هدى إسماعيل
في ظل التحديات الاجتماعية والتكنولوجية التي يواجهها الأطفال والمراهقون، يبحث الآباء عن طرق لضمان سلامة أبنائهم، خاصة في ما يتعلق باختيار الأصدقاء ومراقبة التفاعلات دون المساس بخصوصيتهم في عصر تتشابك فيه العلاقات الاجتماعية بين الواقع والافتراضي، وتزداد فيه التحديات التي تواجه الأبناء من تنمر إلكتروني وتأثيرات سلبية للأصدقاء، وبين هذا وذاك يجد الآباء أنفسهم أمام معضلة تربوية شائكة ويتساءلون كيف نحمي أبناءنا دون أن نعزلهم؟ وكيف نراقبهم دون أن تتأثر ثقتهم بأنفسهم؟
في البداية تقول أم محمد، أم لثلاثة أطفال: لا أفرض على أبنائي أصدقاء محددين، لكنني أحرص على معرفة كل من يتعاملون معه، أدعو أصدقاءهم إلى المنزل لأتعرف عليهم، وألاحظ كيف يتحدثون ويتصرفون، الأهم هو زرع الثقة في أطفالي حتى يخبروني إذا تعرضوا لموقف مزعج.
ويقول يوسف عبد الحليم، مدرس تاريخ: أتابع أصدقاء ابني عبر وسائل غير مباشرة، مثل متابعة نشاطه في النادي الرياضي أو في حفلات المدرسة أيضًا، أستخدم تطبيقات المراقبة الأبوية لتحديد مواقعهم عند الخروج، لكن دون التطفل على محادثاتهم.
وتقول سارة، طبيبة أسنان: تبدأ دائرة الأمان بتعليم الطفل مهارات الاختيار منذ سن مبكرة، مثلا: أسأله هل تشعر بالسعادة مع هذا الصديق؟ أو هل يحترمك؟ بهذه الطريقة ننشئ طفلًا واعيًا قادرًا على التمييز دون وصاية مفرطة.
أما نور فهي، والدة لفتاة في سن المراهقة فتقول: تفضل ابنتي التواصل مع صديقاتها عبر برامج التواصل الحديثة، وقد اتفقنا أن أكون متابعة لها على كل المنصات، لكن دون تدخل إلا إذا لاحظت خطرا، كما أنني أطلعها على أخبار التنمر الإلكتروني لتحذر من الوقوع فيها.
اختيار الصديق
عن اختيار الصديق الجيد تقول د. ريهام عبد الرحمن، استشاري الطب النفسي والإرشاد الأسري: اختيار الصديق الجيد هي مسئولية كبيرة يقوم بها الأب والأم تتم من خلال مشاركة أبنائهم في الاختيار سواء وهم أطفال أو حتى بداية عمر المراهقة، ويبدأ ذلك عندما يكون الأب والأم قدوة لأبنائهم في التعامل الراقي مع بعضهم البعض بمعنى لا يوجد خلافات زوجية أو ندية في التعامل، لأن أحد معايير اختيار الصديق الجيد القدوة، بالإضافة إلى ذلك يجب توضيح دور الصديق الجيد للأبناء وصفاته، ومن خلال القصة أُوضح لهم دور الصديق الجيد والمناسب لكن بطريقة غير مباشرة فالأبناء خاصة في مرحلة المراهق لن يتقبلوا النصيحة المباشرة، لذا دائما عند توجيه نصيحة يجب أن تكون داخل قصة أو حكاية أو أمثلة حية من الواقع، والتي تبدأ بتوجيه أن الصديق الجيد الذي تشعر معه بالأمان والرضا والسعادة، وهو الذي يعتذر عن الخطأ، ويلتزم بحدوده أوقات الخلاف.
وتضيف: يجب أن يكون هناك حوار مفتوح بين الأهل والأبناء، يتعرفون من خلاله على ما تعرضوا له خلال يومهم ويقدمون لهم النصيحة، ويجب الانتباه إلى أن الذي يساعد الأبناء على فتح حوار مع الآباء أن لغة الحوار تكون هادئة خالية من الاتهام أو التوبيخ، وعدم إشعارهم بالملل من الحديث معهم أو الاستماع لهم وفي نفس الوقت لا نقاطعهم أثناء الحديث ولا نقلل منه أو من مشاعرهم، ومن الأمور المهمة تدريب الطفل على وضع الحدود بينه وأصدقائه خاصة المراهقين، وتوجيه النصح إليهم بعدم التحدث في أسرار المنزل مع الأصدقاء أو التحدث في الأمور العائلية معهم مهما كانت درجة الصداقة حتى تتأكد من صدقه وأمانته في التعامل معاك من خلال المواقف.
وتضيف: حتى يقوم الأبناء بتكوين صداقة قوية يجب أن نوضح لهم القيم والأولويات، فالطفل في السن الصغير لن يفهم معنى قيم وأولويات وهنا يأتي دور الأم من خلال الشرح والتوضيح لمعاني هذه المصطلحات، كما يجب تشجيع الطفل على التنوع فى اختيار الأصدقاء ما بين المدرسة والنادي والعائلة والأقارب مع تحذيره بأن ليس كل الصداقات عليه أن يضيفها إلى حياته ودائرة علاقاته، وتعليمه تقبل البيئات المختلفة للأصدقاء الجدد، وعدم الخوف من تميز الآخرين، فتمييزهم خاصة الأصدقاء لا ينقص منه شيئا بل يدفعه للسعى لتحسين مستواه وتطوير ذاته.
الدعم أهم من العقاب
تقول د. شيماء إسماعيل، استشاري العلاقات الأسرية وتطوير الذات: هناك عدة طرق لحماية أبنائنا من أصدقاء السوء وهي:
- قوي علاقتك به اجعليه دائما يشعر بالأمان والثقة حتي يحكي لك عن أوقاته خارج المنزل.
- تعليمه كيفيه الاختيار الصحيح.
- تابعيه دون مراقبة حتى تتعرفي على تصرفاته وأفعاله خارج المنزل.
- شجعيه على أنشطة مفيدة، مثل ممارسة الرياضة أو ورش تنمية أو أي نشاط إيجابي يقوم فيه بتكوين صداقات صحية.
- والأهم أن تكوني أنت القدوة فيجب أن يرى كيف تختارين أصدقاءك بعناية.
- قدمي له بدائل صحية إذا كان هناك صديق سلبي، قدمي له المساعدة لكي يتعرف على أصدقاء أفضل دون أن يشعر أنك تتحكمين فيه.
- علميه ثقافة الرفض"لا" والتعبير عن رأيه بطريقة لائقة من غير خوف.
وعن الطرق التي على الأم اتابعها لكي تكون صديقة لأبنائها دون فرض سيطرتها تقول: دائما استمعي لهم باهتمام من غير مقاطعة لحديثهم، شاركيهم اهتماماتهم، واظهري لهم الحب والتقدير بالكلام والاحتواء وابتعدي عن أسلوب الأوامر، ودائما ضعي حدودا واضحة لابنك مع الأصدقاء دون عنف أو تسلط، مع إعطائه الحرية في التعبير حتى يخطأ ويتعلم من خطئه، ولا تجعلي عملك ومنزلك يأخذ كل وقتك فيجب تخصيص وقت للحديث معهم أو اللعب أو ممارسة أي نشاط مشترك، ولا تضعي أبناءك في مقارنة مع طفل آخر فكل طفل مميز بشيء عن الآخر هذا الأمر يضعف الثقة، ودائما شجعي أبناءك في وقت النجاح أما في وقت الخطأ فالدعم أهم من العقاب.
أما عن كيفية توصيل النصيحة إلى الأبناء بطريقة يقبلونها دون تردد تنصح د. إسماعيل الأم بأن يكون كلامها بحب وليس بطريقة التوجيه، واختيار الوقت المناسب حيث يكون الطفل هادئا ولديه استعداد للاستماع، والتأكيد دائما على احترامك لرأيه وشخصيته وأنك فخورة به، مع ضرورة بدء الكلام بإيجابية كأن تقول له "أنا شايفة إنك بتحاول وده حلو جدًا بس لو جربت كذا هيكون أحسن"، وأن تقدم له النصيحة في إطار حوار وليس محاضرة، مع تكرار الرسالة بأساليب مختلفة، وتجنب النقد القاسي، واستخدام قصص أو تجارب شخصية لنقل الخبرة إليه.
ساحة النقاش