من «كفر وهب» إلى كل المصريين
سر التقدم هو الإرادة الشعبية
بقلم :أمل مبروك
جاء اختيار اليونسكو لكفر وهب كأفضل قرية نموذجية فى العالم لشهر أبريل الماضي بناء على نجاح أهلها فى حل مشكلاتهم بالجهود الذاتية دون انتظار تدخل المسئولين التنفيذيين بمحافظة المنوفية التى يتبعونها، حيث شكلوا لجانا شعبية لتوزيع أنابيب البوتاجاز والخبز، إضافة إلى تجميل مدخل القرية وشوارعها بالأشجار، مما جعلها قرية متكاملة الخدمات وصديقة للبيئة، ولعل أول مايشعر به الزائر للقرية هو أنه يتجول فى واحدة من قرى الريف الأوروبى .. فالأشجار والزراعات الخضراء تحيط بالبيوت، وللوهلة الأولى يلفت انتباهه تلك الحركة الدؤوبة لتنظيف الشوارع، حيث خصص الأهالى فرق عمل من الشباب لجمع القمامة بصورة يومية وتدويرها بالجهود الذاتية، عبر اشتراكات شهرية رمزية لأبناء القرية.
المشاركة فى التفكير والتنفيذ
وفى وقتنا الحالى لا يلتقى اثنان أو أكثر إلا وكان الحوار حول ما يدور من أحداث فى الشارع المصرى ومستقبل البلد، والمشاكل الاقتصادية وأزمات ارتفاع الأسعار والبطالة والخلل الأمنى والزحام المرورى وانقطاع الكهرباء ونقص الوقود، وعند التفكير فى وضع حلول لها يتطرق الحوار لدور المجتمع المدنى والجهود الذاتية للمواطنين، ويبدو أن هذا الدور هو الحل الأمثل للخروج من الصندوق الذى يعيش فيه متخذو القرار والمسئولون الحكوميون، والأهم من ذلك أن مشاركة المواطن فى التفكير والتنفيذ ستجعله يشعر بمسئوليته عن حماية أصول الدولة وأن تلك الأصول ملك له يدفع ثمنها من الضرائب التى يتم خصمها من راتبه الشهرى أو ضرائب الأرباح التجارية وضرائب المبيعات وكلها يتحملها المواطن دون أن يشعر.
والدليل على ذلك ماقام به د. مجدى عبد المقصود - أحد أبناء قرية كفر وهب - عندما كان طالبا بكلية الطب منذ عشرين عاما، إذ كان الطلبة يخصصون يوما لتنظيف الجامعة فقرر أن يفعل ذلك بقريته، ووجد استجابة من أبناء القرية الذين قاموا بالتنظيف وزراعة الأشجار حيث امتلأت الشوارع حتى أن الزائر لكفر وهب يشعر أنه فى حديقة عامة وليس فى قرية، فهناك مايقرب من ألفى شجرة وشجيرة مستديمة الخضرة من أشجار السرو والنخيل الرخامى والنيم، وضعت بصورة هندسية أمام المنازل لكى تمتص المياه الجوفية بالقرية وتجعل منسوبها فى حده الأدنى، وتضفى طابعا جماليا لشوارع القرية، إضافة إلى طرد الحشرات والناموس والذباب، وبعض الأشجار تفوح منها رائحة المسك، ويؤكد الأهالى هناك أنهم تغلبوا على مشكلات تلوث المياه بإنشاء محطة للتنقية بالجهود الذاتية وفق أحدث تقنيات الفلترة، بحيث تخرج مياه لا تصلح فقط للاستهلاك الآدمى بل تصلح للغسيل الكلوى .. وتضم المحطة وحدة تعقيم بأشعة فوق البنفسجية لقتل البكتيريا وتنقية المياه بدرجة عالية، كما أن شباب القرية أقاموا فصولا لمحو الأمية بعد نهاية اليوم الدراسى، فأصبحت القرية خالية تماما من الأمية، وحصلت المدرسة الابتدائية بالقرية على درع الجودة على مستوى الجمهورية.
اقتراحات وحلول مبتكرة
لاشك أن كلمة السر فى مثل هذا النجاح هى الإرادة الشعبية والجهود الذاتية التى يبوح بها أبناء كفر وهب لكل المصريين الراغبين فى التغيير للأفضل والذين يكثرون من التفكير فيما يعانونه من مشاكل ويضعون لها حلولا مبتكرة، فهذا شاب مستعد لحل مشكلة المرور فى منطقة المعادى التى يسكن بها بمساعدة أصدقاء مهندسين يقومون بأنفسهم بإعادة تنظيم الأرصفة فى الشوارع الرئيسية وتوسعة الشوارع على حساب الأرصفة العريضة جدا فى بعض المناطق التى يستخدمها أصحاب المحال فى عرض منتجاتهم بدلا من سير المشاة، وبالتالى تكون هناك فرصة أكبر للسيارات التى لم تعد تكفيها هذه الشوارع الضيقة.
أما حل مشكلة القمامة التى فشلت الحكومة فى مواجهتها، فيطرحها شاب آخر بدون أن تتحمل الإدارات المحلية أية أعباء سوى توفير مناطق لتجميع القمامة وإعادة تصنيعها، بل على العكس فإن المخلفات المنزلية ربما تكون لها قيمة يُدفع لها مقابل.
وفيما يتعلق بالنظافة يتساءل شاب ثالث : لماذا لا تعمل إدارة النظافة ليلا بدلا من الصباح بحيث تبدأ عملها بعد منتصف الليل وحتى الفجر، وهى الفترة التى تكون فيها الشوارع خالية من المارة والسيارات وأتوبيسات النقل العام فيكون الإنجاز أسهل وأسرع وبدون إعاقة لحركة السير، ويتم تنظيف الشوارع ليلا وغسلها بالمياه وفى الصباح تكون كل الشوارع نظيفة وجاهزة لاستقبال الناس والسيارات، ويكون كل محافظ مسئولا عن متابعة تنفيذ ذلك مع رؤساء الأحياء، وهناك اقتراحات وحلول أخرى كثيرة للغالبية العظمى من مشاكلنا اليومية تحتاج فقط لتضافر جهود أبناء كل منطقة أو حى للبدء فى تنفيذها مثلما فعل أبناء كفر وهب
ساحة النقاش