كشف حساب يا مستعجلة الخطاب
كتبت :نجلاء ابوزيد
أحب زوجي وأولادي وحياتي لكنني فجأة بدأت أشعر بأنني كبرت وأن عمري ضاع دون أن أضع لنفسي شيئاً،أنهيت كل شيء مبكراً فلم أعد أستمتع بشىء في حياتي .. كانت هذه السطور ملخص شكوي جاءتني من إحدي القارئات عبر الهاتف لتلخص بها معاناتها حيث أوشكت علي الأربعين وتشعر بالملل والخوف لأنها تزوجت وهي طالبة بالجامعة واليوم يطلبون ابنتها للزواج؟!
ولشعوري بصدق ما تشكو منه وتكرار المشكلة علي لسان كثيرات قررت فتح التحقيق في قضية الزواج المبكر وما آثاره علي المرأة بعد الأربعين هل تظل سعيدة بقرارها أم ماذا؟ وما رأي المتخصصين في مشاعر هذه الفترة وضرورة إدراكها مبكراً
البداية مع إيمان ياسين - بكالوريوس سياحة وفنادق- وربة بيت حيث قالت : ارتبطت بقصة حب منذ اليوم الأول لى بالجامعة توجت بالزواج قبل حصولى على البكالوريوس بأيام وكنت فى غاية السعادة وقتها ونسيت كل أحلامى الخاصة المتعلقة بالعمل والسفر وتفرغت لبيتى وزوجى .
كنت أتابع نجاحات بعض صدديقاتى وعدم زواجهن فأشعر بغيرة لا تدوم لدقائق ثم أعاود نشاطى فى متابعة أولادى وحياتى وكان معظمهن قد تزوجن فى الثلاثين أو بعدها ومنهن من لم تتزوج وتشعر بالأسى وكنت أوقول دواما إن اختيارى هو الأفضل فالبيت هو الأفضل .
لكن ببلوغى للثلاثين ثم تجاوزى لها تغيرت مشاعرى حيث بدأت أمل من المسئوليات وأتمنى بعض الحرية وبدأت أكره انشغال زوجى الدائم عنى ولاحظت أن شقيقاتى الأصغر كلهن تزوجن بعد التحاقهن بأعمال مختلفة فبدأت البحث عن عمل لكن لم أجد عملا يناسب ظروفى خاصة أنا أم لثلاثة أطفال ما بين ابتدائى وإعدادى .
وزادت مخاوفى عندما بدأ العرسان يتقدمون لابنتى الطالبة بالجامعة وشعرت بالخوف عليها مما أشعر به الآن لكن فى الوقت نفسه أخشى أن أضيع عليها فرصة ارتباط جيدة وأشعر بحالة ملل شديد من كل شىء، أولادى لم يعودوا فى حاجة إلىّ وزوجى يسافر كثيراً، أنا لم أحقق أحلامى الخاصة !
كنت متأكدة
وتلتقط منها أمانى عبدالفتاح - بكالوريوس هندسة - الحديث قائلة : تزوجت فى السنة الثالثة بالجامعة وكنت أعلم أن زواجى السريع هذا قد يعوق أحلامى لكننى أردت خوض التجربة لأعيش مشاعر الأمومة وأبنى حياتى .
تفرغت لأسرتى بمجرد حصولى على بكالوريوس الهندسة وأنجبت ولداً وبنتاً واعتنيت بهما بشكل كبير ولم أشعر بالندم أو الحزن عندما أجد زميلاتى فى مراكز جيدة فمعظمهن لم يتزوجن بعد، لكن ما أن احتفلت بعيد ميلادى الواحد والثلاثين منذ أيام إلا وشعرت أن عمرى سيضيع وأنه آن الأوان أن أقوم بعمل شىء خاص بى، وفعلاً تقدمت بأوراقى لاستكمال دراساتى العليا بالكلية وبدأت المحاضرات ورغم صعوبة العودة للحياة كطالبة لكننى أحاول أن أتعلم من تجارب الآخرين، فالأولاد سيكبرون ووقتها سأشعر أن عمرى ضاع.
حسن الاختيار
أما نيفين طلعت - إعلامية- تقول : الزواج المبكر لا يمثل أى مشكلة إذا أحسنت الفتاة الاختيار وارتبطت بمن يستوعب طموحها وأحلامها لا من يبقيها فى البيت ويقضى على أحلامها .
فتشعر بمرور الوقت أن حياتها ضاعت بلا ثمن.
وأنا شخصيا تزوجت وأنجبت وأنا مازالت فى الفرقة الرابعة بكلية الإعلام وكان زوجى طبيباً وبعد التخرج بقيت فترة فى المنزل حتى كبرت ابنتى ثم بدأت التدريب فى إحدى الصحف وبعد فترة عينت وحققت كل أحلامى .
أهم شىء ألا تتوقف حياة الفتاة على أسرتها فقط لأن هذا سيخلق مشاعر ندم بداخلها كلما مرت الأعوام ووجدت زملاءها يشغلون مناصب محترمة .
«ابنتى تكرر أخطائى» هكذا تحدثت السيدة إصلاح حسن - بكالوريوس تجارة - قائلة : بمجرد تخرجى جاءتنى فرصة بأحد الفنادق الكبرى وهناك توافرت فرصة ارتباط رآها الكثيرون لقطة وكان شرط زوجى ألا أعمل وفعلاً تنازلت عن طموحاتى وتزوجت وأنجبت وانشغلت بأولادى وزاد وزنى لدرجة أننى الآن فى الخامسة والأربعين ومن يرانى يظننى فى الستين وينادوننى بلقب حاجة .
بينما يعمل زوجى فى السياحة ويستمتع بحياته بشتى الطرق وعندما أتحدث مع بعض الصديقات أشعر بندم شديد لأننى تسرعت واخترت الزواج، وهذا لا يعنى أن العمل كان أهم لكن كان من الممكن أن أتريث قليلاً لأستمتع فيها بحياتى بحيث لا تراودنى مشاعر ندم الآن .
لكن الكارثة الكبرى أن ابنتى الطالبة بالألسن تريد تكرار تجربتى فهى تحب ابن عمها وموافقة على الزواج منه والسفر معه منذ الآن وكلما نصحتها أو قدمت لها تجربتى تخبرنى أنها تفضل الاستقرار وأنها لن تشعر مثلى بالندم .
أنا مستقرة
ولم تعرف دعاء محمد -محاسبة - معنى الندم لزواجها مبكراً تقول بمجرد تخرجى تزوجت زواجاً تقليدياً وبقيت فى البيت عدة أعوام لكن عندما شعرت بالملل بدأ زوجى يساعدنى فى البحث عن عمل ،وعملت فعلاً بوزارة الرى ، وبالرغم من كونى موظفة عادية إلا أننى سعيدة لأن حياتى مستقرة وهناك ما يشغلنى خاصة وأن أولادى فى الجامعة ولا يحتاجون لى إلا نادراً لتجهيز الطعام .
فمشكلة الزواج المبكر أن مشاعر الندم قد تراود من بقيت فى البيت وليس لها حياة خاصة، أما من اندمجت فى الحياة العملية ولو متأخراً فتشعر بأنها لم تخسر شيئاً، فالمشكلة ليست فى الارتباط المبكر لكن فى الظروف المحيطة بهذا الارتباط .
وبعد الاستماع لآراء السيدات اللائى مررن بتجربة الزواج المبكر كان علينا التوجه للمتخصصين للتعرف على كيفية التعامل مع مشاعر الندم التى قد تصيب البعض عندما لا تتحقق أحلامهن الخاصة ويتسرعن فى الزواج.
تقول د. زينب شاهين أستاذة علم الاجتماع وخبيرة العلاقات الأسرية: عندما نتحدث عن الزواج المبكر يجب التركيز على أن الضرر لا يقع على الفتاة فحسب، لكنه يؤثر على المجتمع والتنمية حيث يقلص الزواج المبكر من فرص الفتاة فى التعليم والعمل وأن يكون لها دخل اقتصادى خاص وكل هذا يساهم فى التنمية على مستوى المجتمع ككل .
كما يجب التأكيد على ما يصحب الزواج المبكر من مردود سلبى على صحة البنت وتعرضها لأزمات شديدة، يلى ذلك ما يسببه من ارتفاع حالات طلاق فيما بعد بسبب عدم التوافق الزوجى ووضع الفتاة فى موقف المسئولية الاجتماعية قبل بلوغ مرحلة الإدراك العقلى لحجم المسئولية الملقاة عليها كمؤسسة لأسرة .
وبمرور الوقت قد تظهر سلبيات أخرى خاصة عند هذه الفئة من الفتيات اللائى يتزوجن بمجرد إنهاء دراستهن الجامعية حيث يشعرن بعد مضى فترة من الزمن وكبر الأولاد وانشغالهم بحياتهم الخاصة أنهن لم يضفن شيئاً لأنفسهن وأن الحياة مرت سريعاً ويبدأن فى مقارنة حالهن بحال من تخرجن معهن وعملن وحظين بمراكز جيدة خاصة من تزوجن منهن .
النضوج عبء
فمشكلة الفتاة التى تتسرع فى الزواج أنها تبحث عن الأمور الشكلية ، كارتداء الفستان الأبيض والارتباط بشاب تحبه ، وكلما نضجت بحثت عن أمور أخرى.
وأضافت قائلة: لذا نجد أن هذه المعاناة تظهر بقوة عند من تخلين عن طموحاتهن أمام من جمعت ما بين الارتباط والعمل فلا يشعرن كثيراً بالندم لأنها حرصت منذ البداية على وجود حياة خاصة تظهر فيها قدراتها الذاتية وليس فقط مهارتها كزوجة وأم.
وتنصح د. شاهين بضرورة التريث فى الاختيار وانتظار فترة حتى تدرك الفتاة حجم المسئوليات المقبلة عليها وأن تكون وجدت عملاً تظهر فيه مهاراتها بحيث لا تتزوج قبل الـ 25 حتى لا تراودها هذه المشاعر بعد فوات الأوان .. وأكدت أننا لا يمكننا القول أن ارتفاع نسبة العنوسة لعبت دوراً فى زيادة نسبة الزواج المبكر لعدم وجود دراسات إحصائية تظهر ذلك
ساحة النقاش