فى جولة

ميدانية لحواء :

أنبوبة البوتاجاز

رحلــــة عـــــذاب

كتبت :ايمان عبدالرحمن

منار السيد

علي مدار عام أو أكثر تواصلت أزمة أنبوبة البوتاجاز لتشهد المستودعات عراكا يوميا بين المواطنين والموظفين والبلطجية، ويستمر انتهاك أبسط حقوق المواطن في الحصول علي احتياج أساسي في حياة أسرته، ألا وهو أنبوبة البوتاجاز التي يمثل عدم وجودها أزمة في البيت المصري.

المشكلة التي لاتزال مستمرة منذ أكثر من عام لم تلق أذنا مصغية من المسئولين لحلها .. وتأكيدا علي أن المشكلة خطيرة وتزداد خطورة اقرأوا معنا السطور القادمةll

بدأت الرحلة من المستودع الكائن بالقرب من مقر استخراج رخص القيادة السيارات التابع للداخلية بحى زينهم، استوقفت شاباً أسأله : أين مستودع الأنابيب ؟ وكانت هى كلمة السر، فبعد أن كان مشغولا ترك صديقه، لتظهر علامات الفرح الشديد على وجهه، «حضرتك عايزه أنبوبة يا مدام أجيب لك» كان معى «زميلى المصور» واعتقد أننا جئنا من أجل الشراء فاستدرجته بكم ؟ قال لى : بثلاثين جنيها إن أردت ؟ وخفض صوته : «أنا هنا موجود حتى الرابعة عصرا، تمام» رددت عليه «أعطنى رقمك حتى إذا جئت أكلمك» وبالفعل أعطانى رقم هاتفه المحمول، وقبل أن أذهب سألته «وأين تعمل؟» فرد علىِ هنا «أعمل فى المرور كما ترين» .

ضحكت فى نفسى وذهبت لتبدأ فصول الجزء الثانى من الرحلة، والتى فى أجزاء منها غير مبشرة على الإطلاق.

واصلت السير لينكشف المشهد المأساوى، طوابير النساء والرجال تصل إلى عمق الشارع، كل شخص بجانب أنبوبته إما جالسا عليها أو يضعها على موتوسيكل أو داخل توك تك، تحدثت إلى النساء وأوصيت زميلى «المصور» ألا يقوم بالتقاط أى صور حتى يتضح لى الأمر، وبالفعل قابلت أم محمد وأم ندى وعم أحمد، الذى كان وافقا بجانب «تروسيكل» عليه حوالى خمس أنابيب بوتجاز فارغة عم أحمد أكد أن ما يحدث حرام ولا يصح، وقال : تخيلى فى بلد الغاز يتقاتل الناس على الأنبوبة «يا بنتى حرام اللى بيحصل لنا، مش لاقين الأنبوبة، فالبيوت تعانى الأمرين للحصول عليها، هل يصح أن يعودوا بنا إلى عصر «القانون» و «الوابور» لقد مضى أكثر من أسبوعين ونحن نطبخ فى الشارع، وعندما يئسنا اشترينا «وابور جاز» إننى يوميا هنا أحاول الحصول على أنبوبة . ودخلت فى الحديث الحاجة هناء من الهرم قائلة «والله إحنا الأنبوبة مبتقعدش أسبوع على بعضه، ومبنقدرش نيجى كل أسبوع نغير الأنبوبة من هنا، نتبهدل، وبناكل نواشف، أو بنضطر أننا نستخدم «البوتجاز» تقصد (أنبوبة صغيرة بها شعلة) ونقوم بملئها بعشرة جنيهات وطبعا لا تكمل معنا يومين .

تركت السيدات وانتقلت إلى خلف المستودع لأتحدث مع مسئول الشركة المسئولة عن توزيع الأنابيب، عله يجيب عن أسئلة كثيرة حائرة، بالفعل تحدث معى اثنان من المسئولين - رفضا ذكر أسمائهما - وشرحا لى الوضع قائلين : «هنا المستودع المفروض أنه يخدم منطقة واسعة، وتأتى إلينا يوميا حوالى من ألفين لثلاث آلاف أنبوبة، جزء كبير منها يوزع باستخدام عربات الشركة، (وأشار إلى سيارات الشركة الخالية الواقفة) لتقوم بتوزيعها على المستودعات فى المناطق الأخرى كبولاق وإمبابة والهرم، وجزء منها يبقى هنا فى المستودع ليخدم أهالى المنطقة.

وأكمل الحديث زميله : «ولكن ما يحدث بالضبط أن هذه الشحنة لا تصل إلى المستودع ولا العربيات أصلا تقوم بالتوزيع، وقال فى أسى : ها هى عربات الشركة واقفة لا تعمل».

 والسبب ؟

- أجاب : البلطجية ، لو نظرت إلى هذه القهوة وأشار لى ستجدينهم جالسين ينتظرون سيارات الشركة، وهم مسلحون !! فور أن تأتى السيارة المحملة بالأنابيب لا تتمكن حتى من الدخول إلى الشارع الكائن به المستودع، يستوقفونها ويستولون عليها، وطبعا لا يمكننا التصدى لهم ولا حول ولا قوة لنا، فنتركهم آسفين.

وحتى لو نجحنا وسربنا جزءاً من الشحنة وقامت السيارات بتوزيعها يستوقفونها ويقطعون الطريق ويستولون عليها، ففوضنا أمرنا إلى الله، ويصعب علينا طبعا منظر السيدات المنتظرات وكثير منهن يرجعن بعد عناء النهار بطوله بدونها، نحن نشفق عليهن ولكن ما باليد حيلة، البلطجية يستولون عليها من أجل بيعها فى السوق السوداء بثلاثين جنيها بدلا من سعرها الحقيقى أربعة جنيهات، و«الناس الغلابة متقدرش على كده» .

 والحل ؟

- أجاب: الجيش أتى لتأميننا قبل العيد وبالفعل، الكل حصل على أنبوبته، ولم تحدث أية مشاكل، «أصل البلطجية بيخافوا من الجيش قوى» ولكن بعد ذلك لم يأتوا، ولا نستطيع ردهم» .

وكان لأهالى المنطقة رأى صادم يخالف ما رواه لى القائمون على أمر المستودع حيث يقول عم (إبراهيم . م) «إن المشكلة الأساسية غياب الرقابة على القائمين على هذه المستودعات، الذين يعقدون صفقات سرية لتخصيص جزء من الأنابيب لبعض التجار ليقوموا بدورهم ببيعها فى السوق السوداء استغلالا لحاجة الناس، فتباع الأنبوبة بثلاثين وخمسة وثلاثين جنيها، فى حين أن سعرها الرسمى لايتجاوز 5 جنيهات ومن هنا يأتى تكدس المواطنين واصطفافهم فى طوابير طويلة قد لا يحصلون بعد المكوث فيها طويلا على أنبوبة .

وصرخ عامر خليفة موظف على المعاش فى وجههم «الله يخرب بيتهم هؤلاء اللصوص الذين يبيعون ويشترون فينا مضيفا : حرام أن أدفع 40 جنيها فى الأنبوبة وأحملها على كتفى حتى الدور الرابع، فى معاناة كبيرة فى الوقت الذى تقوم الدولة فيه بتصدير الغاز لأعدائنا لدرجة أننا نتقاتل نحن المصريين من أجل أنبوبة .

الكوبونات

ويسخر إمام محسن -مدرس- من الحل الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع - على حد قوله - وهو الكوبونات التى أعلنت عن طرحها وزارة التضامن لحل المشكلة يقول : لقد زادت هذه الكوبونات من معاناتنا فلا يوجد عدالة فى توزيعها ولا هى تكفى حاجة الأسرة فكيف تكتفى الأسرة بأنبوبة واحدة، وماذا إذا احتاجت أخرى سوف تضطر إلى أن تشتريها من السوق السوداء وهذا عبء إضافى على ميزانية الأسرة، إضافة إلى تحكم فئة فى توزيعها وبعد أماكن الحصول على هذه الكوبونات عن الأسر مما يكلفها عناء الانتقال لمكان توزيع هذه الكوبونات، التى إن وجدت فى يديك بالفعل فإن احتمالية أن تجد المستودع بلا أنابيب كبيرة، ليصبح مجهودا ضائعا يعيدنا كأسرى الحرب صاغرين إلى السوق السوداء .

رحلة جماعية

أما أم محمد فلها مع الأنبوبة رحلة خاصة، فقبل أن تفرغ الأنبوبة بيوم أو يومين تبدأ أم محمد فى إعداد العدة فتقوم هى وعدد من جاراتها باستئجار (ميكروباص) يقلهم فى رحلة عذاب مع المرور من إمبابة، حيث يسكن، إلى عين الصيرة مقر المستودع تقول أم محمد : أترك أولادى الأربعة فى البيت فى الصباح الباكر لأذهب فى هذه الرحلة التى لا يعلم إلى متى تستمر سوى الله عز وجل لأعود بالأنبوبة بعد رحلة معاناة يترتب عليها التقصير تجاه مسئوليات بيتى فى ذلك اليوم لذلك أرجو أن ترحمونا .

بلاغ ضد البلطجة

فجأة، خلال إجراء التحقيق تعرضت مندوبة «حواء» وزميلها المصور لتهجم البلطجية، حيث قاموا بسحب الكاميرا من بين يدى المصور، واحتجزونى حتى يتم «مسح» الصور التى تم إلتقاطها لهم . وفعلا وبعد تدخل أمين الشرطة وإقناعهم بأنه تم إلغاء الصور تركونا، مستمرين فى بلطجيتهم واستغلالهم للجماهير تحت أعين المسئولين بالمستودع وهذا ما يحدث فى كثير من المستودعات.

وفى طريق عودتنا فاجأنى زميلى المصور بأن هناك إحدى عشر لقطة لم يتم مسحها هى نتاج ما نقدمه فى تحقيقنا هذا.

المسئولون يمتنعون عن الرد

بدأت رحلة البحث عمن يفسر لنا أسباب أزمة أنبوبة البوتاجاز لدى المسئولين .. البداية كانت من قطاع الشئون بوزارة التضامن الاجتماعى حيث قال المسئول بالحرف الواحد : «هذا الأمر لا يخصنا وتابع لوزارة التضامن قطاع التموين» ذهبنا بدورنا إلى المكان المشار إليه .

سألنا أ. فتحى عبدالعزيز رئيس قطاع الرقابة عن أزمة أسطوانات البوتاجاز وبيعها فى السوق السوداء مما يؤدى لأزمة غياب الأنابيب وهى غير واقعية أساسا كما أشرنا فى لقاءاتنا الميدانية قال :

الأمر يرجع إلى وزارة البترول حيث أنها المسئولة عن تخصيص حصص المستودعات ودورنا يقف عند حد الإشراف فقط على المستودعات .

سألناه .. وأين الرقابة، والسوق السوداء هى السبب فى الأزمة ولولاها ما وجدت أزمة الأنابيب أساسا ؟

- لم يجب وردد .. «اسألوا وزارة البترول» .

وأخيرا .. إذا كان المسئولون يتهربون من المسئولية، وهو ما يؤدى إلى وجود أزمة لا نستطيع منعها . فنحن نرى أنهم مدانون فى هذه القضية بالدرجة الأولى لغياب الرقابة والتنسيق {

المصدر: مجلة حواء -ايمان عبدالرحمن -منار السيد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 680 مشاهدة
نشرت فى 11 ديسمبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,809,643

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز