تحقيق: سمر عيد
"القرش الأبيض ينفع فى اليوم .." هكذا ربانا آباؤنا وأجدادنا على أهمية الادخار لمواجهة صعوبات الحياة، وقد انتقلت هذه الثقافة من جيل إلى آخر حتى أصبح الآباء حريصين على تعليم أبنائهم قيمة ادخار المال وعدم إسرافه دون جدوى، فما الأسلوب الصحيح الذى يمكن من خلاله تنشئة أطفالنا على الادخار دون أن يتعلموا البخل؟
البداية مع حبيبة هاني، ربة منزل والتي تحدثنا قائلة: كان أطفالي يحصلون على مبلغ 150 جنيها كل يوم لمجاراة زملائهم بالمدرسة وشراء ساندوتشات وحلوى وبطاطس مقلية من "كانتين" المدرسة، ولكن مؤخرا أقنعتهم بشراء ما يحتاجونه من السوبر ماركت وتوفير ما تبقى من النقود لشراء أشياء أخرى مفيدة.
كان صالح عبد المحسن، صاحب سوبر ماركت ينزعج كثيرا من طلبات ابنه المستمرة للحصول على مبالغ كبيرة لشراء هاتف جديدي أو "سكوتر وباتيناج"، لكنه رفض تلبية طلباته وبدأ بتعليمه الادخار، ويقول: طلب ابني مؤخرا شراء "موتوسيكل" لكنني أخبرته أن المبلغ غير متوفر معي وأنه عليه أن يدخر من مصروفه الشهري لكي يستطيع شراء ما يريد، وبالفعل بدأ يدخر حتى تمكن من جمع نصف سعره، عندها أكملت له المبلغ واشتريت له "الموتوسيكل".
كانت أمهاتنا في الماضي يخصصن حصالة لكل طفل نفتحها بالعيد لشراء ما نحتاج منها، طبعا بعدما يكمل آباؤنا ما تبقى لشراء ملابس العيد والأحذية والحقائب وغيرها، لكن مع تطور الزمن أصبح هناك المحفظة الإلكترونية؛ وهي تطبيق على الإنترنت يفتح وفقا للبنك الذي تختاره وتستطيع إيداع المبلغ الذي تريده به وسحبه وقتما تشاء، وهو ما استفادت منه تغريد عبد العزيز، معلمة لغة عربية بإحدى المدارس الخاصة وتقول: شجعت ابنتي على عمل محفظة تودع بها مبلغا شهريا من مصروفها الخاص لشراء ما تحتاج فيما بعد، بينما قامت بعض زميلاتي بالمدرسة بفتح دفاتر توفير لأبنائهن بالبريد المصري لإيداع مبلغ شهري لهم في كل دفتر، وهذا الدفتر يحصل على أرباح سنوية، ومن الجيد عمل هذه الدفاتر أو حتى شهادات الاستثمار بالبنوك لأن الأطفال سيحتاجون هذه المبالغ عند دخولهم الجامعات، وطبعا ستحتاج الفتيات مبالغ أخرى لتجهيزهن قبل الزواج.
قيمة النقود
توجهنا د. منى محمد الزناتي، أستاذ الاقتصاد المنزلي بجامعة عين شمس إلى كيفية تدريب الطفل على الإدخار وتقول: على الطفل من عمر سبع سنوات أن يعرف معنى النقود، فالنقود لا تشتري لنا الحلوى والأشياء التي يحبها الأطفال فقط، فهي طعامنا وفواتيرنا وعلاجنا عندما نمرض، وهي مواصلاتنا، وأيضا وسيلة للترفيه والسفر للمصيف الذي نسافر إليه كل عام، وألعابه المفضلة، هكذا ببساطة يمكن أن تشرح الأم للطفل معنى النقود وأهميتها، والادخار هو شيء محبب بالفعل لمن يود أن يشتري شيئا قيما بالمستقبل كشقة أو سيارة، وبداية أستطيع تدريب طفلي على الادخار عن طريق عمل "حصالة" في المنزل يضع بها كل يوم حتى ولو جنيها واحدا، كذلك يمكن وضع العيديات بالحصالة، ويمكن للأم عمل مكافاءات للأطفال مقابل إنجازهم بعض الأعمال مع توجيههم إلى وضعها بالحصالة، ويمكن لها أن تدعي أنها في أزمة مادية وتحتاج للنقود لتعلمه بطريقة غير مباشرة أن النقود التي ادخرناها قد نفعتنا عندما احتجنا إليها، وأنصح الأم باصطحاب أبنائها معها إلى "السوبر ماركت" وكتابة قائمة طلبات لا تقبل التعديل أو تنازل عن أى من بنودها لتحقيق رغبة له فى شراء شيء ما ليفهم كيفية ترتيب الأولويات.
ربط التوفير بالواجب الوطني
توضح د. منار عبد الفتاح، استشاري أسري وتربوي أن ربط التوفير بالواجب الوطني أمر مهم وتقول: علي أن أوضح لطفلي أن توفيره لمصاريفه وشراء الضروريات فقط سيساعدنا كأسرة في شراء أشياء أخرى مهمة، وسيساهم في رفع مستوى البلاد الاقتصادي لعمل مشاريع ستنفع الأطفال مستقبلا عندما يصبحون شبابا وستوفر لهم فرص عمل متنوعة، وبداية لابد أن أكون أنا القدوة لأطفالي فأجلس الطفل بجواري وأنا أنظم ميزانية الشهر، وبالتالي سيقسم الطفل مصروفه الشهري بنفس الطريقة التى تحدد بها الأم احتياجاتها وأولويات شرائها وإنفاقها، وعلينا ألا ننسى مكافأة الطفل بهدية أو شراء شيء ثمين له بعدما ينجح فى الادخار حتى يدرك معنى ومفهوم الادخار ويطبقه في حياته كلها حتى ولو لم يطلب منه أي شخص الادخار فيما بعد.
التقليد الأعمى وثقافة الاستهلاك
تؤكد د. نورة رشدي، أستاذ الخدمة الاجتماعية ووكيل معهد خدمة اجتماعية أن القناعة كلمة السر في الادخار، وتقول: تلعب التربية دورا كبيرا في الادخار، فعلي الأم أن تعلم أبناءها أنه مهما كان مستوى الأسرة عليهم أن يدخروا مبلغا ولو صغيرا، كذلك لابد أن نقنع الطفل من سن 8 سنوات تقريبا أن الله قد خلقنا طبقات وعليه ألا يقلد غيره، والحقيقة أن التقليد الأعمى للآخرين وانتشار ثقافة الاستهلاك -والتي بدت ظاهرة بين المراهقين بشراء سلع لا داعي لها لكنها مع الأسف تصبح موضة وعلى كل المراهقين أن يلحقوا بها ويقومون بشرائها- هذا أمر يدمر ميزانيات الأسر ويجعل الطفل يتطلع لشراء أية (تقليعة) حتى وإن كانت غير مهمة، وعلي الأم أن تردد على مسامع طفلها جمل من قبيل "ادخر حتى تشترك في لعبة، ادخر كي تشتري باتيناج، ادخر كي تذهب إلى الرحلة"، وليدرك الطفل أن الادخار سيمكنه من شراء أو عمل ما يريده، مع ضرورة أن نعلم الطفل كيف يقنع بما عنده وألا ينظر لما في أيدي الآخرين ويحاول تقليدهم.
ساحة النقاش