الشعب يريد عودة الأخلاق
كتبت :أسماء صقر
أشعل مواطن بمدينة شرم الشيخ النار في جسده بسبب ارتفاع القيمة الإيجارية للبازار الذي يستأجره بإحدي المناطق السياحية، وقتل مواطن في المنيا مواطنا أثناء شجار في طابور أنبوبة البوتاجاز، وشوه عاطل وجه طفلة صغيرة إنتقاما من والدها الذي طرده من العمل،هذه بعض من نماذج كثيرة لا حصر لها تجري في الشارع المصري دون وازع من دين أو أخلاق أو قانون، ما يجري يشكل صرخة مدوية تطالب بعودة سريعة للأخلاق، طرحنا قضية التعامل بين الناس للمناقشة فكانت السطور التالية ..
عن آداب التعامل تقول سلوى كمال -مهندسة- «الناس أصبحت بتأكل فى بعضها، فمع أى احتكاك ومناقشة مع الآخرين وتصحيح وجهة النظر قد تقوم مشاجرة وسب وغيره من أشكال العنف».
وتؤيدها إنعام حامد- موظفة - قائلة: لايوجد الآن التزام بالآداب العامة فى التعامل والحديث مع الآخرين، سواء فى الشارع أو أى مكان آخر فهناك من يأخذ الأمور ببلطجة ليفرض رأيه على الآخرين.
ويتفق معهما خالد عبد الجواد- موظف- قائلاً: ابنتى مريضة وذهبت بها للمستشفى، ووجدت معاملة غير جيدة من خلال نبرة الصوت العالية فى الحديث والغضب، فأتمنى أن نلتزم بالسلوكيات الحميدة والتعامل مع الآخرين برقى.
ويؤكد ناجى عزيز -محاسب قانونى- على أن البطالة وقلة المال تساعدان على توليد الغضب والعنف داخل النفس، لذلك العمل ضرورى من أجل إخراج طاقة الشباب وانفعالاته ومساعدته على تكوين أسرة من خلال الزواج وحل المشكلات التى تواجهه من الناحية المادية.
أما فاطمة الشوادفى - ربة منزل- لها رأى آخر فتقول: هناك من يلتزم بالآداب العامة فى التعامل مع الآخرين من خلال الأقوال والأفعال، وهناك فئة لا تلتزم بهذه الآداب، وذلك يرجع إلى التنشئة الاجتماعية والضغوط التى قد يتعرض لها الشباب الآن.
مشاجرات
وتروى (م.ح) موظفة - أنها تعرضت للمشاجرة والسباب عندما قامت بركن سيارتها مكان شخص آخر، وهى لم تعرف، فعندما علم بذلك تشاجر معها وكاد أن يضربها رغم أن الشارع ملك الجميع، فهى كانت معتادة أن تركن سيارتها بالقرب من عملها.
وأيضاً (أ.ج) مدرس يقول: عند ركوبى مترو الأنفاق وأنا عائد من عملى يكون مزدحماً فتنشب الكثير من الخناقات والسباب وأحيانا يصل الأمر لاستخدام آلة حادة والإصابة ونتدخل جميعاً لحل المشكلة ونبعد الطرفين عن بعض، ففى مرة قمت من مكانى وطلبت من أحد المتشاجرين أن يجلس مكانى.
ويقول (س.ع) محاسب: تشاجرت مع سائق ميكروباص عندما قمت بجمع الأجرة له ووجد الأجرة غير كاملة واتهمنى بأننى لم أدفع الأجرة مما جعلنى أتشاجر معه فقام بإيقاف الميكروباص ورفع على مطواة وأصابنى فى ذراعى ووجهى.
ظاهرة العنف
وبعد الاستماع إلى القصص التى تبين كيفية التعامل مع الآخرين فى مجتمعنا الآن، تحدثنا مع الدكتور: عبد المنعم شحاتة-أستاذ علم النفس بجماعة المنوفية - فقال: فى البداية لابد وأن نعترف أن ظاهرة العنف أصبحت منتشرة فى المجتمع المصرى، وهناك عدم إدراك لآلية وآداب التعامل مع الآخرين، فالعنف هو سلوك إيذائى يرتكز على عدم الاعتراف بالطرف الآخر وقد يكون إيذاء بالقول «كالسب والإهانة» أو بالفعل كاستخدام القوة العضلية من خلال الضرب وارتكاب الجرائم كالقتل، وقد يكون العنف جماعياً، لكن المجتمع أيضاً متمثلاً فى أفراده ومجموعاته يمارس عنفاً حين يستبعد الآخرين ويرفض التحاور معهم.
وأيضاً ضرورة قبول أعذار الآخرين، حيث يمر الإنسان أحياناً ببعض المواقف التى تبعده عن طبيعته الهادئة الوديعة، وهذه المواقف تكون طارئة ورغماً عنه، لذا علينا أن نكون حذرين فى التعامل مع مواقف الحياة اليومية.
والاعتراف بالخطأ من الآداب التى تجعل من المعترف محل ثقة واطمئنان أمام الناس.
النقد الإيجابى
وتضيف الدكتورة هناء المرصفى- أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس- قائلة: يجب على الإنسان أن يتجنب اللوم فى تعامله مع الآخرين.
كما أن لكل إنسان جانبين أحدهما يستحق النقد والآخر المدح، لذا هناك صفات لابد وأن يتحلى بها الإنسان لتحقيق ميزان السعادة والرخاء وإصدار الأحكام على الآخرين، ومن هذه الصفات «الموضوعية» بمعنى أن تنقد نفسك قبل نقدك للآخرين بالإضافة إلى تقبل نقد الآخرين لك، ويقصد هنا «بالنقد الإيجابى» ليس القائم على المصالح الشخصية. ومن هذه الصفات المرونة والحياد وعدم الانحياز فى محيط علاقتنا فى الأسرة والعمل، ويكون الانحياز مطلوباً وملحاً فى الحق وإنجاز الأعمال وآدائها، أو لموضوع عندما تكون إيجابياته أكثر من سلبياته. وأيضاً التواضع فعلى الإنسان أن يعرف حدود قدراته وإمكانياته ولا يتعالى على الأخرين أثناء التعامل معهم.
وإذا كان هذا رأى المتخصصين فى علم النفس والاجتماع فإن الأديان السماوية حددت آداب التعامل مع الآخرين، وعن ذلك يقول الدكتور: حسين إبراهيم عمر- أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر- لمعرفة سلوك المسلم الصحيح يحثنا الإسلام على المحبة والمودة والإخاء بين الناس، وقد مر أبو الدرداء «رضى الله عنه» على رجل قد أصاب ذنباً فكانوا يسبونه فقال: أرأيتم لو وجدتموه فى قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟
قالوا: بلى قال: فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذى عافكم!
قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخى. كما ذكر فى القرآن الكريم «وقولوا للناس حسنى» صدق الله العظيم.
وينصح د. عمر بتربية الأطفال فى الأسرة على الأسس الدينية الصحيحة وغرس المبادئ التى تقوم على حب الخير والتعاون والإخاء والرحمة والبر فى نفس الطفل، وذلك من أجل مجتمع مترابط ومتآلف.
وعن رأي المسيحية يذكر القس جرجس حنا- قس كنيسة العذراء بالمنوفية- بأنه: جاء كل دين من عند الله ليكون نظام حياة نافذاً فى الواقع، وليتبعة الناس فى نشاطهم الحيوى لا ليبقى مجرد شعور عاطفى متمركز فى الضمير، ولاحتى مجرد شعائر تعبدية أسيرة لدور العبادة.
هكذا هى التوراة: كما قال القرآن «إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء» وهكذا هو الإنجيل «وقفِّينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لمابين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين».
فأظهرت الديانة المسيحية عمق الارتباط بين معتقد الإنسان ومنظومة القيم المتبناة بناء عليها، يقول نبى الله عيسى عليه السلام: «هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيداً وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثماراً رديئة ولا تقدر شجرة جيدة أن تصنع ثماراً رديئة، ولاشجرة رديئة أن تصنع أثماراً جيدة».
ويختم حديثه قائلاً: إن الأخلاق الدينية لم تدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية روحية أو جسدية وعقلية أو عاطفية فردية أو جماعية إلا رسمت لها المنهج الأمثل فى السلوك الرفيع والتعامل مع الآخرين
ساحة النقاش