عانس..ولا تعمل

كتبت :نجلاء ابوزيد

تخيلت أنه بمجرد تخرجي في كلية الألسن بتقدير جيد جداً، أن أحظي بفرصة عمل فورا، لكن لم يحدث !! دعوت الله أن يرزقني بابن الحلال ليكون لبقائي في البيت مبرر لكن لم يحدث !مرت السنوات وأنا في انتظار أيٍ من الأملين لكن لم يتحقق أحدهما لتصبح الأيام مملة كئيبة !!

 هذه قصة واحدة من ملايين يعانين اختلاط ألم العنوسة بالبطالة، ولم يجد أحد حلاً لأيٍ من المشكلتين ومع من تعانين من هذه المشكلة المركبة كان لنا هذا التحقيق؛ لنحاول المساهمة في فضفضة هــؤلاء عن معاناتهن التي لا يتلفت إليها أحد !!

زينب - بكالوريوس تجارة - قالت : أوشكت على الدخول فى العام السادس والثلاثين وأعلم أن الزواج قسمة ونصيب، لكن مشكلتى الأكبر أننى نسيت ما درسته، وأصبحت ست بيت بدون أن يكون لى بيت مستقل، فأنا أخدم والدى ووالدتى ولا يغضبنى ذلك، لكنى أخدم كل أشقائى وزوجاتهم وأولادهم كلما حضروا إلينا ولا يوجد أى مهرب لى ؛ لأننى لم أجد عملاً مناسباً وبعد كثرة ترددى على مكاتب المحاسبة الخاصة وتعرضى للنصب من أكثر من مكتب، قررت انتظار الوظيفة، وقدمت أوراقى فى كل المسابقات لكن لم أنجح. المشكلة أن الفراغ يقتلنى لدرجة أننى أسهر طوال الليل على الفيس بوك أو التليفزيون وأنام حتى العصر، كل شىء أصبحت أكرهه؛ لأننى لم أتزوج أو أعمل فأى منهما كان كفيلا أن يهون على عدم مجئ الآخر، لتتفق معها نيفين كامل ليسانس حقوق- خطبت أكثر من مرة لكن لم يكتمل الارتباط، وكنت أهون الأمر على نفسى بأننى لازلت صغيرة ويجب أن أثبت ذاتى فى المحاماة، وعملت لدى أكثر من مكتب وفى كل مرة كنت أنفق على العمل من مال والدى حتى طالبنى بالبقاء فى البيت وتوفير النفقات، وجربت أكثر من مهنة حتى مدرسة الحضانة مارستها حتى وصلت لـ 33 عاماً وبدأت أشعر أن عدم الاستقرار فى العمل يهين كرامتى فلم أعد «الكتكوتة الصغيرة» التى تعمل لتتسلى فقررت البقاء فى البيت وانتظار ابن الحلال، لكن لم يحدث، وأشعر أن عمرى كله ضاع ولا أحد يقدر ما أعانيه حتى شقيقاتى لا يتذكرننى إلا عندما يحتجن «بيبى سيتر» لأولادهن . الزواج قسمة ونصيب، لكن العمل.. بشكل ممارسة ما تعلمته طيلة حياتى، من المسئول عن عدم عملى إلى الآن ؟..

 الانتحار هو الحل ولكن .. هكذا بدأت بسخرية لاذعة حديثها وأكملت شيرى قائلة: مشكلتى ليس لها حل، سنى كبر وأوشكت على الأربعين ولن أجد أحداً يعيننى أو يتزوجنى، ولا ألوم إلا نفسى، فبعد تخرجى من كلية الآداب عملت لفترة فى مدرسة، لكن لم يعجبنى نظامها فتركتها وأقنعت نفسى أن البيت أفضل حتى أتزوج وبدأت أحضر كل المناسبات لألفت انتباه الآخرين، وتقدم لى بعضهم لكن ظروفهم المالية الصعبة أفشلت الارتباط، ومرت الأيام وأحببت رجلا متزوجا، وضيعت أجمل سنوات عمرى فى انتظار أن ينفصل عن زوجته ولم يحدث عندما أنظر للمرآة أشعر أننى لم أفعل أى شىء إيجابى، وأن الانتحار هو أفضل الحلول لكنه حرام فأعود لحياتى المملة الكئيبة . نظرات الناس تقطمنى جهات العمل المختلفة ترفضنى؛ لأنى لم أعد أناسب العمل بالعقد أو القطعة لكبر سنى، ما يحيرنى بشدة كيف مرت كل هذه السنوات من يدى ولم أشعر بها ؟!!

 الحكايات رغم اختلاف تفاصيلها إلا أنها تتفق فى مضمونها الأساسى والسؤال هنا كيف تعيش من فاتهـــا قطار الزواج ولا تعمل ؟

 د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع تحدثت قائلة: ارتفاع سن الزواج واحدة من الأزمات الأساسية التى يعانى منها المجتمع المصرى، وهى ناتجة عن أزمات اجتماعية واقتصادية أدت لعدم إقبال نسبة كبيرة من الشباب على الزواج، أو الارتباط بمن تصغره بسنوات كثيرة فتصبح من فى سنه بلا فرصة حقيقية فى الزواج . وعادة عندما تكون الفتاة تعمل ولها دخل ثابت يكون إحساسها بهذه المشكلة مؤلما لكن تتعايش معه بشكل طبيعى، على أساس أنه حال معظم الجامعيات اليوم وأن الزواج قسمة ونصيب لكن المشكلة الأكبر أن تتزاوج العنوسة مع البطالة، فمع عدم توافر فرص عمل مناسبة للمرأة على وجه التحديد، قد تضطر الفتاة لقبول بعض الأعمال الهامشية فى بداية حياتها العملية لكن كلما كبرت فى السن رفضت هذه النوعية من الأعمال مما يجعلها تعانى الملل والوحدة خاصة مع تجنب الآخرين للتداخل معها خوفا على أزواجهن أو ما شابه ذلك. وهنا يجب على الفتاة أن تدرك أهمية العمل وإن لم تجد العمل بأجر فعليها أن تحاول أن تمد يد العون للمحيطين بها والمشاركة فى أى عمل تطوعى فى محيط الحى الذى تسكنه؛ لأن البقاء فى البيت سيزيد من شعورها بالوحدة والفشل وأن يتعاون أفراد عائلتها معها فى عمل مشروع خاص أو أى نشاط يشغل وقتها؛ لأن المشكلة الأساسية هنا لا تكون العنوسة لكن البطالة التى تزيد من حدة الإحساس بمشكلة العنوسة..

 يتفق معها د. إسماعيل يوسف أستاذ الطب النفسى جامعة قناة السويس

 قائلاً : المرأة المصرية لازالت تعانى ضغوطا مجتمعية كثيرة تصيبها بالعديد من الأزمات النفسية؛ لأن المجتمع لازال يتعامل معها على أنها الطرف الأدنى المطلوب منه الزواج ورعاية الأبناء وعندما لا تجد الشخص المناسب عادة ما تضع طاقتها فى عملها؛ لتثبت نجاحها فى شىء آخر يبرر لنفسها أولاً ثم للمجتمع المحيط بها أنها إنسانة سوية وأن عدم ارتباطها ليس مشكلة لكنها لم تجد من يناسبها ، لكن عندما لا تجد ما تحقق فيه ذاتها وتكون ممن يعانين من البطالة، هنا تزداد الضغوط النفسية عليها وقد تدخل فى موجات من الضيق النفسى قد تصل للاكتئاب إذا لم يكن هناك ما يشغلها فى حياتها كأن ترعى والديها أو غير ذلك . لذا فمن تعانى المشكلتين قد تفقد الثقة فى نفسها وقدراتها تدريجيا، وقد تتحول إلى كراهية للمجتمع الذى تعيش فيه لأنه لم يساعدها على إيجاد ذاتها فى أى شىء سواء بالزواج والإنجاب أو العمل، وختم حديثه ناصحا الفتيات بعدم اليأس وتطوير مهارتهن بشكل دائم؛ حتى يتغلبن على الشعور بالملل والثقة بأنهن قد يجدن فرصة أفضل سواء على المستوى الشخصى أو العملى، وعلى الجهات الرسمية أن تهتم بالقضاء على البطالة وأن تستثمر طاقات الشباب فلا يوجد تنمية حقيقية مع إهدار الطاقات

المصدر: مجلة حواء -نجلاء ابوزيد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1168 مشاهدة
نشرت فى 2 مارس 2012 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,807,329

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز