تاريخ طويل من كفاح المرأة المصرية للدفاع عن حقها في مباشرة الحياة السياسية، وصراع امتد لأكثر من قرن لم تفقد خلاله الأمل ولم يتسلل اليأس إلى إرادتها، بل أرست قواعد مشاركتها السياسية بنفسها دون أن تنتظر من يدعمها، وأوجدت لنفسها مسارا لخوض معترك الحياة السياسية والمشاركة فى رسم ملامح مستقبل وطنها، لتجنى بعد مشوار طويل من الكفاح والصراع ثمار نضالها.
"حواء" تلقى الضوء على مسيرة المرأة فى الحياة النيابية، ونسبة تواجدها بمجلس الشيوخ تزامنا مع انطلاق المارثون الانتخابى الثانى للمجلس بعد عودته فى ثوبه الجديد..
بدأت مسيرة المرأة بنضالها من أجل الحصول على حقها فى الترشح والانتخاب، وذلك بعد مشاركتها فى ثورة ١٩١٩، ومع تشكيل لجنة الثلاثين لوضع دستور 1923 التى خلت من أى تمثيل نسائى، كذلك خلى الدستور من أى إشارة لحق المرأة فى الترشح والانتخاب وهو ما كان بمثابة صدمة للجميع، إلا أن ذلك لم ينل من عزائمهن بل كان دافعا لاستكمال نضالهن الذى أثمر عن تكوين الاتحاد النسائى المصرى ١٩٢٤ الذى نادى بحقها فى الترشح والتصويت وعضوية جميع المجالس والهيئات النيابية والمساواة مع الرجل خاصة فى العمل.
من بعد شعراوى حملت شعلة النضال درية شفيق أحد رموز رائدات حركة تحرير المرأة فى النصف الأول من القرن العشرين حيث كان لها مسيرة مضيئة من الكفاح، ففى شهر فبراير عام ١٩٥١ تحركت على رأس مظاهرة كبيرة ضمت ١٥٠٠ امرأة، وتظاهرت مع وفد نسائى بمجلس النواب لـ ٤ ساعات أجبرت بعدها نائب رئيس المجلس على استقبالها لتطالب بإصلاح فى قانون الأحوال الشخصية، وعند تشكيل اللجنة التأسيسية عام ١٩٥٤ لوضع دستور جديد للبلاد أضربت شفيق عن الطعام لخلو اللجنة من أى سيدة، لتقتنص على إثر هذا الإضراب وعدا بأن يشمل الدستور الجديد الحقوق السياسية للمرأة، وتحقق ذلك فى دستور ١٩٥٦ الذى أقر حق المرأة فى التصويت والترشح للمجالس والهيئات النيابية.
البداية
بدأت الحياة البرلمانية للمرأة عام 1957 وسجل التاريخ دخول راوية عطية وأمينة شكرى إلى البرلمان كأول سيدتين تعتليان مقاعد النواب، وقد شهد عهد الرئيس الراحل عبدالناصر صعودا وهبوطا فى مؤشر تمثيل المرأة النيابى، حتى تم إقرار كوتة السادات التى خصصت 30 مقعدا للنساء، وبدأ التهميش الذى تعمدته الجماعة الإخوانية للمرأة وتمثيلها النيابى، وقد تعهد الرئيس عبدالفتاح السيسى بالعمل الجاد على أن يكون للمرأة دور في الحياة السياسية، ونصيب عادل في مجلس النواب، وتذليل العقبات أمامها في الوظائف النيابية والمناصب القيادية، وبالفعل شهدت الانتخابات البرلمانية الأولى بعد ثورة 30 يونيو زيادة ملحوظة في نسبة النساء اللائى خضن المعركة الانتخابية حيث بلغ عددهن 949 مرشحة لتسفر الانتخابات عن فوز 76 مرشحة، بالإضافة إلى تعيين الرئيس 14 سيدة ليصل عدد النائبات إلى 90، كما نصت التعديلات الدستورية الأخيرة والتى تم الاستفتاء عليها خلال العام الماضى على تخصيص ربع مقاعد البرلمان للمرأة لتسجل المصريات أكبر نسبة فى حياتهن النيابية وهى 25% من عدد المقاعد.
شورى النواب
ظل تواجد المرأة على مقاعد مجلس الشورى والذى تم تغيير اسمه مؤخرا إلى "الشيوخ" مجرد مغازلة سياسية لبعض رموز الفن والأدب والشخصيات العامة والمشاهير، حيث كانت نسبة تواجد المرأة بمقاعد المجلس قليلة إلى حد كبير، وكان من أبرز الشخصيات النسائية التى جلست تحت قبة "الشورى" قبل حله عام 2014 راهبة الفن أمينة رزق التى عينت نائبة بالمجلس فى عام 1991، وكذا سمراء النيل، مديحة يسرى التى عينت فى عام 1998، وأم الإذاعيين التى اختارها السادات عضوة بالمجلس، والفنانة سميرة عبدالعزيز، بالإضافة إلى همت مصطفى إحدى رائدات الإذاعة المصرية والتى انفردت بحوار خاص مع الرئيس الراحل أنور السادات لتلقب على إثره بـ"محاورة الرئيس"، حيث عينت نائبة بالمجلس عام 1980.
ومن بين الأسماء البارزة التى تم تعيينهن بمجلس الشورى الكاتبة الصحفية أمينة السعيد، التى تولت رئاسة مجلتي المصور وحواء، وكذا رئاسة مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال، ود. أمينة أبو طالب، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ود. أمنية حتحوت أستاذة القانون الدولى، ود. سلوى الأنصارى أستاذة علم الاجتماع، ود. هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ود. نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة السابقة.
القانون ينتصر
من المغازلة السياسية إلى الفرص الحقيقية والتى أتيحت للمرأة تحت القبة لكن فى ثوب جديد، حيث تم الإعلان عن مجلس الشيوخ وعقد انتخاباته قبل خمس سنوات، ليشهد عودة قوية للنائبات على مقاعده وتحت قبته، ففى عام 2020 أصدر القانون رقم 141 ليحدد عدد أعضاء المجلس بواقع 300 عضوا، ينتخب ثلثا أعضائه بالاقتراع العام السري المباشر، ويعين رئيس الجمهورية الثلث الباقى، على أن يخصص للمرأة ما لا يقل عن 10% من إجمالي عدد المقاعد، كما نص القانون على أنه يتعين أن تتضمن كل قائمة مخصص لها عدد 15 مقعدا ثلاث نساء على الأقل، كما يتعين أن تتضمن كل قائمة مخصص لها 35 مقعدا سبع نساء على الأقل.
السباق الانتخابى
بمجرد إقرار القانون والإعلان عن فتح باب الترشح استغلت المرأة المصرية الفرصة خير استغلال لتبرهن على وجودها، خاصة بعد نجاح تجربة قريناتها بمجلس النواب، حيث قررت 91 سيدة خوض السباق الانتخابى بنظام الفردى و20 على القوائم الأساسية، و30 على الاحتياطية، لتكون محصلة المرشحات 141 سيدة، الأمر الذى حجز لها نسبة لا يستهان بها، بل يمكن وصفها بغير المسبوقة، حيث ضمن لها نظام الكوتة فوزها بـ20 مقعدا من أصل 100 بنظام القوائم، بالإضافة إلى اللائى سينجحن على الدوائر الفردية.
الرئيس ينتصر
بعد إعلان نتائج لجان الاقتراع الذى أسفر عن فوز نائبتين بنظام الفردى بجانب العشرين نائبة بنظام القوائم المغلقة، كان من المقرر أن تحصل المرأة على ما يقرب من الثلاثين مقعدا وذلك بعد تعيين الرئيس لعشر نائبات وفق ما نص عليه القانون، لكن الرئيس وكعادته انتصر للمرأة وضاعف نسبة العضوات المعينات بالمجلس لترتفع من 10% إلى 20% لتصبح نسبة تواجدها بالمجلس 14% من إجمالى أعضائه.
وبجانب النسبة غير المسبوقة للمرأة بمجلس الشيوخ حققت المرأة إنجازا تاريخيا تحت قبته حيث شهدة الدورة التشريعية 2020 فوز الإعلامية فيبى فوزى بمنصب الوكيل الثانى للمجلس، لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب منذ تأسيسه فى مايو 1980، فهل ستحافظ المرأة على ما حققته من إنجازات فى المارثون الانتخابى الحالى؟، وهل ستنجح فى مضاعفة أو على الأقل زيادة مقاعدها بالمجلس؟، هذا ما ستسفر عنه انتخابات مجلس الشيوخ للعام الحالى.
ساحة النقاش