقات الأسرية والاجتماعية حيث يصبح الفرد منعزلًا أو متوترًا بسبب تركيزه على الرهانات، وتحدث الخلافات مع الأصدقاء والعائلة، وقد يؤدى الإدمان على المراهنات إلى زيادة مستويات القلق والاكتئاب خاصة عند تكرار الخسائر المالية، وقد يشعر الفرد بالذنب أو اليأس بعد خسارة مبالغ كبيرة من المال.
ولمواجهة هذه المشكلة ترى خبيرة الصحة النفسية أنه يجب توفير خدمات الدعم النفسي للأفراد الذين يعانون إدمان هذا النوع من المراهنات، مثل الخطوط الساخنة ومراكز العلاج، ويمكن تشجيع الشباب على المشاركة في أنشطة بديلة مثل الرياضة، الفن، أو التطوع في أعمال إنسانية، ويفضل اتباع أسلوب المواجهة الهادئة بدلا من اللجوء إلى العقاب العنيف، لأن العنف مع المراهقين والشباب قد يؤدي إلى مزيد من العند ويفاقم المشكلة بدلا من حلها.
يلفت د. سيد سلامة، أستاذ علم الاجتماع إلى خطورة المراهنات الإلكترونية خاصة على الشباب الذي يعد أكثر الفئات عرضة للإدمان على هذه الآفة الرقمية مما قد يؤثر على مستقبلهم التعليمي والمهني، مشيرا إلى أن المراهق الذي لا يملك مصدر دخل قد يلجأ إلى السرقة أو الاحتيال لتأمين الأموال اللازمة للرهان، كما قد يتعرض الشباب لاستغلال من قبل المنظمات غير القانونية التي تدير عمليات المراهنات.
ويقول: إن الإفراط في ممارسة هذا النوع من المراهنات قد يتطور إلى سلوك قهري بحيث يصعب على الشخص التوقف عنه رغم معرفته بالعواقب الوخيمة، ثم يبدأ في تجاهل المسئوليات اليومية مثل العمل أو الدراسة بسبب تركيزه على المراهنات، وبين الأشخاص الأكبر سنا قد يخسر الأفراد مدخراتهم أو دخلهم الشهري، وتزداد معدلات الجريمة مثل السرقة والاحتيال بسبب الحاجة إلى تمويل الرهانات.
وللحد من أخطار المراهنات الإلكترونية، يرى د. سلامة ضرورة توعية الشباب بمخاطر المراهنات الإلكترونية من خلال الحملات التوعوية وبرامج التعليم، وكذلك تنظيم القوانين، حيث يجب على الحكومة تنظيم عمليات المراهنات الإلكترونية وفرض قيود على الإعلانات التي تستهدف الشباب.
ساحة النقاش