يديرن مشروعات من ادخارهن
المصرية حمالة المسئولية
كتبت :ايمان الدربي
أم محمد وفتحية وزينب ووردة؛ سيدات بسيطات من قرى ونجوع وحوارى مصر، علمهن الفقر قيمة القرش، يدخرن جنيهات قليلة ليدرن مشروعات بسيطة، ربما لأنهن نساء معيلات، يعلن أسرهن لفقد الزوج أو الأب أو العائل للأسرة، أو للتكيف مع ارتفاع تكاليف الحياة، وظروف الفقر بشكل عام.. ما يميز هؤلاء النسوة أن امتلاكهن لذكاء فطرى وقدرة علي المثابرة والحلم بتغيير حياتهن من خلال تلك المدخرات البسيطة.
«حواء» ترصد قيمة الادخار وأسبابه ودوافعه لدى هذه الفئة من النساء تحديداً.. من المهمشات والفقيرات والمعيلات >>
تحدثت «حواء» إلى نموذجين من السيدات خلال الجولة الميدانية تجلسان بأحد الأسواق الشعبية إحداهن تبيع الخضراوات بعد تنظيفها وتعبئها فى أكياس، والأخرى تبيع الجبن القريش والزبد والفطير الذى تصنعه فى منزلها.. سألتهن كيف يدرن هذه المشروعات البسيطة؟ وكيف كانت البداية تقول أم محمد: أنا قصتى طويلة.. بيع الخضار وتنظيفه ووضعه فى أكياس ربى ثلاثة رجال ، اثنان منهم أطباء والثالث محاسب، إحنا فى الأساس من الفيوم وزوجى فواعلى يوم يشتغل وعشرة فى البيت، فكرت أشتغل حاجة نعيش منها وفعلاً، اشتغلت أجرية أجمع المحصول من الأراضى حوالينا، وادخرت القرش على القرش والبداية، كانت جنيهات قليلة اشتريت بها خضراوات وأكياس ، وبدأت أنظفها وأعبيها فى أكياس وأنزل بها سوق سعد زغلول قرب مقام السيدة زينب وبدأ الناس يعرفونى وكونت زبائن، وبدأت سيدات كثيرات يتفقن معى على كميات كبيرة لعزومات عندهن، والحمد لله باكسب كويس والبيت عمران ومفتوح وعلمت ولادى التلاتة، واشتريت ثلاجة وبوتاجاز وتليفزيون ملون، والأساس إنى حوشت مبلغ بسيط وقررت ونويت أعيش أنا وأولادى. وكنت كل ما أحس بالتعب افتكر حلمى بوصول ولادى لأعلى المناصب.. ألاقى التعب راح ورجعت اشتغل بكل همة.
أما وردة؛ هذه الفلاحة البسيطة تحدثت قائلة: أنا من قرية فى القناطر حوشت مبلغ بسيط.. استمريت أجمع فيه حوالى سنة وقدرت أعمل منه الجبن القريش والزبد والفطير المشلتت، أصل الصنعة دى أنا ورثاها عن جدتى وأمى.. لما بدأت الفكرة كنت لسة بنت لكن أبويا وقتها كان دخله على قده ولى سبعة أخوات، وفعلاً جلست فى السوق وكنت مصرة على النجاح وأخذت محلاً وشغلت ثلاثة من إخوتى معى وأتاجر فى الطيور الفلاحى، كل ده من جنيهات قليلة فكرت أقتصدها وأحوشها من قوت يومى حتى يصبح بكرة أحلى.
واقعية
وتعقيبا علي هذه النماذج يؤكد د. على ليلة - أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس -: إن هؤلاء النساء يتميزن بقدرة عالية على الصبر ورؤية دقيقة للغاية للمستقبل، ودرجة عالية من الواقعية والأهم أن الإيثار يظهر لديهن بشكل كبير.
المرأة من هؤلاء تدخر جنيهات قليلة من أجل إقامة مشروعات بسيطة تعول من خلال عائدها أسرتها لتعود وتوفر لهما حد الكفاف واستمرار الحياة، امرأة كهذه بالقطع هى تؤثر الآخرين على ذاتها.
وأضاف د. ليلة : إن هناك نظرية لعالم اجتماعى يدعى ماكسى مثيبر يرى ميلاً فى بعض البشر للادخار وتأسيس المشروعات وعدم تبذير الأموال، وهذا الميل بالقطع لدى هؤلاء النسوة اللائى يجدن فى قيمة الادخار والعمل الدؤوب وعدم إضاعة الوقت فيما هو غير منتج، والإصرار على ادخار تلك الجنيهات القليلة، وإقامة مشروعات يحاولن نجاحها بكل الطرق، ويبذلن أقصى جهد؛ فهن نساء يعلمن جيداً قيمة الادخار ، ويؤكدن دائماً على أهميته.
الادخار والأمل
والسؤال الآن ما الدافع والتفسير السلوكى لهؤلاء النسوة؟! هذا السؤال أجابت عنه د. نرفانا خضر - أستاذة علم السلوكيات - مؤكدة أن هؤلاء النسوة لديهن دافع قوى.. هو دافع المسئولية فتلك السيدة أو الفتاة التى تدخر جنيهات بسيطة لديها رغبة حقيقية فى إعالة ذاتها وذويها، ورغم أنها تقوم بدور مهم إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً، إلا أن المجتمع الذى تعيش بداخله لا يسلط عليها الأضواء فهى تدخر وتدير مشروعاً بسيطاً وتعول ذاتها ومن حولها فى الغالب بدون أن يظهر هذا الدور ولا أن يتم التركيز عليه.
ثم إن هناك دافعاً آخر لهذا السلوك وهو الأمل والرغبة فى الحياة للأفضل، فهى تريد أن ترفع مستوى عائلتها أو تعلم أولادها وتوفر حد الكفاف وعدم الحاجة سواء لها أو لمن حولها، كل هذا يجعلها تتجه للادخار ويجعلها تصر وتؤكد على أن هذا الادخار هو السبيل للنجاة سواء لمواجهة أى موقف صعب أو لإدارة مشروع يدر عليها دخلاً تعول به ذاتها ومن حولها.
خبرات
ربما التطلعات البسيطة والرضا والمتطلبات الضعيفة للحياة سبباً من أسباب قدرة هؤلاء النسوة على الادخار.. هذا ما أكدته د. أمانى الطويل - الخبيرة بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام. قائلة: إن من أسباب نجاح هؤلاء النسوة فى الادخار وإقامة مشروعات بسيطة سرعة دوران رأس المال، فهى تقيم فى الغالب مشروعات تفهم فيها جيداً مثل تنظيف الخضار وتعبئته أو عمل الجبن والفطير وهكذا ثم هناك المثابرة فهن نساء مثابرات، جعلت الطبيعة من حولهن الادخار هو السبيل الوحيد لكسب لقمة العيش والبقاء .
وأشارت د. الطويل إنه إذا اعتبرنا أن هؤلاء النساء فى الفئات الأكثر فقراً من المهمشات والمحتاجات إلى دعم وأنهن فى الغالب معيلات، فإن هذا يجعلهن أحوج للادخار وإقامة المشروعات البسيطة.
ولكن الأهم أن هؤلاء النسوة يحتجن إلى دعم حقيقى، فالمرأة المعيلة تحتاج إلى دعم فى سياسات الأحزاب وأن يكون بشكل عام هناك شكل من أشكال السياسات التفصيلية لهؤلاء النسوة سواء بتخفيض مصاريف التعليم لأولادهن أو بتخفيض تكلفة العلاج، وبشكل عام يجب أن يكون لهؤلاء النساء أنواع مختلفة من التفضيل فى الحقوق الأساسية سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو الصحية.
التكيف مع الفقر
هناك رؤية أخرى لثريا عبدالجواد - أستاذة علم الاجتماع بجامعة المنوفية - لاتجاه هؤلاء النسوة للادخار والتكيف مع ظروف الفقر حيث تري أن هذه المرأة تلجأ للتعاون مع الآخرين لتدبير النفقات والتعاون والمشاركة لتجاوز أزمة ما أو لعمل مشروع ما، ويعتبر هذا الادخار إحدي آليات مواجهة الفقر، فخبراتها تجعلها تقتطع جزءاً من دخلها حتى يتوفر معها مبلغ تستطيع عمل مشروع به أو حتى لمواجهة الأزمات.
وتشير د. عبدالجواد: إن هؤلاء النسوة فى الغالب تحت خط الفقر، لذا يتجهن للادخار والجمعيات ليوفين بالالتزامات والاحتياجات الضرورية مثل زواج ابنتها والجمعيات أو مصاريف تعليم، هذا فى إطار خبرتها من التراث الشعبى والثقافة المصرية التى تؤكد على فكرة الادخار وقيمته لمواجهة الأزمات.
قيمة الإدخار الحياة
أما د. سهير شعراوى الأستاذة بجامعة بنها ونائبة رئيس الجامعة سابقاً - فتؤكد: إن هؤلاء النسوة اللائى يدخرن ويعرفن قيمة الادخار هن في الغالب من قرى وصعيد ونجوع مصر وهن فى الغالب نساء معيلات، فلاحات تدفعهن الفطرة للادخار، هذه النماذج ليست جديدة ولكنها قديمة ، هذه الفلاحة التى تساند زوجها وتقف بجواره لديها أخلاقيات وحكمة وقدرة على الإدارة والتدبير والادخار ، بل وإدارة مشروعات بسيطة تدر عليها دخلاً وتستطيع من خلالها إدارة المنزل والحياة داخل عائلتها.. وهذه السيدة البسيطة لديها قوانين اقتصادية تستقيها من الخبرة والخلفية التى عاشت فيها.
وتؤكد د. شعراوى: إن هؤلاء النسوة لديهن هدف يردن الوصول إليه ولذلك سبيلها لهذا هو الادخار، لهذا تعمل فيما تعرفه فهى تعى جيداً أبعاد وتفاصيل ما تفعله، ثم أنهن يتمتعن بعقلية تجارية تستطيع أن تفكر وتدخر، وتدير مشروع ما.
الفقر علمني
ولكن ما التفسير النفسى لاتجاه هؤلاء النسوة للادخار؟! هذا ما أشار إليه د. محمود عطية - الطبيب النفسى مؤكداً: إن هناك مثلاً شعبياً يقول «الفقر علمنى» هذا المثل فى التراث الشعبى لدينا يشير إلى أن الفقر أحياناً يكون معلماً ومدرباً ، فالظروف الصعبة والحاجة والرغبة فى تعليم الأولاد وزواج البنات يجعلهن يتوجهن للادخار .
هؤلاء النسوة يلجأن للادخار كرد فعل ومواجهة نفسية لمحاربة الفقر وعيش حياة كريمة. وتوفير حد الكفاف .
ساحة النقاش