إياكم وقانون «الخلع»

كتبت :تهاني الصوابي

يبدو أن فى جعبة الأخوات النائبات عن حزب الحرية والعدالة الكثير من المفاجآت غير السارة للمرأة المصرية، وسوف تكن الدرع البشرى لتنفيذ المخططات الإخوانية لإلغاء القانون رقم «1» لسنة «2000» والخاص بالخلع، فقد بدأت الأحزاب الدينية تحت قبة البرلمان تكشر عن أنيابها لسن القوانين التى تضمن بها تكبيل المرأة والعودة بها إلى عصور الظلام، وتجريدها من حقوقها الشرعية فى مؤامرة واضحة وصريحة لضمان فرض سطوة الرجل على المرأة وقهرها وإذلالها، وهى التى كرمها الله سبحانه وتعالى، ووضعها فى مكانة متميزة .

لا نقول جديدا بل نقر حقيقة أن الشريعة الإسلامية أقرت واعترفت بحق المرأة فى الخلع عندما تستحيل الحياة مع الزوج الذى يرفض تطليق الزوجة وتسريحها بالمعروف، يقول الله تعالى فى كتابه الكريم مخاطبا الأزواج: «لا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به»، فالقرآن الكريم يثبت مشروعية الخلع كما ثبت فى السنة الشريفة، عندما جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تخبره أنها لا تعيب على زوجها فى خلق أو دين، لكنها لا تطيق العشرة معه، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مهرها، فقالت حديقة، فقال: «أتردين عليه حديقته» قالت نعم ، فقال: «اقبل الحديقة وطلقها»، وكان هذا أول خلع فى الإسلام، فقد أباحت الشريعة الإسلامية للمرأة أن تعطى لزوجها عوضا ماليا مقابل حصولها على الطلاق منه، كما يجوز للرجل أن يأخذ هذا العوض الذى رضيت به المرأة، وهو معنى الخلع الذى تعلو الأصوات الآن لإلغائه من قانون الأحوال الشخصية .

هذه المشروعية التى تنكرها «الأخت» النائبة البرلمانية التى تنتهج منهج السمع والطاعة للمرشد العام، وأقسمت عليه، حيث خرجت علينا بهذا «التصريح المستفز» بأنه يجب إعادة النظر فى قانون الخلع، باعتباره على حد قولها «أحد القوانين التى أفسدت الحياة الزوجية المصرية، وساهمت فى خراب البيوت»، والواضح هنا أن «الأخت» النائبة سوف تكون أحد الدروع البشرية لتنفيذ المخطط الإخوانى لإلغاء قانون الخلع وكل القوانين التى تحافظ على كرامة المرأة، استنادا إلى رؤيتهم الخاصة بأن تشريع الخلع استند إلى واقعة شاذة لا يجوز القياس عليها، لأنها فى حكم المعدوم، ومن الضرورى تعديل قوانين الأحوال الشخصية، وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية .

فإذا كانت الشريعة الإسلامية وهى مصدر التشريع تقر وتعترف بقانون الخلع كما سبق وأوضحنا، واتفق عليه الفقهاء، وهو ما يؤكده الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين فى مذكراته «الدعوة والداعية» حين قال «علموا أولادكم أن دين الله أوسع وأيسر أن يتحكم فيه عقل فرد أو جماعة، وإنما مرد كل شئ إلى الله ورسوله»، ورغم هذا فقد غضت الجماعة البصر عما سبق وأخذت بالمقولة التالية التى ينفى فيها الإمام كلامه فى تناقض لا يختلف عليه اثنين، عندما يستكمل قائلا : «وإمامهم إن كان لهم جماعة أو إمام»، مما يشير إلى النية فى النكوص بحقوق المرأة، وإطلاق العنان لإمام الجماعة أو المرشد أن يفسر الشريعة حسب أهوائه، وأن يسن القوانين كيفما يشاء، وأن ينظم الحياة العامة حتى لو كانت تتعارض مع شريعة الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

فالخلع مشروع بما أقره معظم الفقهاء والعلماء، اعتمادا على كتاب الله وسنة رسوله، يقول ابن قيم الجوزيه: «الخلع شقيق الطلاق وأشبه به»، وأن الأصل اللغوى للكلمة فى اللغة العربية «خلع» الإنسان ثوبه، أى نزعه وجرد نفسه منه، وهى فعل ماض، وكل فعل له مصدر والمصدر للفعل خلع هو «الخلع» بفتح الخاء، أو «الخلع» بضم الخاء وتسكين اللام، فبدلا من أن يكون «خلعا» بفتح الخاء أصبحت خلعا بضم الخاء، ويرى العلماء أن الخاء ضمت هنا للتفرقة بين الخلع بفتح الخاء أى الحسي، والخلع بضم الخاء أى المعنوى، وهو الخلع الذى نعرفه اليوم، وأباحه الله سبحانه وتعالى وأقره رسوله عليه الصلاة والسلام

 

 

المصدر: مجلة حواء -تهاني الصوابي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 620 مشاهدة
نشرت فى 1 فبراير 2012 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,468,925

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز