المقارنات الظالمة! «1»
كتبت : سكينة السادات
قال لى قارئى «أحمد .ش» 30 سنة من مدينة أكتوبر وعيناه مغرورقتان بالدموع الغزيرة:
- لست ابناً جاحداً ينكر فضل والده ووالدته عليه، فلولا كفاح أبى وتضحيته من أجلنا لما أصبحنا أسرة موسرة ويشار إليها بالبنان إذ بدأ أبى من الصغر وتحمل كثيرا حتى صار لنا مكان تحت الشمس، لكن، وبعد الوصول إلى بّر الأمان نسبياً حدثت مفارقات وأحداث أوعجتنى أنا وبعض إخوتي، ولا أدرى حتى الآن هل كانت أفعالا ظالمة من أبى «حبيبى إلى اليوم وطول العمر» أم أن كل إنسان حُرّ فى ماله وفى قراراته؟
قارئى الشاب أحمد خريج كلية التجارة متزوج وله طفل واحد عمره عام ونصف العام، كان يتكلم حديثا صافيا من قلبه وكلما كان يرى أنه أتى شاكيا من ظلم أبيه كان يبكى بحرقة ويقول:
- حاشا لله أن أنكر فضله!
قال أحمد.. بدأ أبى حياته العملية وهو حائز على شهادة الثانوية القديمة وتعذر دخوله الجامعة لظروف وفاة والده الذى كان يمتلك عدة قراريط بسيطة فى قريته ينفق منها على بيته وأولاده الستة!
وكان والدى كبيرهم وكان فخرا لوالده أن تحمل تعليمه حتى الثانوية وسافر جدّى إلى القاهرة، لكى يتوسط عند رجل أعمال بلدياته لكى يوظف أبى فى شركته التى كانت ناجحة ومحترمة، وتوظف أبى وثبت أقدامه وحظى بتقدير صاحب الشركة لشدة أمانته وحرصه على مال الرجل وبدأ أبى يتشرب العمل وهو تجارة الحبوب والغلال وكان بطبيعته حريصاً لا ينفق إلا للضرورة وتمكن من الاستقلال بنفسه وفتح شركة صغيرة باسمه وظل ينميها حتى صار لها كيانها فى السوق وذلك بمساعدة بلدياته رجل الأعمال الذى ساعده كثيراً من شدة حبه له ومن إيمانه بأن «الأرزاق على الخلاق» والسوق يتسع لعشرات الشركات المماثلة وكذلك لحرص أبى على ألا يضر بمصالحه وعملائه.
ويستطرد أحمد.. باختصار يا سيدتى فقد نجح أبى وتزوج من ابنة عمه وأنجب منها خمسة أولاد صبيان وبنات وأنا لست منهم لا أنا ولا إخوتى المظلومين فإن حكايتنا لم تكن قد بدأت بعد!
ويستطرد قارئى أحمد..
ما حدث بعد ذلك سمعته مرة من أمى ومرة أخرى وبصورة مختلفة من إخوتى الكبار عن طريق غير مباشر ومرة ثالثة من والدى.. فماذا كانت الحكاية؟
كانت الحكاية أن فتاة جميلة من أسرة متوسطة حائزة على بكالوريوس التجارة رشحها أحد أصدقاء والدى للعمل فى الشركة التى كانت قد كبرت وتوسعت وصارت لها أعمال كثيرة!.
وتقدمت الفتاة العذراء ذات الواحد وعشرين عاما، الجامعية، للعمل فاختارها والدى مديرة لمكتبه ثم أحكى لك الحكاية التى روتها لى أمى أولاً.. قالت أمي..
- كنت فتاة فى مقتبل العمر من أسرة متوسطة وبحثت عن عمل فلم أوفق فتوسط لى خالى شقيق أمى لدى صديقه لكى أعمل محاسبة بالشركة التى يملكها وفعلاً .. التحقت بالعمل واختارنى الحاج صاحب العمل لكى أدير مكتبه ثم وجدته يخصنى بعطف خاص ولم يكن قد دخل حياتى رجل من قبل! ووجدتنى أحبه من كل قلبى وأحلم به فقد كان رجلا محترماً متدينا ورغم أنه لم يكن جامعياً إلا أنه كان محترماً وحازماً فى عمله وفوجئت به بعد ثلاثة شهور من عملى يسألنى هل أوافق على الزواج منه وهو زوج وأب لخمسة أولاد؟ فقلت.. نعم.. أقبل!
وتستطرد والدة أحمد.. تزوجنا دون علم أحد من أسرة الزوج ولكن بعلم أسرتى وخالى بالطبع، وطبعاً تركت العمل وأنجبت له ثلاثة أولاد منهم صاحب هذه الحكاية وابنة وابن صغيران ثم اكتشفت زوجته الموضوع وهى ابنة عمه وضغطت عليه الأسرة والأقارب فطلقنى لكنه لم يقصّر يوما واحدا فى الانفاق على أولاده ولا على بيتى بل كان يغدق علينا كثيراً لكنه لم يحاول أن يعود إليّ بل لم يحاول أن يرانى وكان شرطه الوحيد أن أتفرغ لبيتى وأولادى وألا أتزوج، وإلا ضم إليه أولاده.
واستمر الحال على هذا المنوال عشرات السنين حتى كبر الأولاد جميعاً وتخرجوا فى الجامعة والتحق الولدان بالعمل فى شركة والدهما، أما البنت فقد ظلت فى البيت بلا عمل بناء على رغبتها!
قال أحمد.. انتهت حكاية أمى ولكننى سمعت الحكاية بشكل مختلف من إخوتى الكبار الذين يعملون فى شركة أبينا فماذا كانت حكايتهم؟ وأين الحقيقة؟ وما هى رواية أبى عن هذا الموضوع.. الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية.
ساحة النقاش