وسط زغاريد الفرح وسعادة العروسين يلتفت الجميع لأم العروس ليهنئوها ويشدوا من أزرها لتتحمل فراق ابنتها ووسط هذا الزحام نراه دائما متحركاً تملأ عيونه دموع اختلطت بين الفرح والخوف على هذه الصغيرة التى رباها من هذا الآخر الذى كان يعتبره من فترة غريما وفى هذه الليلة يعتبره شريكاً فى مسئولية حماية وأمان ابنته .. إنه والد العروس الذى يشارك فى صمت فى نسج كل تفاصيل هذا الارتباط منذ اللحظات الأولى لتقدم العريس وحتى يعقد المأذون القران .

وحول أحاسيس «أبوالعروسة» ودوره فى الإعداد للزواج وأحاديثه مع ابنته قبل زواجها كان هذا التحقيق الذى يفتح لنا فيه قلبه .

فى البداية تحدث الأستاذ أحمد عمر موظف قائلاً «زواج البنات سترة» لكن فى نفس الوقت هم والزمن ليس له أمان والموافقة على أى شخص يتقدم ليس بالأمر السهل واذكر اننى كلما تقدم لى شاب أسأل عنه «وأشيل الهم» ولا آكل حتى اطمئن لقرارى سواء بالرفض أو القبول فليس من السهل أن أرفض شخصا لمجرد أننى لا أريد أن تبتعد ابنتى عنى، وفى ابنتى كان الأمر شديد الصعوبة لأنها كانت «أول فرحتى ووضعت شروطا كثيرة للعروس وخلال فترة الخطوبة كنت أسألها هل أغضبك هل عندما تتشاجران يتلفظ بألفاظ غير لائقة وكان يشعر بمشاعرى تجاهه ولم أهدأ من ناحيته بعد عقد القران يومها شعرت أنه مسئول عنها مثلى وأنها أصبحت تخصه وحمايتها مسئوليته أولا وتدريجيا بدأت أعتبره أبناً لى ولم اختلف معه على أى من الأشياء المادية لأننى كنت حريصا على أن يصونها ويعاملها أحسن ما يكون أما الأمور المادية فكنت أشترك مع زوجتى للتحدث فيها معه ومع والدته.

يتفق معه الحاج على سعيد بالمعاش قائلا : زمان الزواج كان سهلاً والناس عارفة بعضها وبنات الناس متصانة سواء كان زوجها يحبها أم لا وكان أهله هم الضمان لكن الآن المسألة صعبة ونحن كرجال نهتم كثيرا بهذه الأمور اكثر من النساء فالزواج ليس مهماً فى حد ذاته المهم أن من يأخذها يعرف قيمتها ويقدر أنها بنت ناس ولهذا فقد اشتهرت وسط عائلتى اننى لا أحب أن أزوج بناتى وأننى أغار عليهن من كل الرجال لكن هذا لم يكن حقيقيا وكل مافى الأمر أننى كنت أضع كل عريس فى أكثر من اختبار وعندما أجده ليس رجلا أفسخ الارتباط والحمد لله تزوجت بناتى الثلاثة برجال يخافون الله فيهن . فأبو العروسة هو المسئول الأول إذا فشلت الزيجة لأنه لم يحسن الاختيار ولم يستطع أن يفهم الرجل الذى دخل بيته.

ممول !

الأستاذ عادل محمد موظف يقول أم العروسة عادة هى التى تشرف على كل تفاصيل تجهيزات الزواج والأب عادة هو الممول الأساسى لكنه فى نفس الوقت ليس «كومبارس» بل هو مشارك صامت متابع وبدقة لكل تصرف يقوم به العريس لأن النساء بطبعهن عاطفيات و«عزومة العريس تجعل الأم ترفعه لسابع سماء» أما الأب فيحاول طوال فترة الخطوبة قراءة مابين السطور لأن كونه رجلاً يجعله يفهم الآخر أحسن من النساء لكن للأسف عندما يعترض يتهمونه بالغيرة .

أنه لايريد أن يزوج ابنته وقد حدث هذا لكنى لم أهتم بأحد ورفضت زواج ابنتى من زميلها بالكلية رغم أنه كان ميسور الحال وظلت ابنتى لا تحدثنى عاما كاملا متهمة إياى أننى لا أريد سعادتها لكن بعد فترة تزوجت آخر وعاشت سعيدة وعلمت بالصدفة أن زميلها هذا تزوج مرتين وطلق لأنه هوائى ومنذ فترة وجيزة أخبرتنى هذا ووجدتها تقبل رأسى وتعتذر عن سوء ظنها بى ، فالبنات يعتقدن أن الفرح والزفة هما أهم شىء لكن الأب يدقق وبشدة حتى يحمى ابنته من ارتباط فاشل والتوفيق من عنده الله .

أتقى الله !!

الأستاذ محمد خالد مهندس يحكى تجربته قائلا لكون زوجتى متوفاة فقد تحملت القيام بالدورين «ابو وأم العروسة» وهذا الأمر بقدر متعته بقدر ارهاقه فأنا مرتبط ببناتى ارتباطاً شديدا ولم أكن لأسمح لأى شخص بأن يجرح أى واحدة منهم ولهذا كنت أتحدث مع أى عريس بمنتهى الصراحة وسأل عن أهله وعندما يطمئن قلبى أوافق وبدأت أشارك فى كل التفاصيل واشترى الصينى والملابس وأدوات المطبخ مثل أى أم ويوم الفرح كنت سعيدا ومهموما فى آن واحد، وأذكر أننى كنت أظل طوال فترة الخطوبة أصلى صلاة الاستخارة لأسأل الله أن يساعدنى فى قرارى حتى أحقق لهن الأمان الذى اعتادوا عليه فى بيتى فقد رفضت الزواج بعد والدتهن لأحميهن من زوجة الأب والحمد لله . وفقنى الله . وقد كانت نصيحتى لكل بنت أن تتقى الله فى زوجها وهذا سيحميها .

كلماتها

الأستاذ عابد له تجربة مختلفة يحكى عنها بكل الأسى ليتعلم منها الأخرون قائلا للأسف لم أقم بدورى كأب للعروس والنتيجة طلاق ابنتى بعد ستة أشهر ولم ألم إلا نفسى وعن ذلك قال : عملت بإحدى دول الخليج سنوات طويلة وتركت مسئولية الأولاد لأمهم وكل القرارات المصيرية كانت هى مصدرها ولم أعترض بحكم غيابى الدائم وعندما انهت ابنتى دراستها تقدم لها شاب يعمل فى الخارج واعتبرته أمها فرصة وقابلته مرة واحدة ثم سافر كل منا لعمله وتم الاعداد للزواج بعيدا عنى وبعد زواجها سافرت معه لكنه أهانها وضربها وعادت وهى حامل وأخذت اجازة وجلست معها فأخبرتنى أننى السبب فى ماحدث لها لأننى لم أوجهها ولم أسأل عنه ولم يكن عندى وقت لأختبر العريس وكانت كلماتها سكيناً يقطع قلبى لأننى فعلا المخطىء الأول بصفتى مسئولا بشكل كبير عن نجاح الزيجة أو فشلها إذا قمت بدورى منذ البداية كما يجب .

أدق التفاصيل

إذا كانت هذه آراء وتجارب «أبو العروسة» فكيف يعلق المتخصصون على دوره ؟

د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع أشارت إلى أن الزواج كعلاقة اجتماعية يجمع بين شخصين من عائلتين مختلفتين وكلما كانت التنشئة الاجتماعية للطرفين متقاربة كان التوافق والانسجام أعلى . لأن القيم المجتمعية فى كل مجتمع تحكم سلوكيات أفراده لذا تنجح العلاقة القائمة على التكافؤ الاجتماعى والاقتصادى والتعليمى وعادة يكون من هم أكبر سنا وهما الوالد والوالدة هما الأقدر على الحكم على مدى التكافؤ بين الطرفين من هنا فإن والد الفتاة (العروس) عليه دور كبير فى تهيئة ابنته أساساً لمعرفة الأسس التى يجب أن تستند إليها عند اختيارها لشريك حياتها . لكن المشكلة الأساسية التى نلحظها الآن هو قيام الأم بالمسئولية الأساسية واعتبار دور والد العروس دورا استشاريا وهذا يتسبب فى فشل نسبة كبيرة من الزيجات فالوالد يجب أن يشارك فى كل مراحل الزواج لأنه الأقدر على تقديم النصيحة لابنته لكن ثقافة الخجل تجعل الفتاة تشعر بأشياء لا تريحها تجاه عريسها وتخجل أن تسأل والدها لأنها لم تعتد أن يتدخل فى حياتها ومن هنا فإن القيام بدور والد العروس يجب أن يسبقه بسنوات طويلة القيام بدور الأب أساساً فى حياة كل أولاده فعندما يشعرون بأن هناك مساحة من الحوار والتفاهم معه فإنهم سيشركونه فى أدق التفاصيل حتى فى موديل فستان الزفاف وهناك فعلا آباء لهم دور اساسى فى حياة بناتهم ويلعبون دورا ايجابيا فى اختيار شريك الحياة . وأوضحت د. سامية أنه فى بعض الأحوال قد يقوم الأب بدوره بشكل سلبى بحيث يخاف من تحكم رجل آخر فى حياة ابنته فيعترض على كل عريس دون سبب حقيقى وهذه نسبة نادرة لكن موجودة وعادة تلعب الأم دورا أساسياً فى المساهمة فى اتمام الزيجة . ولكل والد عروس أقول أن الحياة القادمة لأبنتك هى الأهم بالنسبة لها وتحتاج منك أن تعطيها من وقتك الكثير لتسأل عن الشخص وتقترب منه وتعتبره ابنك لتطمئن على حياة ابنتك وأن تعتبره شريكاً لك فى المسئولية وليس نداً سيأخذ منك ابنتك وألا يكون دورك ثانوياً لأن حسن الاختيار لزوج المستقبل لابنتك من مسئولياتك .

 

المصدر: نجلاء أبو زيد - مجلة حواء

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,467,390

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز