النوم فى زمن الأرق والتوتر والقلق

 

 

 في زمن الأزمات وغياب الأمن والاستقرار وخوف المرء من المستقبل الغامض، تضطرب ساعات نومه بين اللهاث في العمل والتفكير المتواصل فيما سوف يحمله الغد، لتصبح الرغبة في النوم شبه مستحيلة.

لذا قررنا أن ندخل ونتعرف علي سلطان النوم ومملكته، في محاولة لكشف أسراره وعلاقته بالجسد والمؤثرات الطبيعية من تغذية وخلافه مساهمة منا في الحصول علي نوم عميق وهادئ، يخفف من وطأة إيقاع الحياة في مصر الآن 

فى معمل النوم الملحق بجامعة هارفارد أثبت الباحثون أن المخ يتميز بنشاط كبير أثناء النوم، وتبين لهم أن النوم عملية تتم فى دورات، مدة كل دورة حوالى 90 دقيقة، حيث يتطور النوم من الخفيف إلى العميق، بحيث يهدأ نشاط المخ وضربات القلب وتتراجع درجة الحرارة.

ثم تأتى المرحلة الأخيرة لتبدأ حركة العين فى السرعة وتتجول العينان بلا استقرار، فيبدأ الدماغ فى النشاط وتحدث الأحلام.

ومراحل النوم خمس مراحل، مرحلة الغفلة حيث يتراجع نشاط المخ وتسترخى العضلات، ثم مرحلة الاسترخاء، فمرحلة الكسل ، لتأتى بعدها مرحلة النوم العميق، وأخيراً مرحلة تحرك العينين تحت الجفن .. ولكل مرحلة أهميتها وضرورتها فى نوم صحى.

ساعات النوم

والنوم ليس مجرد عملية تحدث بمجرد أن نلقى بأجسادنا على الفراش، لكنه عملية تساعدنا على الحياة بشكل أفضل، فالنوم كما أثبت العلماء يحسن الذاكرة، حتى الأحلام التى تزورنا خلاله تساعدنا فى تقوية شحنات الذاكرة.

ويتم توزيع 70% من جرعة الهرمونات اليومية على الجسم أثناء النوم لتستخدم فى ترميم البشرة وبناء العضلات والعظم.

النوم أيضاً يؤدى إلى زيادة مناعة الجسم، وقد ثبت علمياً أن منع الإنسان من النوم لفترات محددة يعمل على انهيار جهاز المناعة وانهيار الأعصاب ما يؤدى للوفاة إذا زادت المدة.

وفى كتاب «معجزة العلاج بالنوم» يؤكد جيمس ماس أن الإنسان لابد أن يحترم ساعات نومه حتى يتمكن من الوفاء بمسئولياته، وأن تقليص عدد ساعات النوم يؤثر سلباً على تيقظ الإنسان وتنبهه خلال ساعات النهار بنسبة 33%، وفى كتاب «عشر خطوات لتأمين الطاقة» تؤكد الكاتبة ليسلى كينون أن جسم الإنسان يحمل ساعته الخاصة والتى تتكون من 24 ساعة، هذه الساعة تتحكم فى درجة تنبه الإنسان ودرجة حرارة الجسم والهرمونات.

لكل جسم خريطته

إن الإنسان الطبيعى ترتفع درجة حرارته قليلاً ما بين الرابعة والسادسة مساءً، ومعها يرتفع مستوى الكورتيزون وينطلق السكر فى الدم لإمداد الجسم بالطاقة، بينما فى الليل يطلق الجسم مادة الميلاتونين وهى المسئولة عن النعاس والنوم.

وحول تقسيم ساعات النوم تؤكد كينون أن لكل جسم خريطته، ولكن على المستوى العام يحتاج الرضيع حوالى 12 ساعة نوم، وعندما يصل ستة أشهر تصل حاجته إلىه لـ13 ساعة.

بينما الإنسان العادى يحتاج من 7-8 ساعات يومياً متواصلة، ويفضل أن تكون كلها أثناء الليل.

وتؤكد الكاتبة على ضرورة الغفوة التى ينالها الإنسان وقت الظهيرة بشرط ألا تزيد عن 45 دقيقة، حيث تعمل هذه الغفوة على تجديد نشاط الجسم، وهى أهم للرجال منها للنساء، حيث حرمان الرجل نفسه من القيلولة قد يضر بعضلة القلب على المدى الطويل.

وفى دراسة أمريكية اتضح أن 20% ينامون أقل من 6 ساعات يومياً، وأن 10% يقضون أكثر من 9ساعات فى النوم، بينما يقضى معظمنا حوالى ثلث عمره نائماً..

طرائف النوم

وللنوم طرائفه على مر التاريخ، فقد كان نابليون ينام جالساً فوق جواده، بينما كان الإسكندر ينام فى حوض ملىء بالماء الذى يغطى جسده تماماً حتى عنقه، ويقول أن ذلك يجلب له الأفكار الجيدة والأحلام السعيدة.

أيضاً كانت تاتشر وفيكتور هوجو، وفرانكلين وتشرشل، من أصحاب النوم القصير جداً، بينما اشتهر اينشتاين بالنوم الطويل.

ويذكر أن هناك شخصاً يدعى «ايزكير دور» حير العلماء بحالته الفريدة، فهذا الرجل كان من سكان هافانا وقد اشتهر بين الجميع أنه لم ينم منذ الحرب العالمية الثانية، واكتشف العلماء أن السبب فى هذا إصابته بالتهاب فى الدماغ أثر على منطقة النوم فى مخه!!

ويؤكد مدير وحدة اضطرابات النوم بجامعة بمونبلييه بفرنسا، أن مهمة النوم عظيمة جدا،ً حيث يعمل على تعويض الإرهاق الجسدى والعصبى، وأن النوم المتقطع الذى تتخلله الأحلام يفيد الأعصاب ويضاعف من تمثيل البروتينات.

وأكد أن من يجبر نفسه على النوم أقل من 6ساعات يومياً، إنما يعرض نفسه لأمراض القلب وأمراض الجهاز العصبى، ويضر كثيراً بجهاز المناعة فتداهمه الأمراض.

أحلام وحلول

وأبحاث العلم حول النوم لا تنتهى، فقد أكدت الأبحاث أهمية النوم فى التعلم، واكتشفوا أن الطيور الصغيرة إنما تتعلم التغريد أثناء نومها، وأن الإنسان يشابهها كثيراً فى تعلم خبراته، حتى أنهم شبهوا مخ الإنسان بالحاسب الآلى «الكمبيوتر» فعندما ندخل برنامجا جديدا على حاسبنا لابد من إطفائه وإعادة تشغيله ليتم الحفظ، تماماً مثلماً يحدث فى المخ البشرى، وقد أثبتوا بالتجارب أن الحصول على معلومة ثم اللجوء ولو لغفوة بعدها يساعد كثيراً على تثبيتها بعقولنا وحفظها. لذلك عندما نركز أذهاننا على شىء ما ثم ننام ونحن على هذا الاهتمام، نجد أحلامنا ترشدنا لحل هذا الشىء أو إكماله، وهذا بالضبط ما حدث مع فوك كيكولى الذى اكتشف التركيبة الكيميائية للبنزين من مجرد حلم.

ونفس الشىء كان يحدث مع الكاتب ستيفنسون والذى أكد أنه يعثر على تكملة رواياته من أحلامه.

لذلك فمشاهدة أفلام الرعب والإثارة أو التعرض لأحداث مربكة قبل النوم مباشرة، يؤثر بشدة فى هدوء النوم، ويعرض الإنسان لمتاعب بالجهاز العصبى، فى حين التعرض للموسيقى الهادئة أو الأدعية الدينية تساعد على الصفاء النفسى إذا ما اتبعنا هذا النظام قبل النوم مباشرة.

وإذا كان النوم على هذا القدر من الأهمية، فالأرق يصبح عدونا الأول، وهو ما أكده د. آلن ستيوارت فى كتابه tired all the time «مرهق ومجهد طوال الوقت» فهو يشرح أسباب الإرهاق المزمن الذى نشعر به، ويرجع معظم الأسباب لعدم أخذ القسط الكافى من النوم، وأن المرض يؤدى للأرق، كما أن الأرق يؤدى إلى المرض وهى دائرة مرهقة.

لكنه يصل إلى شىء مهم وهو الغذاء .. إنه ينصحنا أن نفتش عن السبب فى غذائنا فقد يكون مرضنا ناتجاً عن نقص بعض عناصر الغذاء، وقد يكون الأرق الذى نعانيه نتيجة إهمالنا لأغذية مهمة، ويقول أن هناك ثلاثة عناصر ضرورية الوجود للتغلب على الإرهاق والأرق، وهى الحديد والماغنسيوم وفيتامين ب المركب.

تأثير التغذية

ويؤكد علماء التغذية أن الكالسيوم أيضاً من العناصر المهمة لجلب نوم هادئ، وأن التدخين من الأسباب الأساسية لنوم مضطرب، فاللفافة الأولى تعتبر مهدئة فى حين كل لفافة بعدها عبارة عن محفز عصبى، تناول القهوة أيضا بعد المغرب يؤثر على هدوء النوم، هذا بجانب تأثيرها السيىء حيث يتحد الكافيين مع الدهون فيمنع انسيابها بحرية لتترسب على جدران الأوعية الدموية مسببة تصلب الشرايين على المدى الطويل.

وحتى نحصل على نوم جيد فلابد أن يحتوى غذاء اليوم على الخبز الأسمر، والأرز الأسمر، حيث توافر فتيامين (ب).

المشروبات

علينا أن نعرف أيضا أن تناول كميات كبيرة من المعجنات وتحلية المشروبات بالكثير من السكر الأبيض، يعمل على تخفيض معدل الماغنيسيوم فى الدم ما يتسبب فى نوم غير مريح.

ويعتبر الزنجبيل من المواد المعروفة بتأثيره الإيجابى على التهدئة النفسية، حيث يعطل إفرازات ترمبوكسان، وهى مادة لها تأثيرها الضار على الجسم، لأنها تؤذى الشرايين وتؤثر بشدة على الحالة النفسية.

وفى الجسم مراكز مضادة للقلق والتوتر تعمل مادة ترمبوكسان على تعطيلها، لذلك تأتى أهمية الزنجبيل فى تعطيل هذه المادة، ولكن للعلم بالزنجبيل له تأثير مزودج فهو يهدئ نفسيا، لكنه ينشط بدنيا، لذلك لا يستحب تناوله كمنوم، ولكن كمهدئ للحالة النفسية، ولا يفضل تناوله بعد المغرب.

وما تجدر الإشارة إليه أن انخفاض السكر فى الدم يمكن أن يؤدى إلى الاستيقاظ ليلا، وبالتالى التعرض للأرق، لذلك لابد من تعديل هذا الخلل عن طريق تناول الموز مثلاً قبل النوم بنصف ساعة.

وللحصول على نوم هادئ لا ننسى تأثير الخس حيث يتوافر به فيتامين (ب1) الذى يعالج عسر الهضم وبعض أمراض الجهاز العصبى، وبه مادة لاكتوكاريوم المهدئة، بالإضافة إلى أنه يعالج فقر الدم وآلام المفاصل التى تعتبر سببا لكثيرين فى نوم غير هادئ.

الجزر أيضا يعتبر من الأغذية المهمة لجلب نوم هادئ، حيث يحتوى على فيتامينات أ، ب1، ب2، سى، دى، ، وإى، والمعادن، وتكمن فائدته فى القشرة الخارجية.. الكرفس من الأغذية التى تفيد الجهاز العصبى، يعالج الإرهاق ويحسن الحالة النفسية، ويشابهه السفرجل والنعناع فى التأثير المهدئ.

ولأن الأطعمة الجاهزة والدسمة تؤدى للتوترات العصبية نتيجة تسببها فى زيادة حموضة الدم، فيفضل عدم تناولها فى وجبات العشاء، وإن كان لابد من تناولها، فلابد من تناول ملعقة زبيب معها أو ثمرة تمر، أو بعض الخضراوات الطازجة ذات الأوراق الخضراء لتعادل التأثير الحمضى لها.

قبل العشاء

وهناك أغذية يجب أن نتجنب تناولها فى المساء إذا أردنا نوما هادئا، مثل العنب الذى يعمل كمنشط للعضلات، والشوكولاتة والبرتقال والفلفل فكلها أغذية تحتوى على مادة التيرامين المنبهة للأعصاب.

أما الأغذية التى تفضل لوجبة العشاء، فهى لحم الديك الرومى، الموز، التين، البلح، التونا، منتجات الحبوب، زبدة الفول السودانى، الجريب فروت، حيث تحتوى على مادة تمربتوفان وهى مهدئة، أيضاً مشروب الكاموميل.

وينصح الخبراء دائما ألا يجبر الإنسان نفسه على الاستيقاظ بشكل مفاجىء، فهذا العمل يسىء بشدة للجسم والنفس معا لأنه يعمل على اعتراض طريق تدفق الدم إلى المخ ما قد يؤدى إلى جلطات دموية أو أزمات قلبية...

نصيحة الخبراء

لذلك ينصحنا الخبراء أنه عند نهوضنا من النوم، نفتح أعيننا ثم نأخذ نفسا عميقاً ونحن مازلنا بالفراش قبل أن نقف على قدمينا، فمجرد أن يقف الإنسان بعد الاستيقاظ تحدث تغيرات كثيرة فى الطريقة التى تعمل بها أجهزة الجسم الداخلية، وينصحوننا أيضا ألا نتجه مباشرة لمصباح النور بعد الاستيقاظ، بل نزيح الستائر حيث نواجه الضوء الطبيعى للنهار الذى يمنحنا صفاء طوال اليوم وتوازنا نفسيا، مع مراعاة ألا نعرض أعيننا فجأة للضوء حتى لا تتأثر سلبيا.

المصدر: مجلة حواء- قسم التحقيقات الصحفية
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1099 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,764,241

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز