مشاعر المصريين فى خطر
كتبت :مروة لطفي
معقوله.. كل تلك المشاعر المتضاربة تنتابنى منذ انطلاق ثورة 25 يناير حتى يومنا هذا؟
استقبلت الثورة بفرحة عارمة ممزوجة بالأمل والتفاؤل وسرعان ما نسجت الأحلام والأمانى لمستقبلى ومن حولى.. واعتقدت أننى تخلصت من آفة الحزن والإحباط التى أدمنتها على مدار سنوات عمرى.. فهل كنت محقة فى تفاؤلى؟!
الأيام تمضى سريعاً والتغير الذى انتظرته أنا وغيرى لا يأتى.. بينما تملأ الحيرة والقلق عيون من حولى فالجميع يبحث عن بصيص ضوء يرشده لغد أفضل فى ظل حالة الضباب التى نعانيها..
فماذا حدث لمشاعر المصريين بعد الثورة؟!
ومن المسئول عن حالات القلق والخوف التى أصابتنا؟! والأهم.. هل من سبيل لضبط بوصلة مشاعرنا فى اتجاه الأمل من جديد؟!ll
رغم أن التفاؤل هو السمة المميزة لشخصية كاتب الكوميديا فيصل ندا إلا أن الخوف طغى على نغمة الأمل التى اشتهر بها وهو ما يؤكده قائلاً: قمنا بثورة عظيمة شهد لها العالم حين حققت أول مطالبها بتنحى الرئيس السابق مما أسعدنى كغيرى من أبناء مصر.. واعتقدت أن الروح الحلوة التى طغت على ميدان التحرير ستنعكس على حياتنا القادمة لكن للأسف ما حدث من سيطرة تيار واحد على المشهد السياسى لتحقيق مصالح شخصية واختفاء صناع الثورة الحقيقيين فضلاً عن قيام بعض قنوات الإعلام بنقل الأحداث بصورة تساهم فى شحن وإثارة الرأى العام انعكس سلباً على نفسيتنا.. فأصبح التخوين والتراشق بالألفاظ هو السائد بالإضافة إلى طغيان الصالح الشخصى على العام.. الأمر الذى أصابنى بخوف يصل لحد الرعب حتى أننى كمؤلف عجز تفكيرى عن الكتابة.. فدائما ما كنت أتنبأ بالمستقبل من خلال رؤيتى على الورق لكن ما أشهده حاليا يشعرنى وكأننى داخل سيرك كبير كل اللاعبين فيه يضعون الألوان التى تخفى وجوههم الحقيقية.. فكانت النتيجة توقف قلمى عن الكتابة لحين إشعار آخر!!..
- وتتفق الدكتورة/ حمدية زهران الأستاذ بكلية السياسة والاقتصاد جامعة القاهرة مع الرأى السابق وتضيف: إن الثورات دائماً ما تأتى كالأنهار.. فتبدأ هادئة ثم يأتى الفيضان لتطرق مياهها الأخضر واليابس بعدها تعود لطبيعتها.. لذا كنا نشعر بالطمأنينة والأمل فى بدايات الثورة أعقب ذلك قلق وخوف من المستقبل وهو ما نعيشه الآن لكن هل سيسفر ذلك عن ضبط الأوضاع وتتحق الآمال فيما بعد؟!.. أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تحتاج لوقفة.. فقد عايشت ثورة 52 كما شاهدت ثورة 25 يناير وحين أعقد مقارنة بين الثورتين ينتابنى القلق الشديد كما ساعد على إنجاح ثورة 52 التنظيم وتحديد الأهداف على عكس الثورة الحالية.. فرغم قيامها بمشاركة نخبة من المثقفين اجتمعوا على التصدى للقهر والظلم الذى عايشته لسنوات طويلة إلا أن تلك النخبة توارت نتيجة عدم التنظيم طبق رغبات قيادة تجمعهم.. الأمر الذى أدى للفوضى التى نشهدها حاليا لنصاب بالحزن والخوف على المستقبل وتزداد تلك المخاوف مع ارتفاع نسب الفقر والبطالة فهما وقود لإشعال (ثورة جياع) تهدد بالقضاء على كل ما هو جميل وتفسد ثورتنا البيضاء التى نجحت بالالتفاف حول المصلحة العامة من أجل مستقبل أفضل..
الرأى المعاكس
وعلى عكس الآراء السابقة تؤكد الكاتبة الصحفية أمينة النقاش أنها متفائلة بالمستقبل قائلة: «لاشك أن هناك عوامل عديدة أدت لشعور البعض بالقلق والإحباط منها الانفلات الأمنى وانتشار البلطجة بالإضافة إلى ظهور بعض التيارات المتطرفة التى تستخدم الدين كوسيلة لتحقيق مكاسب شخصية والوصول للسلطة.. كذلك استعجال معظم فئات المجتمع للثمار التغيير وتوقع حدوثه بين ليلة وضحاها ولكل هؤلاء أؤكد أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة.. فهناك إنجازات عديدة نجحت الثورة فى تحقيقها لكننا لا نراها ، ننظر فقط إلى نصف الكوب الفارغ لذا علينا الكف عن استعجال الأمور حتى نصل للمستقبل الذى نتمناه جميعاً..
الشخصية المصرية
فى عام 2009 أجرت الدكتورة سامية خضر أستاذ الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس دراسة بعنوان.. ماذا حدث للشخصية المصرية؟! رصدت فيها التغيرات التى طرأت على مشاعر المصريين نتيجة المناخ السياسى والاجتماعى.. والاقتصادى وما حدث من تغيرات انعكست على الشخصية المصرية وجاءت النتائج لتكشف أن الشخصية المصرية حدث لها نوع من التجريف خلال عهد الرئيس السابق.. فكيف ترى صاحبة الدراسة مشاعر وشخصية المصريين بعد الثورة؟!..
تقول الدكتورة سامية خضر بعد اندلاع ثورة 25 يناير كان المنحنى النفسى المشاعر يسير فى الاتجاه الإيجابى إلى أن بدأت المليونيات المتكررة أعقبها الوقفات والمطالبات الفئوية مختلفة لجميع القطاعات ودخل فيها نوع من البلطجة والضغط الإعلامى إلى أن ازداد الأمر سوءاً باستضافة قاتل السادات فى القنوات الإسلامية ليبدأ الانفلات وما صاحبه من قطع طرق ومياه والقيام بجرائم يعاقب عليها القانون دون رادع أو عقوبة مما انعكس سلباً على مشاعر المصريين.. فبات الجميع يفكر فى أمنه الشخصى نتيجة خلط الأوراق ومانجم عنها من فقدان الأمان.. وهنا بدأ الشعور بالخوف والقلق من المستقبل..
وأعتقد أن ما انتاب المصريين من مشاعر سلبية يرجع للمناخ السائد والذى يخلط ما بين الحرية والفوضى.. وهو أمر ينذر بخطورة بالغة وإذا كنت توصلت من خلال دراستى قبل الثورة إلى أن الشخصية المصرية حدث لها تجريف فإننى أوكد أن الشخصية المصرية حالياً تعانى مزيداً من التجريف. وعن الحل تقول د. سامية خضير: لكى نعيد للشخصية المصرية مكانتها فلابد من وقفة حقيقية نتحاور فيها بصراحة وبوضوح عن مطالبنا.. ولابد للدولة إظهار هيبتها وبقوة أمام أى انفلات فضلاً عن ضرورة قيام «حواء» المصرية بدورها والذى توارى بفعل بعض التيارات المتطرفة التى تريد سلب مكاسبها ولكى يحدث ذلك لابد من تكاتف جميع فئات الشعب حتى نعيد ثورتنا إلى مسارها السليم ومعها تعود إلينا الفرحة.
خلخلة النظام
وتؤكد الدكتورة فؤادة هدية الأستاذ بمعهد الدراسات النفسية والاجتماعية بجامعة عين شمس على معاناة المصريين من مشاعر متضاربة من فرحة عارمة أعقبها قلق ممزوج بالأمل ثم خوف يصل لحد الهلع النفسى.. وهو أمر طبيعى مصاحب للثورات دائما..
فالثورة هى إزالة لكل دعائم النظام السابق بما فيه من معتقدات وأفكار فهى كالزلزال ومن ثم لابد أن يصاحبها هزة مجتمعية شديدة.. ودائما ما أشبه الثورات بعملية الولادة وبالحامل حين يفاجئها مخاض الولادة حيث ينتابها ألم شديد سرعان ما يتحول إلى سعادة غامرة عند خروج المولود إلى الحياة وهو ما نعايشة الآن ومن ثم علينا بتحمله بصبر وهدوء خاصة وأننا عانينا طويلاً فى صمت دون حد أدنى من الأمل أما الآن فمعاناتنا أصبح لها معنى.. فقد فتح الجرح ولابد أن ينزف حتى يخرج ما فيه من ملوثات ليندمل بعد تنظيفه جيداً، لذا علينا التمسك بروح التفاؤل التى انتابتنا فى بداية الثورة وإدراك أن ما نعانيه شىء عادى وطبيعى.
وأخيراً أناشد وسائل الإعلام بتحرى الدقة ومراعاة عدم إثارة الناس عند بث الأحداث لإننى أعتبر ذلك من الأسباب الرئيسية المؤدية لمشاعر الإحباط التى يعانى منها البعض.
أصابع الاتهام
وإذا كانت أصابع الاتهام تشير إلى الإعلام وتحمله مسئولية المشاعر السلبية التى تنتاب البعض.. فالدكتورة جيهان رشتى عميدة كلية الإعلام جامعة القاهرة سابقاً تنفى وترفض هذا الاتهام بانفعال قائلة: الإعلام ينقل الحقيقة ولا يصنعها.. فإذا كان الواقع سيئاً وكذب المسئولين لا يزال مستمراً فضلاً عن تصريحات بعضهم المتخبطة بين التأكيد والنفى.. فما ذنب الإعلام؟!..
وجدير بالذكر أن ما يواجهه الإعلام من اتهامات حاليا يذكرنى تماماً بما حدث أثناء نكسة 67 حين حمل البعض الإعلام مسئولية الهزيمة متهماً إياه بنقل أخبار مغلوطة بينما كان دور الإعلام يقتصر على نشر البيانات العسكرية التى تقدم إليه.. لذا أناشد الجميع بالكف عن إلقاء التهم جزافا على وسائل الإعلام المختلفة
ساحة النقاش