سمر عيد

تنشئة الطفل لا تقصر على رعايته تعليميا ومتابعة دروسه، أو حتى تعليمه القيم الاجتماعية السوية والأخلاق الحميدة بل تتعدى لبناء الشخصية وتعويده الاستقلالية وتحمل المسئولية فى اتخاذ القرارات حتى يشب صاحب شخصية قوية، بجانب الاهتمام بمهاراته والعمل على تنميتها، وهو ما يؤكده خبراء التربية، لكن كيف تسهم تنمية المهارات فى تقويم سلوك الطفل، وما سبيل بناء شخصية سوية نافعة للمجتمع والوطن؟

 

البداية مع نور سامح، ربة منزل وتقول: ابني كان يضرب زملاؤه في المدرسة، وقد بدأ العنف يتسلل إلى كل أفعاله وهو في الصف الرابع الابتدائي، وكنت كل يوم يتم استدعائي من قبل مدير المدرسة بسبب تصرفاته العنيفة، لكن بعد بحث حالته مع الأخصائية الاجتماعية توصلنا إلى أن لديه طاقة مفرطة يحاول إخراجها ونصحتني أن ألحقه بأحد النوادي لممارسة رياضة دفاعية، وبالفعل اشتركت في نادي قريب من المدرسة وجعلته يمارس رياضة "البوكسينج"، بعدها بفترة قصيرة وجدته ينسجم مع زملائه في المدرسة، وأصبح لا يضربهم مطلقا وكون صداقات حقيقية مع بعضهم.

 

أما مارينا عادل، معلمة لغة إنجليزية بإحدى المدارس الخاصة فتقول: كانت ابنتى تهوى سماع الموسيقى والأغاني طيلة اليوم، وكانت تردد أغاني هابطة تفسد الذوق العام، وكنت أحاول بكل طاقتي أن أمنعها من سماع هذا الإسفاف لكن دون جدوى حتى هداني تفكيري للاشتراك لها في مركز تنمية المواهب بالأوبرا المصرية لتدريبها على عزف البيانو، وعندما سمعت وتذوقت الموسيقى الحقيقية وعرفت الفن الصحيح بدأت تتجنب سماع الأغاني الهابطة من تلقاء نفسها، وأصبح لها أذن وعين ناقدتين تستطيع أن تفرق بهما بين الغث والثمين في كافة مناحي الحياة.

 

يصنع النابغين

يقول د. حسن شحاتة، أستاذ التربية بجامعة عين شمس ومؤلف الكتب المدرسية وخبير المناهج التربوية: اكتشاف المواهب مهمة الأسرة والمدرسة معا، ويمكن بسهولة اكتشاف موهبة أي طفل من خلال اللعب وملاحظته ثم توجيهه، والاكتشاف يتم عن طريق المقاييس النفسية ومدى تفاعل كل طفل مع الأنشطة المدرسية، وإذا ركزنا مع أطفالنا سنجد أن هناك من لديهم موهبة، وتشجع وزارة التربية والتعليم اكتشاف المواهب بالتعاون مع وزارتي الشباب والرياضة والثقافة، ومن خلال الرحلات المدرسية والأنشطة المكتبية يمكن اكتشاف المواهب، ومن ثم عمل بطاقة رقمية لكل طالب عن موهبته وما يتميز به عن الآخرين، لكن مع الأسف تعتقد بعض الأمهات خطأ أن هذه الأنشطة قد تتسبب في تعطيل الطالب عن دراسته والعكس صحيح لأن من شأن هذه الأنشطة أن تحبب الطفل في التعليم وتجعله أكثر تركيزا واستيعابا بل تؤدي إلى نبوغه وتفوقه لأنه سيصبح مبدعا وسيجد دائما أفكارا خارج الصندوق لتنظيم وقته، كما أن تعليم الطفل من الصغر الفن الراقي والابداع الحقيقي يجعله إنسانا متحضرا يستطيع أن يفرق بين الفن الهابط الرديء والراقي الذي لديه رسالة اجتماعية حقيقية.

 

لا تكبت موهبة طفلك

يوضح د. أحمد البهي، أستاذ التربية بجامعة المنصورة أن اكتشاف موهبة الطفل تبدأ من عمر 3 سنوات من خلال ميله للعب بألعاب دون أخرى، ويقول: مهمة الوالدين تشجيعه وتوجيهه من خلال الاشتراك بنادي رياضي أو ثقافي أو مركز للفنون التى توفرها كافة الوزارات المعنية بدءا من وزارة الثقافة وحتى وزارة الشباب والرياضة والمتمثلة في مراكز الشباب المنتشرة بالمحافظات المختلفة إلى وزارة التربية والتعليم التي تكرم المتفوقين بكل نشاط سنويا، ووزارة التعليم العالي التي تتيح لطلاب الجامعة اكتشاف مواهبهم من خلال مسرح الجامعة ودعيني أهمس بنصيحة في أذن كل أم أن الموهبة لن تجعل طفلك يغير مساره ويصبح فنانا بدلا من طبيب أو قاضي، فقد يصبح الطبيب الفنان والقاضي الشاعر؛ لأن الموهبة لا تحول بين الإنسان وعمله في المستقبل بل تجعله أكثر تركيزا واجتهادا، وتجعله إنسانا قبل أي شيء.

 

التطوع والتفاعل الاجتماعي

توجه د. ريهام عبدالرحمن، الاستشاري  النفسي والأسري والتربوي أنظارنا إلى أن هناك فارق كبير بين الموهبة والمهارة؛ فالأولى ربانية تخلق مع الإنسان لا يبذل مجهودا فيها بل على العكس هو يشعر بالمتعة عندما يبدع ويخرج هذه الموهبة، أما المهارة فهي مكتسبة من المجتمع والبيئة المحيطة به،.

 

وتقول: يساعد العمل التطوعي والتفاعل الاجتماعي مع المحيط في اكتشاف مواهب مختلفة لدى الطفل، وبحسب دراسة علمية يزيد التطوع من رفع هرمون السعادة لدى الشخص بنسبة 44%، ويزيد من (الدوبامين والسيترونين )المسئولين عن الشعور بمشاعر إيجابية لتحفيز الأشخاص على القيام بالمهام الحياتية المختلفة، وتبرز من خلال التطوع مهارة القيادة أو الشعر مثلا لدى الأطفال، وننصح كخبراء الأمهات والآباء بعدم تلبية كل طلبات الطفل حتى يشعر بالملل فيبدأ بتجربة أشياء جديدة والتى من خلالها يمكن ملاحظة ميوله.

 

ويتابع: المواهب ليست تمثيلا ورسما وموسيقى وكتابة فقط؛ فقد يميل طفلي إلى تربية الحيوانات الأليفة أو لخدمة وتنظيم المدرسة في جماعة النظام بالمدرسة، هنا تكمن لديه مواهب وقدرات إنسانية وقيادية، كما أن الموهبة قد تكون ذكاء عاطفي مع الآخرين أو حسابية في الرياضيات أو الكمبيوتر أو البرمجة، وعلى كل فإن ممارسة المواهب المختلفة تزيد من تقدير واحترام الإنسان لذاته نظرا لأن والديه كانا يقدرانه كثيرا وهو يمارس هذه الهواية، وتجعله شخصا يتحكم فى انفعالاته يجيد التفكير المنطقي في المواقف الصعبة، كما أنها تخلق شخصا يستطيع إدارة أية أزمة والتغلب عليها دون التعرض لهزات نفسية أو عصبية قد تدفعه إلى ارتكاب أفعال حمقاء يندم عليها فيما بعد، فتحقق له السلام النفسي والتصالح مع ذاته وتقبل شخصيته والآخرين بكل عيوبهم.

المصدر: سمر عيد
  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 143 مشاهدة
نشرت فى 17 إبريل 2025 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

24,951,359

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز